انتهاك سافر آخر.. محاولة الاستيلاء على أقدم جامع في اللاذقية
يعتبر جامع علاء الدين بن بهاء الخشاش من المعالم الدينية الهامة في اللاذقية، باعتباره أقدم مسجد في المدينة، ومن أهم معالمها التاريخية والأثرية، لا بل إنه الأقدم في الساحل السوري، حيث يعود بناؤه إلى بدايات الحضارة الإسلامية في بلاد الشام.
هذا المعلم التاريخي الهام له قدسيته الدينية التي حافظت عليها ورعتها عناية الأجداد على مر العصور، وتبين الكتابات التاريخية المنحوتة على جدرانه أنه بني وشيد على وقف إسلامي، وعلى طريقة البناء الإسلامي تاريخياً، وقد ذكره الرحالة الكبير ابن بطوطة في رحلته «ص81»، ووصفه بأنه مسجد وزاوية خيرية، وهناك مدونات تاريخية تؤكد احتضانه للبنائين المرافقين لحملات صلاح الدين الأيوبي في الساحل السوري ضد الفرنجة.
هذا الجامع اليوم، يكاد أن يصبح عرضة للهدم والضياع وتغيير كل المعالم الأثرية فيه نتيجة أطماع البعض الذين لا يهمهم سوى الربح.
فحسب السجلات العقارية في محافظة اللاذقية، يقوم هذا الجامع على العقار /401/ وقف إسلامي، تجاوره عقارات أوقاف إسلامية /402، 403/ تحت اسم وقف الشعار، وجميعها تتبع من حيث الملكية لمديرية الأوقاف باللاذقية، وقد بدأت قصة محاولة الاستيلاء عليه منذ عدة سنوات حين فوجئ سكان حي الصليبة القديمة ـ شارع أبو العلاء المعري، بقرار هدم للجامع، ومن ثم دمجه مع العقارين المجاورين له بقصد بناء مشروع سكني تجاري، وهو ما أثار حينها حفيظة أهالي المنطقة الذين اتفقوا على الوقوف ضد قرار الهدم مهما بلغت التحديات، وهكذا قاموا بتقديم اعتراضات كثيرة على الهدم خاطبوا فيها جميع الجهات المسؤولة في المحافظة، بدءاً بالمحافظ ومجلس المدينة، مروراً بمديرية حماية المدينة القديمة ومديرية الآثار والمتاحف والمحامي العام باللاذقية ـ وأخيراً عبر رفع شكوى للسيد وزير الأوقاف.
وقد تعهد الأهالي أمام جميع الجهات التي راسلوها معترضين على قرار الهدم والضم، بأنهم مستعدون لترميم المسجد على نفقة الميسورين من أبناء الحي دون القيام بجمع أية تبرعات من أحد أو إلزام الجهات المعنية بأية تكاليف مادية مهما بلغ حجمها.
وهكذا، وبناءً على هذا الإصرار، جرى التراجع ولو شكلياً عن فكرة الهدم، ووافقت مديرية الأوقاف على القيام بأعمال الترميم فوراً، فقام أهالي الحي بترميم المصلى كاملاً خلال فترة وجيزة، ولم يبق سوى صحن المسجد ومكان الوضوء الذي كان يشغله بعض المنتفعين دون وجه حق وبالتواطؤ مع بعض في المجلس البلدي الذين سمحوا لهم بالاستيلاء على هذا القسم وجعله بقالية ضمن حرم المسجد، فتعهد الأهالي ثانية وبحسن نية على تقديم التعويض اللازم للشاغلين رغم مخالفتهم الصريحة للقانون..
