ترشيد الإنفاق.. والجهد!
حركة نشيطة تقدمت بها جهات لا أعرفها ولا يعنيني أن أعرفها.. وإنما هي خاطرة مواطن عمل طويلاً في حقل علم التخطيط التربوي واستعمل في عمله مئات المرات عبارة (ترشيد الإنفاق) وتعني أن على الجهات المعنية ألا تصرف قرشاً واحداً في غير محله وإلا سَيعدّ هذا هدراً... أو سوء ائتمان.. وبالنتيجة فإن ذلك يعد خيانة للأمانة... والوطن هو الأمانة... وأموال الوطن هي الأمانة وخدمة الناس فعلاً وحقاً هي الأمانة...
أمام أنظار الجميع تتم عملية كشط الأرصفة (الصالح منها وهذا هو المستغرب والطالح) استعداداً لاستقبال المحتفلين عام 2008 بدمشق كعاصمة للثقافة العربية ـ الإسلامية أو حتى لإعادة شوارع العاصمة وأرصفتها إلى ألقها السابق....
الهدف نبيل، ويستحق المشرفون عليه الشكر، إذا كانت الطريقة صحيحة ولا غبار من الشكوك عليها!!! ولكن هل سيأتي المحتفلون بعاصمة الثقافة للتمتع بمشاهدة أرصفة الشوارع التي كانت بلاطاتها مربعة فأصبحت مضلعة؟!!
كما شكلت هذه العملية التي لا لزوم لـ90% منها.. هل يتكرم أحد بإعلان الرقم؟ 300 مليون أم 500 مليون له؟!! وهل يقوم المشرفون عليها حقاً وصدقاً بترميم الشوارع في المناطق التي تحتاج فعلاً إلى التجديد والترميم؟!! أقترح على المسؤولين في وزارة الإدارة المحلية بتكليف لجان الأحياء برصد الحالات التي تحتاج إلى تجديد وترميم وو... وإعطائها وحدها الحق بالموافقة على هذه العملية حتى لا تخضع لمزاج عدد صغير من المسؤولين في المحافظة أو في غيرها أمرت بتخريب أرصفة شوارع لا حاجة لتخزينها...
كما أقترح على المسؤولين إيقاف العملية في الأماكن التي لا تحتاج إليها وتحويل الأموال لتجديد الأماكن التي تحتاج فعلاً للتجديد.
المحتفلون بعاصمة الثقافة سيذهبون على سبيل المثال لزيارة قبر الشيخ محي الدين ابن العربي والدرسة، والأشرفية البرانية والأوابد الرائعة الممتدة من حي المهاجرين إلى حي ركن الدين التي تضم إرثاً تاريخياً يجعل من دمشق فعلاً مدينة تاريخية...
وسيذهبون إلى عبق تاريخ الإسلام والعروبة في مدينة دمشق القديمة وبعض بيوتها الآيلة للسقوط وشوارعها المحتاجة للتبييض والترميم والتنظيف وإزالة أشرطة الكهرباء العشوائية... سيسألون القائمين عن قبر ابن خلكان وعن قبر ابن النفيس وعن ساحة ابن عساكر التي لا تليق بوضعها الحالي بمؤرخ دمشق العظيم ابن عساكر، وسيذهبون لزيارة بيت الشهيد البطل يوسف العظمة... وسيتساءلون عن تراث يوحنا الدمشقي وعن منازل وزراء بني أمية... وسيتساءلون عن المدرسة السيبائية، ولماذا لا تغسلون حيطانها لتسمح للناظرين بالاستمتاع بفن عمارتها الرائع... وسيتساءلون عن بيت عبد الرحمن الشهبندر... وسيتساءلون عن النصب التذكارية التي تمجد شهداء الثورة السورية الكبرى... وعن ذلك الجدار التذكاري المصنوع من الغرانيت والمشرف على وادي القرن الذي يذكر الناس بأولئك الأبطال الذين ذهبوا للاستشهاد في ميسلون بدلاً من إحناء رقابهم أمام المستعمرين الخ الخ....
هذا هو ترشيد الإنفاق... ادفعوا هذه الأموال فيما يخدم الناس ويخدم الوطن... لتصبح دمشق جديرة بأن تكون عاصمة للثقافة.
■ زهير ناجي – باحث