الرفيق ماهر حجار أمين مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين: أعلى نمو وأعمق عدالة.. هذا هو برنامجنا الاقتصادي

بعض المقاطع الهامة من المداخلة التي قدمها الرفيق ماهر حجّار : سأبدأ في ورقة العمل هذه من نقطتين أساسيتين تعتبران  نقطتي الانطلاق لهذه الورقة:

الأولى: أنه لا يمكن الفصل على الإطلاق بين الاقتصاد والسياسة، وأن الاقتصاد هو أهم بكثير من تركه بأيدي الاقتصاديين فقط. (ولعل من المشاكل الكبيرة التي يعانيها صنع القرار أن من يعمل في السياسة لا يتقن الاقتصاد، كما أن من يعمل في الاقتصاد لا يتقن السياسة برغم التشابك الجدلي الشديد بين هذين الموضوعين).

الثانية: سورية الآن على مفترق طرق، ونحن على عتبة إصلاح شامل نحو سورية جديدة كما جاء في عنوان هذه الندوة،لذلك فإن الإصلاح الجدي المطلوب في سورية يجب أن يكون: شاملاً.. وجذرياً .. ومحدد الاتجاه(...).

... أعلن منذ البداية أن ورقة العمل هذه مختلفة بل متناقضة منهجياً مع المنهج الذي وسم صنع القرار الاقتصادي في سورية منذ الاستقلال حتى الآن، والذي أصبح - على خطئه العلمي وعلى نتائجه الكارثية على الاقتصاد وحياة الناس – المنهج الأساس الذي تبنى عليه كل السياسة الاقتصادية في سورية؛ وأقصد بهذا المنهج المدرسة النقدية الربوية المعروفة في الكلاسيكيات بالمركنتلية التي تعتقد أن الثروة تصنع الثروة، وأن المال يأتي بالمال. هذه النظرية سادت الاقتصاد الرأسمالي منذ قرون والتي أكدت الحياة فشلها بما لا يدع مجالاً للشك وخاصة بعد الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية، بينما ترى المدرسة النقيضة (مدرسة الاقتصاد السياسي) أن أصل هذه الثروة هو العمل وقيمة العمل.

إذاً، هذا هو المنهج الذي ساد الاقتصاد السوري خلال عقود، وهو الذي تغول في عقول صناع القرار الاقتصادي في سورية في العقد الأخير لنراهم يصرخون ليل نهار أن الاستثمارات (والمقصود لديهم هو جلب نقد من الخارج) هي قاطرة النمو. وليبنوا خططهم كلها على هذا الأساس، لنجد في النهاية: أن لا الاستثمارات الخارجية قد جاءت، والذي جاء منها قد أضر الاقتصاد السوري أكثر مما أفاده، ولنجد أن الخطط التي أعلنوها للوصول إلى نمو في الدخل الوطني 7% على علاتها لم تنجح. فلم يكن بوسعهم سوى أن يصلوا إلى مرحلة من العجز الكامل يضطرون فيها إلى الكذب والتضليل في الأرقام، ولعل من المفيد أن نذكر ما كشف عنه النائب الأستاذ فاروق الشرع في اللقاء التشاوري للحوار الوطني منذ أيام عندما صرح أن الحكومة السابقة كانت تتلاعب بأرقام النمو، وأن الأرقام التي كانت تصلنا مضللة، وصلنا أنها 6-7 % وتبين لنا أنها لم تتجاوز 3.5%(...).

...أمام هذه الأرقام يصبح من الضروري التفكير الجدي ببحث موضوع معدلات النمو وفق الضرورات الوطنية العليا لسورية والتي لا تُبحث حتى الآن، إن كان على المستوى الأكاديمي أو على المستوى العلمي بشكل جدي، ومن نافل القول التأكيد أنها هي بالذات التي ستقرر مصير بلدنا ومستقبله خلال العقود القادمة.  

وأمام هذا الواقع القاسي لا يبقى إلا حلّان نظرياً لزيادة حصة الفرد جدياً من الدخل الوطني، والتي تتطلب على الأرجح مضاعفتها مرة خلال خمس سنوات لكي تتلاءم مع الحدود الدنيا الضرورية للحد الأدنى لمستوى المعيشة:

الحل الأول: إذا استمرينا بالإصرار على إبقاء معدلات النمو الحالية القائمة فإن مضاعفة حصة الفرد مرتين خلال العقد القادم ستتطلب ليس تخفيض النمو السكاني، وإنما اختصار عدد سكان سورية إلى الثلث. وليس هنالك ضمانة أكيدة في هذه الحالة للوصول إلى الهدف المنشود لصعوبة معرفة تأثير انخفاض عدد السكان على النمو الاقتصادي نفسه في الظروف الحالية.

الحل الثاني: أما إذا أردنا الحديث جدياً، فأمامنا حل وحيد وهو رفع وتائر النمو إلى 10% سنوياً. فهل هذا ممكن؟! إن هذا ليس ممكناً فقط، بل أصبح أمراً ضرورياً لا مجال للهروب منه. فقضية النمو الاقتصادي أصبحت قضية تمس الأمن الوطني بمعناه العام السياسي و الاجتماعي والاقتصادي.

