المصرف الزراعي في اليعربية.. قصة فساد معلن!!

لا يخفى على أحد مقدار ما للزراعة والقطاع الزراعي من إسهام في الاقتصاد الوطني، ناهيك عن كونه مضمار العمل والاستثمار لغالبية الشعب السوري، كما لا يخفى ما يتعرض له الفلاح السوري من حصار وتحطيم بالسياسات الاقتصادية الليبرالية ورفع الأسعار ولهيب المحروقات. وبالرغم من أن ما تقدمه الدولة للفلاح لا يكاد يذكر، إلا أن هذا القليل اليسير الذي تقره القوانين والمراسيم يصل «مشفّىً» إليه، تأكل معظمه البيروقراطية على الطرق الحكومية الوعرة، من هذه الدائرة أو تلك، والتي يتعامل الموظفون فيها مع الفلاحين كأنهم متسولون، أو كأن مواقعهم ملكية فردية لهم ولإداراتهم..

 

أحد المكتوين بنيران هذه الفوضى في الجزيرة السورية، تهكّم، وطالب بتأميم فرع  المصرف الزراعي باليعربية في محافظة الحسكة، وجعله ملكاً للدولة بدلاً من اختطافه وتملكه  لصالح مجموعة من الموظفين فيه.. لماذا؟ إليكم السبب..

إن أول حجر تضرب به الحكومة نقادها هو تلك القروض التي رصدت أموالاً عامة ضخمة لرفد المواطن الراغب بالاستثمار في الزراعة لتطوير القطاع الزراعي، أو في تحرك إيجابي نحو نقل الفلاح من الاستثمار والعمل الموسمي إلى عمل يحرك رأس المال وينتج سلعة سريعة التداول، وتوجد فرص عمل تسد رمق بعض ضحايا البطالة المتورمة في بلادنا. والجميع يعلم أن قطاع المصارف هو أكثر القطاعات حساسية، وهي في بلدنا أكثرها تعرضاً للاختلاسات والمحسوبيات وتعقيدات البيروقراطية، وقروض المصرف الزراعي باليعربية، مثالاً لا حصراً، نموذج عن كل ذلك، حيث بدل أن تصبح هذه القروض معونة للراغبين في العمل والإنتاج، أصبحت وسيلة لابتزاز الناس، ولمساعدة بعض العملاء  من ذوي السلطة أو الدفع المنظم لطاقم المصرف، فقروض البطالة والقروض الزراعية للرذاذ والتنقيط، وقروض إصلاح الآبار وتسليم البذار والسماد، وتسليم فواتير القمح والقطن، وتجاوز بعض المديونيات وتسليم هذه الفواتير رغم المديونية بعد إجراء حسميات لاتفي بالأقساط المستحقة، كلها هوامش يستطيع الموظف فيها ابتزاز المواطن ومفاوضته على الرشوة الكافية لتأمين هذه الخدمات، وليس أمام المراجع سوى الترجي أو البحث عن السماسرة والوسطاء لتسيير أموره.

 

الوسطاء الحكوميون والتجار

فقد بلغت نسبة الاختلاسات من المال العام على شكل قروض نقدية ومواد عينية في عهد الإدارة السابقة للمصرف، 247 مليون ل.س، وقد صدر بها قرار قضائي لمقاضاة المسؤولين. هذا الاختلاس لم يتضح إلا بعد جولات تفتيشية طويلة، وبعد سنوات من فعل الاختلاس ذاته، وهنا لنا أن نتساءل: ماذا كان يفعل المفتشون السابقون؟ 

والغريب أن أحد المشمولين بقرار إنهاء التكليف المصادق عليه وزارياً، وهو أحد المدراء السابقين لفرع المصرف الزراعي باليعربية (حسين العلي)، والصادر بحقه كتاب منع استلام أي منصب إداري في فروع المصرف الزراعي، يعمل رئيساً لقسم القروض، ورئيساً لقسم الشؤون الإدارية والقانونية، وعندما رُفع طلب تكليفه بعمل للإدارة العامة جاء الرد بالرفض مما يدعونا للتساؤل عن مصلحة مدير فرع المصرف باليعربية في ذلك، مع احترامنا لسبحته الطويلة واستغفاره الكثير.

