نقاش هادئ مع السيد الدردري...
في تصريح للسيد عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية طالعتنا به الصحف الرسمية الصادرة يوم الثلاثاء 30/1/2007، اعتبر السيد الدردري أن المكتب المركزي للإحصاء هو المرجعية الرسمية الوحيدة للرقم الإحصائي رادّاً الاعتبار لمكتب الإحصاء حسب قوله ومنتقداً المشككين بمصداقية البيانات الصادرة عنه.
السيد نائب رئيس مجلس الوزراء خرج عن هدوئه المعتاد ليرد على ما جاء في الصحافة السورية خلال الأيام القليلة الماضية حول الإحصاءات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء وخاصة المتعلقة بالبطالة.
ونحن في قاسيون إذ نفتح للمرة الثانية ملف الأرقام الإحصائية، وأرقام البطالة بشكل خاص، نأمل أن يتسع صدر السيد الدردري لهذه المكاشفة التي لا نقصد من ورائها سوى الحقيقة. إذ ما تزال ترتسم إشارات استفهام وتعجب كبيرة حول النقاط التالية:
■ بلغ معدل البطالة في عام 2004 حوالي 12.3% وانخفض إلى 8.09% فقط (وليس 8.5%) في عام 2005 حسب الأرقام الواردة في مسح قوة العمل للعامين 2004-2005 الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء.
أليس طبيعياً هنا أن نشكك في مصداقية الرقم الأخير؟
أليس من حقنا أن نتساءل ... ما الذي تغير في اقتصادنا... في هيكليته ... في حجم الاستثمار الفعلي المحقق على الأرض لتنخفض البطالة إلى هذه النسبة في سنة واحدة فقط رغم معدلات التشغيل المتواضعة في القطاع العام؟!
■ يعتمد المكتب المركزي للإحصاء في مسوحاته لتحديد معدل البطالة على معايير منظمة العمل الدولية التي تعتبر أن " كل شخص عمل لمدة ساعة في الأسبوع الذي سبق المسح لا يدخل في عداد البطالة "
ونحن نسأل السيد الدردري: هل يمكن تطبيق هذا المعيار على بلد مثل سورية؟
إن ظروف مجتمعنا وتكاليف المعيشة المرتفعة والمتزايدة باستمرار مقارنة بالدخول تجعل تطبيق هذا المعيار أمراً غير مقبول وغير منطقي.
فعندما يعمل شخص لمدة ساعة في الأسبوع، كم سيكون أجره؟ وهل سيكفيه هذا الأجر لمدة أسبوع؟
ثمّ، هل اكتفى هذا الشخص بالعمل لمدة ساعة أو حتى يوم في الأسبوع وقرر بعد ذلك بكامل رغبته وإرادته الانكفاء في البيت بقية الأسبوع بسبب عدم حاجته للعمل أم أن غياب فرص العمل فرض عليه الانقطاع عن العمل؟
ألا يعتبر كل شخص يبحث عن عمل ويقبل به ضمن الأجر السائد ولا يجده عاطلاً عن العمل؟
في بلد مثل سورية، حيث يحتاج المرء للعمل صباحاً ومساءً وربما ما بينهما ليتمكن من تلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية، لا يمكن اعتبار من يعمل لمدة ساعة أو يوم في الأسبوع خارج دائرة البطالة طالما أن أجره لقاء هذا العمل لا يكفيه لتلبية متطلبات المعيشة الضرورية وطالما أنه ما يزال يبحث عن فرصة عمل أخرى.
■ رفعت أهداف الألفية سن الدخول في سوق العمل من 15 سنة إلى 18 سنة إلا أن ذلك لم يطبق في سورية إلى الآن. وبالتالي فإن البيانات المتعلقة بالبطالة الصادرة عن مكتب الإحصاء لم تحسب اعتماداً على أن سن الدخول في سوق العمل هو 18 سنة بل على أساس 15 سنة ولذلك لا يمكن اعتبار رفع سن الدخول في سوق العمل أحد أسباب انخفاض معدل البطالة في سورية طالما أنه لم يطبق حتى الآن.
■ كان الإحصاء دائماً مثاراً للجدل، ومحلاً للنقاش والانتقاد والتشكيك. ألم يقل بسمارك يوماً:
«هناك كذب، وكذب كبير... وإحصاء»
■ وتبقى لنا كلمة أخيرة موجهة إلى المكتب المركزي للإحصاء:
نحترم جهودكم وخبرتكم في جمع البيانات ولكن... نرجوكم أن تحترموا عقولنا.