الملتقى الوطني بحلب: أوراق عمل هامة.. ومداخلات جريئة

نشرت قاسيون في العدد السابق تغطية واسعة لإطلاق الملتقى الوطني بحلب، والذي تُوّج بـ«إعلان حلب للثوابت الوطنية».. وسنتابع في هذا العدد تغطية هذا الحدث الهام الذي تم بمبادرة من جمعية رواد الفكر التنويري في حلب تحت شعار «الوحدة الوطنية تحت علم الوطن».. علماً أن الملتقى الذي عقد في السابع والعشرين من شهر حزيران 2011، كان قد ضم أكثر من مائة وخمسين شخصية تمثل مختلف شرائح الطيف السياسي والفكري والثقافي من انتماءات سياسية ومشارب فكرية مختلفة في مدينة حلب.

د. محمد حبش: يجب ألا نقحم الدين في التنافس السياسي 

قدم د. محمد حبش ورقة عمل هامة جاء فيها:

«من دواعي الشرف أن يتحدث الإنسان في هذه المدينة العظيمة مدينة العلم والعلماء والشعراء والأدباء والتاريخ (..)، العنوان الذي اختارته لي إدارة الندوة هو الحديث عن الدولة الدينية والدولة المدنية، بالطبع السياق واضح، ولدي الكثير في سورية الجديدة، من الواضح أننا نتجه إلى سورية الجديدة، وسورية الجديدة لن تكون كما كانت قبل، هنالك حركة شعبية كما أشار الدكتور قدري وهذه الحركة الشعبية موجودة في كل مكان، وليست الشوارع هي الصورة الوحيدة لهذا الحراك، نحن هنا أيضاً في حراك شعبي من أجل سورية الجديدة.

من الواضح أن هنالك قلقاً تاريخياً في علاقة الدولة بالدين، وهذا الحال ظل يكرس له عبر حدود دموية في الفكر، ثم انفجرت أيضاً حدوداً دموية على الأرض. وشهد مطلع الثمانينيات أياماً سوداء في الصراع بين التيار الديني والتيار القومي وكانت النتيجة دماء كثيرة سفكت ولا نزال نتذكرها ونتحدث عنها بمرارة. الآن ما هو شكل سورية الجديدة؟ وبالذات أين هو موضع الدين في سورية الجديدة؟ وهل سيسمح للدين أن يكون مشاركاً في الحياة السياسية؟ علينا أولاً أن نتذكر خصوصية بلاد الشام. بلاد الشام هي التي أنتجت لثلاثة أرباع هذا الكوكب الهم الديني والحالة الروحية. إن بلاد الشام تسمى في العالم الإسلامي كله بلاد الشام الشريف. وتسمى في العالم المسيحي كله بلاد سورية المقدسة. دمشق هي أول عاصمة للحضارة الإسلامية، وهي الأرض التي اهتدى فيها حواريو المسيح وأطلقت رسالتها في العالم. سورية هي الأرض التي عبر عنها نزار قباني بأنها الأرض التي تنبت قمحاً وأنبياء (..)..

 ليست هذه المقدمة من أجل الحديث عن الشأن الديني بما هو موعظة وإرشاد وتوجيه. نحن نتحدث هنا عن دور الدين في الحياة السياسية (..).

