أهالي حي المعصرانية في حلب والمصير المجهول
لولا النداء الذي وجهه بعض أهالي حي المعصرانية لقاسيون لتكتب عن معاناتهم لما كان يخطر ببالنا أنه توجد معاناة بحجم معاناة تلك الأسر الفقيرة بكل ما في تلك الكلمة من بؤس وشقاء.
بمجرد وصول بعثتنا إلى الحي تجمع الأهالي حولنا، وكعادة هؤلاء البسطاء الذين لا ظهر لهم!! كل منهم يريد منك أن تسمع قصته، لكل منهم تفصيل مختلف قليلاً، ولكن القصة هي نفسها، تتلخص بقيام مؤسسة الإسكان باستملاك 36 محضراً لبناء وحدات السكن الشبابي، ولكن مشكلة هؤلاء الناس أن مؤسسة الإسكان التي تعمل تحت غطاء نبيل، وهو حل مشاكل السكن للشباب!! قد استملكت تلك المحاضر دون أن تدفع ثمن الأرض، وكأنها أرض بلا سكان!!
في المرحلة التالية من تلك القصة يظهر سكان تلك المحاضر (وهم بالطبع ليسوا من سكان الكهوف) بصكوك ملكية قضائية (حكم محكمة)، ولكن من يساند هؤلاء المهمشين أعداء الشباب (بنظر الإسكان)، أين تذهب العائلات؟ كيف سيتدبر الناس أمورهم؟ والأطفال هل سيتحولون إلى أطفال مخيمات؟ الله وحده يعلم المصير.
حي المعصرانية بحلب هو حي ينطبق عليه تعريف حي مخالف تنظيميا بامتياز، وهو يضم شرائح من المواطنين الأكثر فقراً وأولاداً، لا يمكن أن يعرف البؤس والفقر مكاناً أفضل من ذلك الحي بشوارعه الترابية وبيوته المتناثرة، ولكن 60% من أحياء مدينة حلب الشهباء مصنفة كأحياء مخالفات ولم تبدل السنون ولا تعاقب المحافظين ورجال التخطيط والتنظيم في البلدية من أمر ذلك الواقع، وتصنف مدينة حلب في المرتبة الأولى بحسب مساحات أحياء المخالفات التي فاقت 3200 هكتار فقط!!
تفاصيل استملاك حي المعصرانية
يقع هذا الحي في الطرف الشمال الشرقي لمدينة حلب بالقرب من أوتوستراد حلب الرقة، وفي 5/ 12/ 1982 أصدر رئيس بلدية حلب قرار الاستملاك لعدد من المحاضر في المنطقة العقارية العاشرة بشكل كلي ولـ 36 محضراً بشكل جزئي استناداً للمرسوم الجمهوري رقم 2279 لزوم توسيع طريق المطار ومد مجرور سكن البحوث العلمية بعرض 5 أمتار، وهنا لا توجد مشكلة، لأن الناس لم تقترب من المحاضر المستملكة كلياً، وتم البناء على المحاضر المستملكة جزئياً بعد أن أخذت البلدية حاجتها من الأراضي، وكان الشراء يتم بحكم المحكمة، وبعد الحصول على الصحيفة العقارية التي تبين بشكل لا لبس فيه خلو الأراضي من إشارة الاستملاك، وكما هو متعارف عليه لا تكلف الجهات المسؤولة نفسها عناء إلغاء قرارات الاستملاك بعد إتمام أعمالها، وهذا لا يخص تلك المنطقة فقط، بل مئات المواقع المستملكة في سورية. في عام 2002 قامت بلدية حلب ببيع أو التخلي للمؤسسة العامة للإسكان عن الاستملاك الجزئي التي استملكت المنطقة بشكل كلي دون دفع ثمنها للسكان، واكتفت بإيداع مبلغ 8 ل.س للمتر المربع في المصرف لأصحاب المحاضر الأساسيين، كون عدم تنظيم المنطقة حافظ على المالك ولكن البيع كان يتم بحكم محكمة للأسهم. وبالرغم من وجود مناطق محاذية للمنطقة عبارة عن كروم إلا أن الإسكان فضلت المسكونة عن تلك لغاية لا نعرف ماهيتها.
العشرات من الكتب والعرائض بخصوص تلك المشكلة لم تفعل شيئاً،ً وكان مصير أغلبها الإهمال أو الضياع، المكرمة الوحيدة التي وجهها مكتب رئيس مجلس الوزراء لوزير الإسكان والتعمير بتاريخ 4/7/2005 هي بالسماح لـ 627 شاغل بالتسجيل على المساكن الجديدة، مثلهم كمثل أي مسجل آخر، وهنا لب المشكلة، وهو المقابل المادي للأراضي والبيوت، التي يبدو أن الإسكان يصر على تجاهل ذلك تماماً، وهو بذلك يخالف كل قوانين الاستملاك حتى في أبشع صورها.
ومنذ ذلك الوقت وسكان الحي لا يعرفون للراحة مكاناًُ، الجميع بلا استثناء لا يملكون غير تلك البيوت التي استهلكت شقاء عمرهم وبنوها على مدار الأيام والسنين، العديد من المنازل تحوي عدة أسر، وكل أسرة تملك على الأقل نصف دزينة من الأطفال، وبجهود هؤلاء تم جلب الماء والكهرباء والهاتف ومد مجرور الصرف الصحي، فكيف تم لهم ذلك إن كانت أراضيهم مستملكة، الجواب بسيط وهو أنه قبل عام 2002 لم تكن مستملكة، وتعاملت معها البلدية على أنها حي مخالف يكمل قوس أحياء المخالفات في حلب، ويضيف نقطة سالبة أخرى في تصنيف مدينة حلب في سجل إخفاقات التخطيط والتنظيم العمراني للمدينة.