المفاجأة الغريبة أن مديرية الأوقاف راحت تتقاعس وتماطل في تقديم العون، وهي ما تزال تسوف في حسم القضية منذ خمس سنوات لأسباب لا نريد التكهن بجوهرها.. يقول أحد المتبرعين في الورقة التي قدمها إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش برقم 1250/ش تاريخ 3/10/2005 والتي أرسلت بدورها صورة إلى كل الجهات المسؤولة عن التسويف:
«إلى من يهمه الأمر..مقدمه: فواز علي عجيل، ويعرض ما يلي:
لقد صدر أمر من السيد المدير العام للآثار والمتاحف برقم 8/4548 ص/ تاريخ 14/7/2005 بالمباشرة بأعمال ترميم مسجد الخشاش الأثري، وعلى نفقتي الخاصة وبموافقة مديرية أوقاف اللاذقية برقم 1019/16/13 تاريخ 15/7/2005 أيضاً للمباشرة بأعمال ترميم، وبعد أن قدمت تعهداً لدى الكاتب بالعدل في اللاذقية برقم عام 12976/خاص 4973 لعام 2005 ترميم مسجد الخشاش وإقامة الصلوات الخمس والشعائر الدينية عليه، وعلى مساحة /84/ متر مربع للمسجد. وبناء على ذلك طلبت مديرية الأوقاف بعملية بيان حدود مساحة للعقار /401/ الصليبة، وهذا العقار عائدة ملكيته لمديرية الأوقاف، إلا أن حرم المسجد مساحته /42/ متراً مربعاً، وباقي المساحة /42/ متراً مربعاً مستولى عليها من المدعوين عبد الرحمن سري سلواية، وعبد الحليم سري سلواية ومحمد عمر جانودي، وقد راجعت مديرية الأوقاف، وكان الرد بأن أستمر بأعمال الترميم، وقبل أن أنتهي من أعمالي سوف نسلمك الأمتار الباقية أي الـ /42/ متراً المستولى عليها، وأن هذا الاستيلاء تحت علمنا. وبعدها راجعت مدير الآثار باللاذقية لتسليمي ما تبقى من مساحة المسجد لاستكمال عملية الترميم، فقال لي مدير الآثار: من حقك استلامها، وهذا الأمر بيد مديرية الأوقاف باللاذقية لأن ملكيتها عائدة لهم، وهي المخولة لاسترداد أملاكها قانونياً، ولها الحق الشرعي والقانوني بهذا الأمر، ولا يستطيع المستولون أن يردعوه، وحتى تاريخه الوعود شفهية (بعد يومين، بعد أسبوع، بعد عشرة أيام... وحتى تهدأ الأوضاع....)..
وأفيدكم علماً بأنني تقدمت إلى مدير الأوقاف باللاذقية بعرض (وذلك بعد أن أعلموني أن الاستيلاء بعلمهم، ودون اتخاذ أي إجراء) بأنني مستعد للتبرع بمبلغ /400000/ ل.س أربعمائة ألف ليرة سورية، (إذا كان الأمر من الناحية الشرعية والقانونية لا لبس فيه) إذا كان لمن يستولي على العقار وله حق الفروغ لكي يتم الإخلاء من قبلكم، مع العلم أن العقار المستولى عليه لا سقف له، وإنما أسقف مستعارة ولا يجوز الترخيص عليها».
هناك أسئلة تفرض نفسها بقوة بعد هذا العرض، وهي:
أولاً: ترى هل جاء قرار الهدم الآنف الذكر لمعلم تاريخي أثري وديني هام مصادفة بريئة، أم أنه نتيجة نهائية وطبيعية بعد إهمال متعمد استمر طيلة سنوات بدأ بضم الجامع إلى العقارين المجاورين له؟
ثانياً: ألا تعني القضية كما تم عرضها وبشكل جلي، أن هناك مصالح مبيتة لفئة فاسدة تحاول أن تغتني رغماً عن القانون وعن الاعتبارات الحضارية لبلدنا؟
ثالثاً: أليس هناك من يماطل عمداً في إتمام عمليات الترميم الأهلية، ليعود ويستصدر أمراً جديداً بالهدم؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة ستكشف القضية بكل أبعادها، وحينها ستتكشف معالم الأيدي الخفية التي تحاول الاستيلاء على أرض الجامع دون الإحساس بأية مسؤولية أو شعور بالذنب لإعدام أهم المعالم الأثرية في مدينة اللاذقية..