علماً أن السيد حسين العلي ملاحق قضائياً بأكثر من قضية، منها أنه في فترة تغير مدير المصرف منذ سنتين، استلم تسيير شؤون المصرف لمدة 72 ساعة، وقّع خلالها إشعار قبض بقيمة 2492900 ل.س بتاريخ قديم ليصار إلى حسمها من مديونيته، لولا أن المصرف ادعى عليه فيما بعد بتهمة التزوير باعتبار الإشعار برقم تسلسلي مختلف عن أرقام الإشعارات في التاريخ القديم، وبعد طلب الخبر ة القانونية وإجراء المطابقة ثبت التزوير عليه، واكتفت محكمة الاستئناف بالحكم عليه بالحبس لثلاثة أشهر وتغريمه مبلغ خمسين ألف ليرة بجرم إساءة استعمال السلطة، ورد دعوى التزوير لسبب ما!! (الدعوة رقم أساس  117 لعام 2006 محكمة المالكية، والحكم صادر من محكمة الجزاء بالقامشلي لدعوى رقم 500 عام 2007 بتاريخ 3/6/2007)، وبالرغم من كل ذلك مازال الآمر الناهي والمتصرف بشؤون القروض، على الرغم من كثرة شكاوى الفلاحين ضده لطلبه الرشوة مقابل تسيير أمورهم.

 

القروض خيار وفقوس

وإذا علمنا أن هذا الموظف مدين للمصرف الزراعي بمبلغ 5207536 ل.س، فتحت أي بند قانوني يستجر قرض بطالة باسم ابنه، وبالوقت نفسه يرفض منح القرض لطالبي القروض ما لم يسددوا كل ديونهم المستحقة؟؟

وهنا لنا أن نتساءل: إذا كان أحد موظفي المصرف قد أعطى براءة ذمة لأحد الفلاحين البالغة مديونيته 23000 ل.س، ولم تسدد هذه المديونية لليوم التالي أحيل للقضاء من الجهات المعنية وغير المعنية، فكيف للمصرف أن يعطي براءات ذمة لأشخاص بأرقام وتواريخ ليقوموا بمعاملات قروض، ثم عند تسلم القروض تظهر ديون جديدة وتحسم من قروض هؤلاء المواطنين؟؟ وإذا كانت براءات الذمة هذه عن خطأ فمن الطبيعي ألا تتكرر فأين الجهات التي حاسبت؟ هل نحن أمام إغراق منظم للفلاح بالديون لإخراجه من أرضه؟

هذا الموضوع بالذات كان فحوى ماتقدم به وكيل المعاق سعود شجاع العواصي الذي بنى ثلاث منشآت زراعية على نفقته الخاصة، وحاول استجرار القروض اللازمة للبداية في الإنتاج الحيواني والدواجن وإيجاد فرص عمل في منطقة حدودية راكدة، ليفاجأ بإعاقات كثيرة من مدير المصرف وموظفيه لأنه لم يتعامل مع متعهد محدد من قبل المصرف لبنائها، حيث أن هؤلاء المتعهدين يأخذون نسبة من القرض تصل إلى 50 %، مما يدعونا للشك بأن نسباً محددة يأخذها موظفو المصرف لقاء تمشية أي قرض مادام المتعهد هو الذي  يسير الأمور. إن ذلك يعني أن المستفيد هو الموظف الفاسد والسمسار والراغب في إنشاء مزرعة وهمية، أما الذي يريد العمل فهو خاسر لامحالة، ولدينا الدليل على كثير من القروض لمنشآت وهمية أو غير مطابقة للمواصفات. نحن إذاً أمام عمل لاغتصاب حق المواطن الراغب في خدمة أهله وبلده، وأمام اغتصاب لعطاءات تستنزف كثيراً من الاقتصاد الوطني..

 

فلاحون وهميون

وأخيرا نذكر بالمنح المقدمة للفلاحين في فترة غلاء المازوت وقرار إقراض الفلاحين بلا فائدة، وبغض النظر عن المديونية وشرط الزراعة فقط، قام المصرف الزراعي باليعربية بانتقاء أشخاص محددين، وعندما سئل أجاب بأن الإدارة خولت بإجراء كشوف على الزارعين وعدم الاكتفاء بكشف دائرة الزراعي الحسي للأرض، وعندما جاء موسم القطن منذ أيام ثبت أن أغلب من قبضوا هذه السلف النقدية لم يزرعوا، وعند السؤال عن الكشوف بيّن المصرف أنه لم يقم بكشوف..

إذاً، نحن أمام حصار حقيقي على مال الدولة وعلى رصيدها الأساس المواطن، وأمام فساد كهذا لابد من إيجاد قنوات لإنصاف المواطن، وإذا كانت كل مشكلة لا تحل إلا بالقضاء فليبشر المحامون بالعمل الوفير، وربما صار عدد المحاكم بعدد المؤسسات في كل مدينة..