السبت الدامي في البوكمال..الحركة الشعبية والجيش بريئان من المسيئين
كان حصيلة السبت الدامي في مدينة البوكمال (16 تموز) على الحدود العراقية خمسة شهداء من المدنيين العزل، وشهيدين من الجيش السوري، كانوا ضحايا تصرف أرعن غير مسؤول بالمعنى الوطني، وذلك من خلال عملية استفزازية واستعراضية قام بها عناصر من الأمن العسكري بحق أهالي البوكمال، وإطلاق النار في الهواء دون أي مبرر يذكر، لكن يبدو أن نوايا مبيتة ومخططة مسبقاً قد حضرت لهذا الفعل المرفوض وطنياً وأخلاقياً، والعمل على طمس تبعات نتائجه المحزنة، وإلصاق الجريمة بجهات أخرى، وإلا ما معنى قيام بعض عناصر الأمن العسكري بإطلاق النار على الحشود التي تجمعت لاستبيان ومشاهدة ما يحدث في بناء الأمن الجنائي كي لا توجه أصابع الاتهام له؟
علماً أن الأمن الجنائي كان حريصاً على تواجدهم في مركزه، وبالتعاون مع جهاز الشرطة وعلى رأسهم العميد مدير المنطقة، وقد عمل المستحيل لكي لا تراق نقطة دم واحدة من أي مواطن سوار المدنيين منهم أو العسكريين، لكن ومع الأسف الشديد نجح الأمن العسكري بإثارة الناس، وتحريضهم للهجوم على مخفري الشرطة ومركز الأمن الجنائي، ودائرة الأحوال المدنية، ومبنى مديرية المنطقة ومنزل المدير، والاعتداء على صندوق مديرية المالية في البوكمال، باعتبار أن جميع هذه الدوائر تقع في مجمع واحد، بالإضافة إلى حرق القصر العدلي، ومحاولة سرقة دائرة الرواتب التابعة لمديرية التربية من بعض المخربين.
إن جميع هذه الأحداث التي جرت بأقل من /24/ ساعة بما فيها الاستيلاء على الأسلحة الموجودة في مخافر الشرطة، ومركز أمن القوى الجوية، استدعى لتدخل الجيش إلى مدينة، والذي استقبله أهالي البوكمال بالهتافات المعهودة من الحراك الشعبي منها (أيد وحده جيش وشعب وشعب وجيش..) (الله محيي الجيش..)، وصعد بعض المتظاهرين على ظهر دبابتين وهم يرددون هتافاتهم، وفي تصرف وطني عال بالمسؤولية، ومعترف بوحدة الجيش والشعب هتف الجنود مع المتظاهرين، ثم غادروا المكان خوفاً من الاعتداء عليهم.
قام عدد من أبناء البوكمال ومثقفيها في مساء اليوم نفسه بالاتصال بالجيش، والقيام بزيارتهم بعد أن تم إرجاع الدبابتين للجيش وأجمع الكل على النقاط التالية:
أن يقوم المواطنون الذين لديهم قطع من السلاح عائدة للأجهزة الأمنية أو الجيش بإرجاعها على أن يتم تسليم كامل العدد خلال عشرة أيام.
أن يقوم المطلوبون الذين نشرت أسماؤهم على لوائح المطلوبين بتسليم سلاحهم، والتوقيع على تعهد بعدم استخدام السلاح، شرط ألا يتم اعتقالهم ويعودوا فوراً إلى منازلهم.
من جانبها تعهدت قيادة الجيش في المنطقة بعدم الدخول إلى المدينة، والوقف الفوري لتدخلات الأمن العسكري المستمرة في شؤون المدينة، ونقل الحواجز والمتاريس من الشوارع فوراً. حيث امتدت عملية الإزالة إلى الساعة الخامسة صباحاً، وتم إعادة غالبية قطع السلاح المستولى عليها بهمة الشباب الذين كان لهم أثر فعال بتحقيق ذلك.
وكان لافتاً مقدار الحزن الذي أصاب أهالي البوكمال على الشهداء الذين سالت دماؤهم ظلماً وعدواناً، وكذلك حزنهم على ما تم حرقه وتدميره من دوائر رسمية، وسيارات الشرطة والدراجات النارية التابعة لفرع المرور ، إذ تم حرق ثماني سيارات وثلاث دراجات نارية.
وللوقوف على ما حدث ووضع حد لكل التجاوزات عبر جميع الأهالي عن انزعاجهم من الذين يركبون الحراك الشعبي لغاياتهم الشخصية كحرق المحكمة من إخفاء بعض الدعاوى التي تدين بعضهم، لأن من استخدم النيران والدمار لتنفيذ مآربه لا علاقة له بالعرف الاجتماعي والعلاقات الوطيدة التي تجمع أبناء المدينة، وأكدوا أن المظاهرات التي خرجت في البوكمال كانت من أفضل المظاهرات سلمية وحضارية في سورية، وبدا واضحاً العناصر الغريبة التي تتستر خلف المتظاهرين، والتي مصالحها ترتبط بمصالح من تضرر سواء داخل جهاز الدولة أو خارجه، والذين يقفون بالمرصاد في وجه أي إصلاح أو حوار.
قال أحد المحامين إن من يسيء إلى الحركة الشعبية، مطلوب منه خلق فتنة اجتماعية، وإلا لماذا جرى أولاً حرق مستودع المحكمة؟ لأن جميع السجلات الخاصة والوكالات والدعاوى والخلافات العائلية موجودة في المستودع، أي إن هناك من خطط، والعبوات الناسفة من البنزين التي حضرت بالسرعة المذهلة أكبر دليل على ذلك، والسؤال الآخر ماذا يعني محاولة سرقة المبنى المعتمد لرواتب المعلمين الوكلاء؟.
إن ما جرى خلال السبت الدامي يضع أمام الحركة الشعبية مهمة أخرى لا تقل أهمية عن مطالبها المحقة، وهي مراقبة كل من يسيء إليها ولسلمية تظاهرها وحراكها، وذلك إلى حين تحقيق ما تصبو إليه على جميع الصعد الاجتماعية- الاقتصادية والسياسية والديمقراطية، وفي ذلك الضمانة الحقيقية لكرامة الوطن والمواطن.