مطبات التحدي الورقي
هم يعملون على الأرض وليس على الورق.. كلمات وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار اختصرت الفارق بين العمل ونقيضه، وأكدت ما ارتفع صوتنا لأجله زمناً طويلاً.. أن حكومة العطري ورّقت حياتنا، وما حققته لنا ليس أكثر من إنجازات صوتية، وقلبت موازين سوقنا رأساً على قعر في سبيل اقتصاد البطون الكبيرة، وبالمقابل تهميش البطون الضامرة.
لن يرفع الدعم، وسيتم التركيز على تحسين الوضع المعيشي للمواطن لأن هذا هو التحدي والامتحان الأكبر الذي يواجه الحكومة.. وهنا أيضاً يؤكد الشعار خطأ الفريق الاقتصادي الدردري في ما رسم لاقتصادنا الوطني لكي يصل إلى الجدار، وفي إيصال السوريين (نحن) إلى أن نكون فقراء بامتياز، ونعتاش على معونات وزارة العمل التي لم تصل إلا إلى من شاء له ماسحو فقرنا أن تصل، وفي امتحانها الكبير لتحسين معيشتنا ها هم موظفو الحكومة ينتعلون رواتبهم فقط إلى الأيام الأولى من الشهر، وحفاة إلى آخره، وأغلبهم يروي حكاية الدوران في الشوارع التي تحيط بمنزله خشية أن يراه البقال واللحام والجيران.. إلخ من قائمة الدائنين، وقد يصل بأحدهم الأمر أن يزرع اسمه في لوحة المتهربين من الدفع.
يقول الوزير بأن العدالة الضريبية أمر في غاية الأهمية، لأننا لا نستطيع الاستمرار بعملية التنمية الاقتصادية، إذا لم يكن هناك عدالة ضريبية ذات بعد اجتماعي...وهنا يمكن أن نتحدث عن كبار المتهربين المكلفين بالضرائب والتي وصلت إلى 200 مليار ليرة سورية في عام 2009 ولم تفعل حينها وزارة المالية أكثر من نفي الأرقام، ورفض الإفصاح عن أسماء ومشاريع هؤلاء الكبار، وأما الصغار الذين يدفعون الضريبة نيابة عن هؤلاء، ومن أين؟ من ضريبة الدخل، النظافة، الإنفاق الاستهلاكي، الهاتف، العمل الشعبي، المالية، الترابية.. إلى آخر قائمة الشره الحكومي الضريبي الذي لا يدفعه سوى المواطن، وصاحب الورشة والمعمل الصغير والصناعي المكسور، وأما الكبار فيهربون من الضريبة بالإدعاءات باستثمار الأموال المكدسة بمشاريع لراحة طبقتهم المخملية.
الحكومة ليست بصدد رفع الدعم لأنها تعمل على خلق فرص اقتصادية عادلة أمام الجميع لنكون قادرين على فتح الأسواق، وتخفيف عملية الهدر، وتوجيه مواردنا الاقتصادية المحدودة إلى عمليات اقتصادية فيها ريع اقتصادي كبير.. نعم مواردنا محدودة وليس من بينها الإنسان، وأما العمليات الاقتصادية التي تأتي بريع كبير ليست تلك التي تغنت بها الخطط الخمسية المنصرمة والتي أوقف العمل بها، وليست الفرص العادلة تعني فرصاً للجميع دون تفضيل الحيتان على السمك، وأما تخفيف الهدر فهذا ما يجب على الحكومة أن تبدأ به من نفسها، من الكهرباء التي تصنع (المتة) كمزاج وظيفي، إلى بنزين المدير المفتوح لسيارته، وسيارات أقربائه الموزعة من ملاك الوزارة والمديرية.
ولم ينس الوزير بعض الروح في الحديث عن ثالوث الاقتصاد المتصارع، الدولة والمواطن والتاجر، وشدد على وجوب وجود علاقة قويمة وصحيحة بين الثالوث يحكمها بعد يتعلق بالضمير والوجدان وإلا فإنها ستكون علاقة فاشلة، وأما السبب فيرى الوزير أنه يتعلق بتغيير الذهنية الموجودة للعناصر الثلاثة... وهنا ماذا يشكل المواطن من دور في اقتصاد سوري لا يرى فيه سوى مستهلك فقط، وفقط ليس سوى طرف في علاقة باتجاه واحد، وأما الدولة فبالكاد تتدخل بين القوي (التاجر) والضعيف (المواطن)، ولا تصغي لما يقال عن الاحتكار والتسعير الكيفي، والسوق المتوحشة.
التحدي الكبير للحكومة هو في تحقيق معادلة من الدرجة الأولى، وستكون بالتأكيد عادلة، وستساهم في صنع اقتصاد على الأرض وليس على الورق..المواطن أولاً لأنه الوطن، والتاجر والدولة متهربان كبيران الأول من الضريبة والثاني من الواجب، وعلى هذا يجب أن تقول المعادلة البسيطة..الدولة والتاجر والمواطن كلهم مواطنون متساوون في الواجب والحساب.