فمن أين يمكن تأمين الموارد الضرورية لذلك النمو الذي يتطلب تعبئة كل الموارد؟؟

هنالك عدة خيارات نظرياً لذلك: الخيار الأول: القروض والديون: وهو حل غير مقبول طبعاً، فهو خيار يستند في جوهره إلى المركنتلية في أسوأ صورها. وتجربة بلدان كثيرة في أمريكا اللاتينية وآسيا تنهانا عن ذلك، ناهيك أن سورية قد تجنبت حتى الآن الوقوع في فخ الديون الذي نصب لبلدان عديدة من قبل المؤسسات المالية الدولية مما أدى إلى أزمات شديدة عصفت باقتصادياتها وبمستوى معيشة شعوبها.

الخيار الثاني:  انتظار قدوم الاستثمارات من الخارج: أيضاً هو حل غير مقبول. وهو أيضاً يستند إلى المركنتلية في صورتها المجمّلة، والتي أثبتت التجربة السورية فشل هذا الخيار، وفوق ذلك فإنه عملياً قد طال الانتظار ولم تأت هذه الاستثمارات، ومشكوك بقدومها لاحقاً، وبناء الآمال عليها قبض للريح كما تبين تجربتنا الخاصة، وقدومها له شروطه التي لا يمكن توفيرها في ظل الظروف السياسية في المنطقة وخاصة في الظروف الحالية.

الخيار الثالث: خيارنا كشيوعيين سوريين عارضنا السياسة الاقتصادية الاجتماعية في سورية منذ سنوات طويلة وطالبنا منذ عام 2005 بإسقاط الحكومة الراحلة وترحيلها وترحيل سياستها ومحاسبتها على ما اقترفت من خطايا بحق الشعب السوري. خيارنا هو أن الاستثمار الداخلي هو الحل الأساس. نعم إنه الحل الوحيد الممكن الذي لن يتم إلا في حال اجتثاث الفساد الكبير من جذوره. وتصحيح الخلل بين الأجور والأرباح. والوصول بالتراكم إلى 25 % . ورفع عائدية رأس المال إلى 50%(...)... لماذا اجتثاث الفساد، وخاصة الكبير منه مهمة وطنية من الدرجة الأولى: لأننا إن لم نقض عليه فسيبقى لدينا ثلاث مشاكل كبرى: 1- النمو مستحيل بالمعنى الاقتصادي. 2- وحل المشكلتين الاجتماعيتين الكبيرتين (الفقر والبطالة) مستحيل بل على العكس ستتعمق هاتان المشكلتان وتزيدان من الانفجار الاجتماعي الحاصل اليوم. 3- والفساد كما أثبتت التجربة هو مراكز الاختراق الأساسية للعدو الخارجي.(...).

...علمنا ماركس أن العلم لا يصبح علماً حقيقياً إلا عندما نستطيع التعبير عنه بلغة الرياضيات، إننا نقترح نموذجاً جديداً للاقتصاد السوري لنقول باختصار وتكثيف 

إن الملامح الأساسية للنموذج الاقتصادي السوري كما نراه هي:       

1- نسب نمو عالية لا تقل عن 10 %، ولكن حقيقية وخاصة في قطاعات الإنتاج المادي السلعية... مما سيوفر الأرضية لحل مهام اقتصادية واجتماعية كبرى. وهذا رقم واقعي جداً.  

2- عدالة اجتماعية عميقة عبر إصلاح الخلل في توزيع الثروة بين الأجور والأرباح. 60-40% أجور 40-60 % أرباح.           

3- رفع نسب التراكم والاستثمارات في الاقتصاد الحقيقي إلى أعلى نسبة ممكنة خلال فترة وجيزة..اي على الاقل 25%من الدخل الوطني.    

4- رفع عائدية الاقتصاد السوري على أساس الاعتماد على الإمكانيات الذاتية وخاصة عبر مسح و اكتشاف المزايا المطلقة لاقتصادنا.. وعدم الاعتماد المطلق على المزايا النسبية فقط كما يحدث حتى الآن... بذلك نصل إلى عائدية 50%.

وهذا هو برنامجنا الاقتصادي كشيوعيين سوريين معارضين بتكثيف شديد للتحول الاقتصادي في سورية، إنه النموذج الأقصى للتطور، الذي لا يمكننا بحال من الأحوال أن نعتبره برنامجاً حالماً وطوباوياً وغير قابل للتحقيق، إننا نستطيع أن نلخصه بعبارتين اثنتين: أعلى نمو وأعمق عدالة.

إننا نعرض برنامجنا هذا على الشعب حيث تمكنا، وليأخذ الشعب منه ما يأخذ، وليدع منه ما يدع (...).

...وتدلل الأرقام التي سقناها على علمية حلمنا بسورية النموذج الناصع ليس للشعب العربي فحسب، بل لشعوب العالم قاطبة. وقد علمتنا الحياة أن قوة الإرادة تستطيع أن تحول الحلم إلى علم. وإذا ما اتهمنا بعض الأصدقاء بالطوباوية، فإننا لا ننفي ذلك علمياً فحسب بل نتذكر قول الثائر الكبير تشي غيفارا: لكي نكون واقعيين علينا أن نطلب المستحيل.

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 21:44