حدث في الشركة السورية للنفط.. فساد وإفساد ونهب.. صفقات مشبوهة.. مخالفات في العقود
نقول بداية: إنه إلى وقت قريب، أو حتى الآن ربما، إذا (تهور) أحدنا وأنقذ إنساناً مصاباً على قارعة الطريق فسوف يتوقف لساعات أو أيام في أحد أقسام الشرطة حتى معرفة الحقيقة، وإذا تدخل وفض اشتباكاً أو عراكاً بين مجموعة من الناس، أيضاً سوف يتوقف، وإذا أنقذ مريضاً مدهوساً أو مجلوطاً سوف تتم مساءلته، وعندها عليه أن يصلي لله ويتضرع له لكي لا يقضي ذاك المريض نحبه! ..
مناسبة هذا الكلام كونه هو بالضبط ما حدث مع مواطن أبى ضميره أن يكون محايداً أو أن يقف متفرجاً.. أمام نهب وفساد وسمسرة وتخريب في عز النهار..
أبى ضميره أن يكون شاهد زور في أهم منشأة اقتصادية استراتيجية وفي أبرز قطاع يساهم في تحقيق الأمن الاستراتيجي للجمهورية العربية السورية، وهو من الأعمدة الأساسية للاقتصاد.. وهو أيضاً وبالتأكيد من أبرز حوامل خطة التنمية التي نبني عليها آمالاً عراضاً في الخطة الخمسية العاشرة. إنه قطاع النفط الذي ما يزال واحداً من أكثر المواقع عرضة للنهب والهدر والفساد..
في استعراض سريع لما جرى من البداية نجد أن العامل الشريف محمد كوري والدكتور غياث متوج قد آمنا بتوجهات الإصلاح المزعومة والادعاءات بأن الدولة ستقوم جدياً بمكافحة الفساد والفاسدين، فقاما بتقديم مجموعة من الحقائق والوثائق الهامة للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش حول مصلحة الطبابة في الشركة السورية للنفط تظهر مدى الاختراقات القانونية والإجرائية لشراء العديد من الأجهزة الطبية عبر انفراد رئيس الشعبة الطبية في إعداد الطلبيات وشراء الأجهزة.. وغيرها الكثير الكثير من التفاصيل الأخرى،
فماذا كانت النتيجة غير المنتظرة من أصحاب الحل والربط الذين لا يدعون يوماً يمر دون أن يملؤوا الدنيا ضجيجاً بمحاربتهم للفساد والمفسدين؟
النتيجة الأولية كانت نقل العامل محمد علي كوري - المعني بتحقيقنا هذا - من الشركة السورية للنفط إلى الشركة السورية لنقل النفط بمهنة ميكانيكي، وذلك على وظيفة شاغرة في فرغ حمص، ومن ثم تم تشريد عائلته بعد قطع الماء والكهرباء عن بيته، ومن ثم إجباره على ترك العمل، وأصبح هائماً في الشوارع.
المعنيون في الاتحاد العام لنقابات العمال، وفي الاتحاد المهني للنفط والكيماويات حاولوا تقديم العون، فوجهوا كتباً رسمية إلى وزير النفط قالوا فيها: إن الاتحاد العام يرى أن عملية النقل للعامل المذكور هو ناتجة عن التقرير التفتيشي الذي تقدم به العامل المذكور إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، حيث أكدت الهيئة صحة كل ما ذكر في التقرير التفتيشي رقم 04/56/534 من مخالفات قانونية وتزوير في عمليات الشراء وتورط عدد من المسؤولين في إدارة حقول الرميلان، الأمر الذي أدى إلى قرار التخلص من العامل المذكور.
وبناء على ما تقدم
يرجى توجيه المدير العام للشركة السورية لنقل النفط بإلغاء القرار المذكور وإعادة العامل محمد علي كوري إلى عمله كونه من العمال المجدين الذين لا يسكتون عن الخطأ إضافة لذلك فإن القرار خالف القانون رقم 84 لعام 1968 القاضي بعدم جواز نقل النقابيين المنتخبين في تجمعاتهم والمذكور هو عضو مؤتمر في حقول الرميلان، كما أن العامل لم يبق له سوى عام واحد من أجل إحالته على التقاعد وتريد الشركة أن تكافئه في نهاية خدمته وذلك بتشريده وإبعاده عن أسرته ومكان إقامته ومدارس أطفاله. وهنا نريد أن نؤكد على أملنا الكبير بإنصاف العامل المذكور من خلال إلغاء القرار وإعادة العامل لمكان عمله في حقول الرميلان وإلى أسرته، مع تأكيدنا على تنفيذ قرار الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش حرصاً على المصلحة العامة وتحصيناً للوطن.