حين وصل النبي محمد إلى المدينة المنورة كتب دستور المدينة، وكان دستوراً مدنياً بامتياز. حتى الآن لا يكتب السعوديون دستوراً ويقولون دستورنا القرآن. موريتانيا ليس فيها دستور يقولون دستورنا القرآن. ولكن النبي محمد الذي هو صاحب الرسالة وهو من نزل عليه القرآن؛ حين وصل إلى أرض المدينة، وفيها المسلم الذي اتبعه، والوثني الذي بقي على دينه، واليهودي الذي يقيم في قريظة والنضير وقينقاع، والمسيحي الذي يقرأ في كتاب أهل الكتاب؛ لم يشأ النبي محمد أن يفرض دستور الدولة القرآن. لقد كتب دستوراً مدنياً بامتياز، وأمر الناس بالاحتكام إليه وجعل الدين سقفاً سماوياً يتطلع فيه العاشقون إلى رغائب السماء. ولكننا في الأرض نريد دستوراً يقسم لنا حقوقنا وواجباتنا وهكذا فعل النبي محمد. وفي السطر الأول من دستور المدينة: أن محمداً ومن أطاعه، ويهود بني عوف أمة واحدة من دون الناس يتعاقدون في معاقلهم على رفعتهم. لقد ألغى أي امتياز في المواطنة للدين أو للمذهب. لقد كان شرطاً واضحاً أن الصلاة والصيام والزكاة والحج شرط لدخول الجنة ولكنها ليس شرطاً لدخول الوطن، نحن هنا في الوطن متساوون متشاركون يحكم بيننا دستور مدني، ولكننا في أشواقنا إلى السماء لدينا معارج شتى، ولله طرائق بعدد أنفاس الخلائق. حين خاض حربه الأشرف حرب فتح مكة خاضها من أجل نصرة مواطنين وثنيين وكانت خزاعة تنصح لرسول الله أي دخلت في حلف المدينة أي في حلف رسول الله، ولكنها لم تدخل في الإسلام، وحين تعرض مواطن من خزاعة للظلم؛ قاد النبي محمد جيشاً من عشرة آلاف مسلم موحد للدفاع عن مواطن وثني تعرض للظلم.

أنا لا أريد أن أحول لقاءنا إلى خطاب ديني يتناول أصولاً حقيقية، أنا لا أريد أن ابتعد عن الهم الذي نحن فيه. إن فهم الدين بالمنطق الذي نادى به الرسول محمد (ص) حين دعا إلى دستور مدني وأمر الناس أن يحتكموا إليه ونزع عن نفسه في صفته الهدائية والزمنية أي منصب سماوي وقال: أيها الناس إنكم تحتكمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما هي جمرة من النار فلا يأخذها، إنما أنا بشر. وحين أرسل بريدة بن الحصيب قال له اذهب إلى قوم كذا وكذا وأنزلهم على العدل فإن أرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تفعل إنك لا تدري أن تصيب فيهم حكم الله أم لا. لقد أراده أن ينزلهم على دستور مدني يتساوى فيه المواطنون ولا يوجد فيه ناطق باسم الرب، لا يوجد فيه هيئة تتناول الحكم من السماء وتفرضه على الأرض. لقد أراده مجتمعاً مدنياً بامتياز.

حتى لا أبتعد عن الهم الذي نحن اليوم فيه، نحن مقبلون على قانون أحزاب، على حريات، مقبلون على سورية الجديدة، وهناك من يصور الإسلام بعبعاً مرعباً وعادة ما تقدم هذه الوصفة المرعبة للغرب على أساس أن البديل هو دائماً نظام القاعدة بكل تفاصيله المرعبة التي يرتعد منها العالم. هنا في سورية أعتقد أن المشاركة الإسلامية في الحياة السياسية متنورة وواعية. عندما ينص قانون الأحزاب على عدم تشكيل أحزاب على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي أو طائفي؛ أنا شخصياً أعتبر أن هذه قراءة صحيحة لما فعله الرسول الكريم محمد ولأسلوب بناء الأوطان. الدين مظلة روحية غامرة يسعد بها الناس فلا تقحموها في التنافس السياسي.. ليكن الدين مظلة للجميع ولا نقحمه في التنافس السياسي الذي سيعصف بنا جميعاً. 

د. طيب تيزيني: حوامل المشروع النهضوي الجديد اجتماعية وسياسية وثقافية 

وقدم المفكر السوري المعروف د. طيب تيزيني ورقة عمل هامة جاء فيها:

(..) أعتقد أننا الآن في لحظة تاريخية ذات أهمية قصوى، وبقدر ما نشعر بالمسؤولية التاريخية، فإننا مدعون إلى استنباط ما يستطيع أن يبقي على هذا الوطن الجميل ويخرجه من أيدي القتلة سواء كانوا هنا أو هناك. أقدم ورقة العمل هذه بعنوان محدد هو التالي: «ميثاق حوار تاريخي في الإصلاح الوطني الديمقراطي». وعنوانه الجزئي: «الإصلاح الذي يعادل الآن في سورية وجود سورية ذاتها».

