كيف أصبحت شيوعياً..
الرفيق (أبو وليد): البداية كانت من باب التثقيف الثوري!
قراءنا الأعزاء، إنكم تعرفون ولا شك هذا العنوان الذي تصدر غلاف كتاب أصدره الأديب الراحل «الشيوعي المزمن» عبد المعين الملوحي عام 2002، ذلك الكتاب الذي استقطب اهتماما واسعا من القوى الوطنية ولا سيما اليسارية، وهذا ما حفزني اليوم إلى أن استخدمه سؤالا أطرحه على عدد من الرفاق داخل التنظيمات الحزبية وخارجها لتكون الإجابات مادة تجسد تجارب متنوعة غنية، عاشها الرفاق حياة حافلة بالبذل والعطاء والتضحيات، ومنها سيستفيد الشباب خبرة ومعرفة، وسيزدادون حماسة وعزيمة في متابعة درب النضال لخير الشعب والوطن وستنشر هذه الإجابات تباعاً..
جمعنا اللقاء الأول بالرفيق خالد ظاظا «أبي وليد» في محل عمله، وبعد التحية سألناه: كيف صرت شيوعيا؟ وكان جوابه التالي:
أنا من مواليد دمشق عام 1954 (عام سقوط الديكتاتورية العسكرية وبداية مرحلة اتسمت عموما بمناخ ديمقراطي)، ولدت في عائلة شعبية كادحة لأب حرفي، وإخوتي الكبار عمال..
في حزيران عام 1967 حدث العدوان الذي زلزل الواقع العربي (كما يعرف الجميع)، وانتهى بسيطرة الصهاينة على القدس والضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان، وكان ما كان من الفجيعة التي عصفت بالكل وملأت النفوس بالمرارة والألم والإحباط، وكان الهاجس الشاغل للناس جميعا: كيف حدث كل ما حدث؟! ومن المسؤول عن وقوع هذه الكارثة المدمرة؟ وما العمل بعد تلك النكبة القاسية المنكرة؟!. وحتى هذا اليوم ما زلت أحس بتلك المرارة فقد كنت واحدا ممن أصابتهم الصدمة، وخابت أمالهم التي كانت تغمر قلوبهم بنصر وشيك على (العصابات الصهيونية من شذاذ الآفاق)، هذا ما كان على الصعيد العام، أما على صعيد الأسرة فنتيجة للواقع المعيشي الصعب الذي عاشته عائلتي اضطررت لترك المدرسة والبحث عن عمل لأشارك في تحمل قسطي من تكاليف الحياة، وسنحت لي فرصة عمل (يناسبني) فعملت في محل لصنع «الآرمات» عند الخطاط المشهور (سابو)،هذا العمل الذي حال بيني وبين ما كنت أمارسه من رياضتي المفضلة (المشي).
مع بداية عام 1970 تركت العمل والتحقت بالعمل الفدائي لفترة ثم التحقت بدورة تثقيف سياسي أقامتها منظمة فتح، ومن جديد ولظروف خارجة عن إرادتي لم أستطع التطوع كما تطوع كثير من أصدقائي وأقاربي للذهاب إلى الأردن، للمشاركة في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية التي كانت تتعرض وقتها لهجوم شرس شنه عليها جيش ملك شرقي الأردن حسين بن طلال صنيعة الاستعمار الانكليزي وحليف العدو الصهيوني. واليوم، أتذكر وبوضوح كبير كيف توطدت علاقتي بأحد أصدقاء أخي، وكان رفيقا شيوعيا لم يقصر في بذل صادق الجهد، وعمل وبهمة يحسد عليها كي يجعلني ألتزم (طوعيا) بالتثقيف الذاتي سبيلا هاما وأساسيا لتنمية إدراكي ووعيي السياسي، وأمدني بالصحف والكراسات الحزبية والنشرات السياسية كنشرة «نوفوستي» وبعض الكتب والروايات، وقد أفلح في ذلك تماما، فخلق لدي الحافز الذاتي الذي كوّن ثقافتي التي كانت الوسيلة الصحيحة لاستيعاب وفهم عوامل ومسببات تردي الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب، وبذلك بدأت أعي إلى حد كبير أسباب وحقيقة الصراع مع قوى الاستعمار والصهيونية والسائرين في ركابهما، ووجدت نفسي- حينها - وبملء رغبتي وقناعتي أتقدم بطلب الانتساب إلى اتحاد الشباب الديمقراطي الذي كان بجدارة واستحقاق مدرسة وطنية نضالية زودتني كما زودت آلاف الشباب غيري بالوعي والفكر العلمي وعلمتنا حب الشعب والوطن والعمل الشريف واحترام البشرية، وفتحت أمامي مجالا واسعا كي أمارس دوري في تنفيذ الكثير من المهام النضالية والنشاطات المتنوعة، ومن ثم قام الرفاق بتنظيم صلة حزبية معي (فترة ترشيح) استمرت قرابة ستة أشهر لأغدو بعدها شيوعيا منظما في إحدى فرق الحزب، وما زلت في صفوف الرفاق أعمل معهم في سبيل تحقيق الأهداف النبيلة والمشروعة لشعبنا في الحياة الحرة الكريمة في وطن حر عزيز مزدهر.
واسمح لي أن أعبر لكم عن شكري لأنكم فتحتم لي صدركم كي أستعيد شريط ذكريات عزيزة وغالية ستبقى محفورة في العقل والقلب وهي جديرة باعتزازي بها لأنها بعض عمري وزهرة حياتي!