محاسبة الفاسدين
لم ترد الوزارة ولم ترد الشركة، ولكنها اتخذت قراراً بمحاسبة العامل وتهجيره من بيته وعن أسرته وهذا هو المفهوم العام لمحاربة الفساد، ترقية المدير المتهم إلى موقع أكبر... وترقية أخرى... ومكافأة أخرى.
بدايات الرحلة
طرح محمد الكوري في مؤتمر نقابته السنوي وأمام الجميع مخالفات أبرزها:
الأجهزة الطبية في شعبة طبابة الحقول
سوء تنفيذ الأبنية بالمنطقة الصناعية والسكنية التي تشققت بعد فترة وجيزة من بنائها.
الفساد الإداري والمتمثل بأمور كثيرة منها دوام بعض العاملين والعاملات في منازلهم تحت تسميات مختلفة أو بادر آخرون مكلفين بمهام قيادية أو نقابية باحتجاز مواقع شاغرة في مديرية الحقول مستغلين صفتهم القيادية وضعف الإدارة تحت حجج التعاون النقابي والإداري علماً أن الكثير من هؤلاء لم يعمل في تلك المواقع ولم يندرج في السلم الوظيفي. ووصل الفساد وممارسته إلى مرحلة متقدمة عند البعض حيث يتم إعطاء بعض الميزات لغير مستحقيها في بعض الدوائر وبقررات صادرة من مسؤول الموقع نفسه، وتساءل:
هل توريد الحفارات الجديدة خدم العمل في اختصار الزمن وسرعة الإنجاز مقارنة مع الحفارات القديمة، كم يوماً يستغرق زمن الفك والتركيب في الحفارات الجديدة وإلى كم ورشة تحتاجها وفارق الكلفة بين الحفارة القديمة والحديثة التي تقوم بنفس العمل.
المخالفات والصفقات
تم استيراد حفارات أورال ماش روسية من أجل تحسين مردودية حفر المتر الطولي وكان من نتائج هذه الصفقة:
رفع أسعار الكلفة وسرعة الأعطال في الحفارات وتوابعها الكهربائية والميكانيكية والتقارير الفنية تقول تهريب زيت في الـt d للحفارة «أورال» ماش 2 العاملة في موقع عليان ويزداد معدل التهريب إلى 300 ليتر حالياً وتم الكشف على الـt-D وتبين أن التهريب من سلندر كابح وتحتاج إلى خبراء من شركة فاركو لمعالجة الموضوع.
أيضاً الحفارات الأخرى تعاني ما تعانيه.
وقبل إحضار الحفارات تم إرسال 40 مهندساً للتدرب لدى الشركة أورال ماش لمدة شهر، وكانت النتيجة: أن التدريب جرى على حفارات أخرى.
صفقات أخرى
قدم العامل كوري وثائق إلى نقابته وإلى اتحاد عمال المحافظة والاتحاد العام والحزب وإلى رئيس الوزراء والنائب الاقتصادي ووزير النفط يشرح فيها ارتكابات ومخالفات وفساد كثيرة ومتنوعة منها:
شراء أجهزة طبية قسم منها معطل وبعضها ينقصها بعض المعدات وأجهزة أخرى لا حاجة لها: وبعض المواد الطبية منتهية الصلاحية قبل إدخالها ويقول في كتابه: كأن حقول الرميلان خارجة عن سيطرة الدولة، شراء حفارات بقيمة 42 مليون دولار ومعدات أخرى مخالفة للمواصفات بملايين الليرات السورية ومخالفات في كل المواقع.