(..) الأزمة تتعاظم بصورة نوعية عظمى خصوصاً أنها بدأت بالسلاح الناري الذي كان يجب أن نعتبره خطاً أحمر أمام الجميع دون استثناء لأنه وطن الجميع، اسمه سورية، سورية التاريخ والتقدم والديمقراطية، ولذلك نحن أمام استحقاق أظن أننا لم نمر بمثيل له من قبل نصف قرن. ولكن أمامنا العقبة الضخمة التي نواجهها وهي تلك التي أشرت إليها أعمال العنف العسكري، ولي أن أسأل كمواطن وكباحث: من هؤلاء الذين يضربون بالسلاح إخوة لهم؟ ولهذا أبدأ ورقتي بالتأكيد على أن الخط الناظم لكل ما نفعله إنما هو مبدأ التعايش السلمي الوطني الديمقراطي بين كل مكونات الشعب السوري..

(..) إنها مسألة ذات أهمية قصوى أن نعلن أن ما يحدث في داخل سورية الآن إنما هي فعل خارجي، نحن نكون قد فرطنا بأعز ما ينجزه هؤلاء الشباب على مدى خمسة عقود. بالمعنى المنهجي انطلق في مفهوم الإصلاح هنا من الداخل الذي علينا أن نقدم قراءة تاريخية له. وبهذا المعنى فإنني أعلن أن من عليه أن ينجز هذا المشروع، مشروع الحوار الوطني الديمقراطي، إنما هم أولئك الذين ننظر إليهم بأنهم حملة المشروع العربي النهضوي الجديد، أنا أتحدث عن مشروع عربي نهضوي جديد له ثلاثة حوامل: حامل اجتماعي، وثان سياسي، وثالث ثقافي.

الحامل الاجتماعي: وهو هنا الأساس يبتدئ بأولئك الذين يمثلون أقصى اليمين الوطني والقومي والديمقراطي ويتجهون نحو أقصى اليسار الوطني والقومي والديمقراطي.

(..) إنها لحظة تاريخية أزعم أن سورية لم تمر بها. من الأقصى إلى الأقصى فالوطن للجميع دون استثناء للآخر. وبهذا المعنى فإن الداخل الذي اعتبرناه منهجاً علمياً للعملية كلها، علينا أن نتقصى ما الذي حدث فيه؟ وما الذي نقرؤه فيه الآن؟ يمكن القول إن هذا الداخل صنع نفسه من داخله ومن خارجه. وأبدأ بلحظة تاريخية هي السبعينيات من القرن المنصرم حيث تأسست مرحلة النفط السياسي عربياً حينما أكتشف النفط الخليجي بأيدي أولئك الذين فككوا المشروع النهضوي العربي الباكر منذ أوائل القرن الثامن عشر حتى أواسط القرن التاسع عشر، أعني: الإمبريالية وقبلها الاستعمار. إن هذا المشروع النهضوي الذي سُحق على أيدي أولئك يُراد له أن يُسحق مرة أخرى حينما بدأت مرحلة النفط السياسي في السبعينيات مع اكتشاف النفط.. لقد حدث أن النفط هذا الذي أكتشف تحول إلى أداة صامتة باتجاه تأسيس مجتمع عربي جديد عبرت عنه بمصطلح دقيق هو مصطلح الدولة الأمنية أو النظام الأمني..