إن نظام توزيع المقاسم الناتجة عن تطبيق قانون التوسع العمراني الصادر بالقرار رقم 1558 لعام 1994 من ضمنه المواد التالية على:
■ المادة 7
يباع مقسم الفئة الأولى إلى جهات القطاع العام والمشترك والجمعيات التعاونية السكنية والأفراد الذين استملكت عقاراتهم.
■ المادة 8
أ- مع مراعاة أحكام الفقرات اللاحقة من هذه المادة، يحق لكل من أصحاب العقارات المستملكة لتنفيذ المشروع أن يحصل على حاجته من مقاسم الفئة الأولى بالأسعار المحددة لهذه المقاسم وفق المادة 6 من هذا القرار.
■ المادة 9
أ- بعد تحديد القيمة الأساسية للمقاسم، تشكل الجهة الإدارية لجنة من ثلاثة أعضاء يكون أحدهم على الأقل مهندسا، تتولى تحديد حاجة كل مالك من المقاسم وأجزاء المقاسم التي يستحقها كل منهم على نسخة من المخطط المصدق للمشروع وذلك بموجب أحكام المادة 8 من هذا القرار وتنظيم جدول توزيع بذلك.
و بعد هذا كله أين ذهبت حقوق الناس ومصالحهم، الكثير من سكان الحي برجاله ونسائه وحتى الأطفال الذين يعيشون هموم الطرد والتشرد بدل اللعب والتعلم صرحوا لنا بهمومهم..
إبراهيم مصطفى: الإسكان ومجلس مدينة حلب يريدون تهجيرنا، ونحن لدينا سندات ملكية بقرار محكمة وبالاتفاق مع الإسكان ومجلس مدينة حلب بأخذ الأرض مجاناً..
رضوان خلف: هنا الناس تكافح من أجل لقمة العيش، لدي 12 ولداً أعيش بنصف محضر
ولا أملك سوى بيتي والناس هنا من موتها وخوفها ذهبت للاكتتاب، ولأن ليس لدي شيء لأبيعه، وعندما تأتي الجرافات لتهدم بيوتنا، سأفترش الشارع وسأسلم أمري لله، نريد تعويضاً منصفاً، ونحن لسنا ضد الإسكان ونريد تجميل البلد.
محمد حجازي عمقي : نحن نملك حكم محكمة لأن الأرض زراعية وقد وكلنا محامين لأجل ذلك، واتهمنا أننا مغفلون وأن القانون لا يحمي المغفلين، ولكننا نحمل سندات تمليك صادرة عن القضاء، فهل القضاء أيضا مغفل، القاضي قبل أن يصدر حكمه يطلب الصحيفة العقارية وبموجبها يصدر الحكم بالملكية، ومنذ عشرين سنة نحن في المنطقة وقد راجعنا الاستملاك وقالوا لنا ليس لكم حق عندنا، وقد دفعنا ثمن الأرض للمالك الأصلي بسعر 8 ل.س للمتر المربع، وهم موجود بموجب حساب في البنك، هناك أراضي مستملكة وهي معروفة للجميع ولم يقترب منها أحد، وكانت البلدية قد وضعت لوحة تبين ذلك مثل موقع المدرسة وموقع مخفر الحلوانية، أما أراضينا فهي لم تكن مستملكة وإنما مصنفة كمنطقة مخالفات مثلها كمثل الكثير من الأحياء في حلب، وقد بنيت تحت أنظار وبتواطؤ من البلدية، العديد من المنازل هنا ثمنها أكثر من مليون ليرة والعديد من الأسر تسكن في منزل واحد، ولكن الإسكان تريد تسجيل مكتتب واحد فقط. أين يذهب الباقون؟؟ عندما قلنا للمحافظ: الناس هنا لا تملك ثمن الدفعة الأولى، فأجابهم: «بيعوا أغراضكم وأدواتكم المهم دبروا أنفسكم».
آخر ما قام به الأهالي هو التوجه بنداء استغاثة للسيد الرئيس بشار الأسد عسى أن يساندهم لحل لمشكلتهم التي تمس وجودهم ومستقبلهم وقد وقع تلك العريضة المئات من الرجال والنساء وإليكم نصها:
«السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية..
السيد رئيس مجلس الشعب
نحن سكان حي المعصرانية في محافظة حلب المستملكة بيوتهم لصالح مؤسسة الإسكان وباسم791 أسرة فقيرة مهددة بالتشرد، نناشدكم بمساعدتنا في حل مشكلتنا التي تتلخص في أن مؤسسة الإسكان استملكت بيوتنا بمقابل السماح لنا بالتسجيل في مشروع السكن الشبابي فقط وبنفس شروط المشتركين الاخرين، وهكذا فإن بيوتنا اُستملكت بالمجان، مع العلم أننا نملك صكوك الملكية لتلك البيوت وهي صادرة عن القضاء قبل ذلك الاستملاك الجائر.
سيدي نحن لا نملك سوى تلك البيوت التي هي ثمرة شقائنا وتعبنا واليوم نُهدد بالطرد منها دون تعويض عادل، نناشدكم ونرجوكم مساعدتنا رحمة بنا وبأطفالنا ودمتم للشعب والوطن الذي نفديه بأرواحنا»
نتمنى أن تجد مشكلة أهالي حي المعصرانية حلاً عادلاً. إن طرد السكان من أرضهم دون تعويض عادل، لا يوجد له ما يبرره سوى خلق بؤر توتر تضاف لما هو موجود وتزيد من غربة المواطنين عن وطنهم في وقت الوطن فيه بأمس الحاجة إلى التفاف الناس حوله وإن من لا بيت له، لا وطن له، فكيف سيكون حال من يطرد من بيته؟؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.