نتائج التحقيقات
الجهات الإدارية والوصائية لم تحرك ساكناً في حين قامت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في اتخاذ إجراءات قانونية تجاه البعض والتقارير تدين العشرات بمخالفات وصفقات بمئات الملايين من الدولارات:
1 ـ إحالة الطبيب محمد خطيب إلى القضاء لتسببه في عقد نفقات غير ضرورية تقدر بـ2416890ل.س وقيمة أجهزة طبية سنداً لأحكام المادة /14/ من قانون العقوبات السوري.
خصوصاً وأن الأجهزة الموردة من الناحية الفنية حسب ما بينته الخبرة الفنية جاء توصيف وضعها الراهن على النحو التالي:
ـ جهاز صدمة قلبية أول: غير مستثمر لعدم وجود اختصاص قلبية.
ـ جهاز التحليل الكيميائي: ورد بشكل مخالف للمواصفات وتم حجز التأمينات لدى الشركة.
ـ جهازا فحص وظائف الرئة ـ قياس السمع: غير مستثمرين وظهر عليهما تراكم كثيف للغبار، ولم يكن يوجد بالأصل حاجة فعلية لهما في المستوصف.
ـ جهازا المراقبة القلبية غير مستثمرين ولم يكن هناك ضرورة فعلية لشرائهما.
ـ جهازا التنفس الإسعافيان غير مستثمرين.
ـ جهاز صدمة قلبية ثان: غير مستثمر ولا حاجة له في الطبابة.
ـ جهاز الأشعة النقال علي التردد: جهاز ثابت لا يمكن نقله خارج المستوصف و قد تم توريده رغم وجود ثلاثة أجهزة ثابتة للأشعة.
ـ جهاز تخطيط قلب كهربائي: مستثمر.
2 ـ دعوة وزير المالية إلى إيقاع الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة استرداد قيمة اللقاحات المصروفة لأشخاص خارج الشركة.
تغريم الجيولوجي نصر الله الياس بقيمة اللقاحات.
فرض عقوبات وإبعاد جيولوجيين في مواضيع مثارة وثبتت إدانتهم بصفقات كلوبات غير مطابقة للشروط الفنية ومخالفة للمواصفات وحرمان متعهدين وإحالة العشرات إلى القضاء وفي موضوع الحفارات: أكدت الهيئة أن هناك أضراراً مادية ومعنوية لحقت بالشركة وأحالت العشرات إلى القضاء. أيضاً جرت مخالفات في توريد قطع تبديل للحفارات وقد تضمنت التقارير بعد التحقيق في المخالفات المنسوبة لشركة الياس إخوان في العقود المبرمة مع الشركة السورية للنفط المطالبة بالأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالشركة وإحالة متعهدين وعاملين إلى القضاء وقرارات أخرى في ملابسات اندفاع الغاز في بئر أو رباح في مديرية حقول الجبسة تطلب فرض عقوبات بحق مدراء ورؤساء ورش وتطلب عقوبتهم وإبعادهم عن الأعمال الأساسية أو القيادية والطلب من إدارة الشركة تأمين الموانع بكافة أنواعها وتأمين صيانتها وقطع تبديلها بشكل مستمر وتوفيرها بشكل يقضي حاجة الآبار التي يتم حفرها بالحقول.
على أرض الواقع
عشرات التقارير تدين العشرات من الفاسدين العلنيين، والمخالفات واضحة والفساد علناً، ولكن:
الطبيب الذي استورد خرج بكفالة ويمارس عمله في شعبة الطبابة.
الجيولوجي نصر الله الياس ما يزال مديراً على رأس عمله، وتقرير الهيئة يقول حرفياً «إبعاد الجيولوجي نصر الله الياس عن إدارة حقول الحسكة لثبوت تستره على المخالفات المرتكبة من الطبيب محمد خطيب ومساهمته في ارتكاب بعضها وعدم قيامه باتخاذ الإجراءات القانونية والمسلكية بحقه ولتقديمه معلومات غير صحيحة. قطع الماء والكهرباء عن العامل الذي كشف الفساد ونقله، والطلب منه إخلاء المنزل الذي يسكنه ورمي أغراضه في الشارع وهو الآن يهيم على وجهه في شوارع دمشق.
وتقول معه: أهكذا تحاربون الفساد أيها الـ... (الأوادم)؟!!!!
■ نزار عادلة