(..) إذاً، هذا هو الشق الأول: دولة أمنية شعارها الكبير يتأسس على المقولة التالية: يجب أن نفسد من لم يُفسد بعد حيث يصبح الجميع ملوثاً ومداناً تحت الطلب، وهذا ما حدث. لقد صُنع ما صنع تحت اسم الملفات، ملفات الفساد والإفساد بحيث أن البلد جُفف من القوى الخيرة، القوى الديمقراطية الفاعلة بكل تياراتها، وأنا أتحدث عن هذا الذي أتحدث عنه الآن ليس بمعنى ذاتي وإنما أتسقط فعل القوانين الموضوعية التي فعلت فعلها في سورية والوطن العربي.

أما الشق الثاني فقد تمثل في أمر آخر هو: تدمير الاقتصاد الداخلي وتدمير المؤسسات برمتها. عبر إعمال الأداة النافذة وهي تلك التي مثلت عليها بما أسميه: قانون الاستبداد الرباعي الذي يتأسس على: الاستمرار في السلطة، والاستفراد بالثروة، والاستفراد بالإعلام، والاستفراد بالمرجعية..

(..) إن حواراً فيما نحن الآن بصدده إذا أريد له فعلاً أن يكون فاعلاً، والحقيقة شجاعة دائماً، الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا شجاعة. إن مثل هذا الحوار إذا أريد له أن يُحافظ على سوريا التي نعرفها، سورية العظيمة لا يمكننا أن نفعل ذلك إلا إذا واجهنا المسألة من حيث انتهت. وهي تلك التي نراها في الشقين: الاستبداد، والفساد والإفساد.. كلا الشقين يشير إلى الآخر ويؤسس له..

(..) إن العمل الذي بدأنا به الآن بمدخل حدد نمطه العمومي. هذا العمل أريد أن أحدده بمسألتين اثنتين أخريين:

أولاً: المدخل إلى هذا العمل وهو مدخل في المشروع الحواري.

ثانياً: تتمثل في التأسيس لأسس المشروع الحواري للإصلاح الوطني الديمقراطي.

أقول الآن في سبيل هذا وذاك الآن أحدد المدخل في النقاط التالية:

1- تأكيد مطلق –والمطلق مطلق بذاته- على العيش المشترك بين كل مكونات الوطن السوري.

2- النظر إلى الحل السياسي والسلمي على أنه الإطار الوحيد الممكن لإنجاز المشروع الحواري المطلوب.

3- الإفراج غير المشروط عن كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير. ولمن يسأل عن معتقلي الرأي والضمير أقول بمثال سمعته: أن أحدهم سمع بناس دفنوا بترحم عليهم فأخذ بعد ذلك.

4- تشكيل لجنة وطنية تحدد أسماء كل من تورط في قتل أو جر أو عطب أي سوري في سياق الأحداث الأخيرة.

أما المبادئ الخاصة لهذا المشروع، فهي التالية:

1- إلغاء العمل بقانون الطوارئ وأحكامه العرفية.. السيد الرئيس أعلن ذلك ويبقى أن نفعل ذلك حقيقة.

2- إصدار قانون الأحزاب الذي يجب أن يتسم بالوطنية والديمقراطية والعصرية الحداثية. حتى نرقى إلى مستوى العصر. مستوى القرن الواحد والعشرين.

3- إطلاق حرية الإعلام بدءاً بإعادة بناء جهاز الإعلام وأقترح هنا بالمناسبة إلغاء ما يسمى بوزارة الإعلام. لأنها تمثل عقبة كأداء أمام انطلاق الطاقات الثقافية الفكرية .. وتتأسس هناك مؤسسات أخرى تقوم بهذا الدور.

4- البدء بتفكيك الدولة الأمنية وذلك على قاعدة الانطلاق منها إلى حالة أمن الدولة.

5- إلغاء المادة رقم ثمانية من الدستور...

6- فصل السلطات: هذا أمر ذو أهمية قصوى ليس للحقوقيين والقضائيين فحسب وإنما من أجل الشعب الذي سيحاكم ويحكم به وعليه في إطار مؤسسات حقيقية تحترم نفسها.

7- الالتزام بإطلاق ببيان حقوق الإنسان الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1948..

آخر تعديل على الإثنين, 17 تشرين1/أكتوير 2016 21:43