من وحي الإصلاح الإداري

تعاقب على كرسي بلدية في ريف دمشق مهندس ومعلمة وضابط متقاعد.. وأخيراً موظف إداري في مشفى حكومي، وأما النتيجة، فأخطاء تتراكم لتكون فيما بعد مصيبة إدارية تنعكس على الوطن والبشر، وفي المقابل يتوسع قاموس الفساد، وتزدهر مشاريعه، ويرفع الفاسد عقيرته مبتهجاً بإنجازات تعهداته التي لم تكن أكثر من صفقات يتقاسمها مع صغار الموظفين بعد إغفاءة المحافظة والوزارة على قوانين يسهل تطويعها، وعندما ينتقد أحد ما أداء هذه المؤسسات الحكومية التي ينخرها الفساد يدفع المتقاسمون مالهم وجهابذة قوانينهم - المعدة سلفاً للالتواء- للدفاع عن مصالحهم المشتركة ومصيرهم الواحد، وفي أعتى الخسائر وأقساها استبدال الوجوه المحترقة بوجوه تقبل الاحتراق.

هذا كله لم يكن سراً يخفى على الجهات الحكومية المسؤولة، وقد صرح وزير الإدارة المحلية في الحكومة السابقة عن نسبة مخيفة تم إبعادها من رؤساء بلدات ومدن لأسباب تتعلق بالفساد والإهمال وسوء الإدارة، وهذا كله ينطوي تحت عنوان عريض يسمى الفساد، ولكن ما يدفع على الريبة أن بعض المحافظين قدمت لهم وثائق تدين البعض، ومع ذلك أعادوا المواطن إلى حضن رئيس البلدية الذي اشتكاه لكي يحل له مشكلته، ووصل الأمر عند البعض للنوم في العسل على أكوام الأوراق التي جمعها أحد المواطنين من أجل إثبات حق لا شك فيه أو ريبة.

قد يكون الكلام مكروراً ومعاداً في هذا الصدد، ولكن لازمته اليوم هو المؤتمر الوطني للإصلاح الإداري والاقتصادي الذي ينعقد للخروج من إحدى أزماتنا الخانقة في العمل الإداري المحكوم بالفساد والمحسوبية والبيروقراطية، والدعوات التي للعمل على عدة مستويات تبدأ من التغيير في آلية الحكومة،  وتغيير أسلوب الإدارة عبر تبنّي الممارسات الإدارية، واعتبر عميد المعهد العالي للإدارة العامة أن أية عملية إصلاح اقتصادي اجتماعي تقوم على تقييم التشريعات والنظم والقواعد التي تسير الاقتصاد والمجتمع، إعادة النظر في عمل الهياكل التي تشرف على تطبيق تلك النظم والقواعد.

ومن أهم الأفكار التي تم طرحها في المؤتمر هو ربط هذا التغيير والإصلاح بالمستوى الحقيقي الذي يجب أن يعاد له الاعتبار  : (إن تحسين الأداء وتطويره المستمر يجب أن يسبقه غرس فكرة احترام الإنسان والمواطن، والتشارك لصنع المستقبل والاستثمار في الطاقات وتنمية الموارد البشرية).

من هذه الفكرة الحقيقية التي يجب أن يؤمن بها دعاة انقلاب المرحلة السورية على ماضيها الفاسد لا بد أن تكون البداية، التي ستنسف ذاكرتنا المملوءة عن كاملها بالعسف والتوبيخ والإهمال الذي تعرض له السوري طوال عقود من فكر إدارة لا ترى فيه سوى مراجع مضطر لها، محتاج لتمرير أوراق اعتماده على مكاتب عقيمة لا تجيد إلا فتح أدراج الرشا والإتاوات.

يجب على عقل الإدارة الجديد - إن سمح له من لا يريد التغيير- أن يرى في المواطن سبباً في وجودها لخدمته، ولا تتعامل معه كمصدر لزيادة دخلها غير المشروع، أو مطية تنفذ إرادتها في إذلاله.

الآن نتذكر جميعنا طوابيرنا المغفّلة على أبواب أوراقنا الثبوتية من ورقة إخراج القيد والنفوس، وغير محكوم، وبراءة الذمة، وغير موظف..إلخ من سلسلة تهدر كرامتنا في الانتظار إلى نظام النافذة الواحدة الذي لا يعني أكثر من اجتماعنا أمام كوتها بدلاً من توزعنا على نوافذ كثيرة.

حتى تاريخه لم يزل المواطن السوري (أبو أحمد) يجمع القوانين وتعديلاتها، وتفسيرات التعديلات، وقرارات اللجان المختصة التي تلد لجاناً أكثر اختصاصاً، وكذلك يجمع المواد التي تستثني حقه من قانون يمنحه الحق، وحتى اللحظة ما يزال سكان كفرسوسة ينامون في الإيواء على أمل أن يعاد العمل بقانون تم تعديله بقانون يعيدهم إلى بيوت تشبه بيوتهم التي صارت (مولاً) وسط دمشق، وشارعاً يضج بالسيارات الفارهة.

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 21:41