ظاهرة الفساد..
الفساد ظاهرة عامة تتواجد في أغلب مجتمعات العالم، تتباين نسبة تفشيها بين بلد وآخر، عكسا مع مقدار تمتعه بالديمقراطية، وبحرية مؤسسات مجتمعه المدني ودورها الرقابي فيه.
كانت ظاهرة الفساد في سورية ضعيفة، تمارس بأقصى درجات الحيطة والحذر، وتشكل سبة عار لمرتكبها. لكنها أخذت تتوسع وتنتشر شيئاً فشيئاً، بسبب طغيان قانوني الطوارئ والأحكام العرفية، اللذين غيبا المحاسبة والمراقبة عن تصرفات وسلوك المسؤولين المتنفذين في مقدرات أمور البلد، إلى أن أصبحت ظاهرة عامة شاملة، تفتك وتنخر في معظم مفاصل الدولة الاقتصادية منها خاصة، تنهب وتسلب خيرات الشعب والوطن.
شبكات مترابطة تتستر على بعضها، (اسكت عن اختلاساتي، واسكت عن اختلاساتك) لكنهم متضامنون في تلفيق التهم للمواطن النزيه، ومعاقبته بالإبعاد وحتى بالسجن، لوقوفه حجرة عثرة في طريق فضائحهم دون أن يرف لهم جفن.
لذا لا تأخذ الجماهير الشعبية، تصاريح وقرارات المسؤولين عن مكافحة الفساد، على محمل الجد، وتعتبرها من عوامل التخدير والاستهزاء بالرأي العام، وإلا لكانت طالت بعض المتنفذين الكبار، الذين حولوا مؤسسات القطاع العام إلى مزارع خاصة، تقاسموها فيما بينهم... الأمر الذي يدل على أن نهج الفساد قد أصبح مؤسسة ذات قوة ضاربة، لا يمكن لأحد أن يحاسبها ويعاقبها.
إن لظاهرة الفساد المستشري في بلدنا، نتائج كارثية على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية. لقد ضربت وخسّرت القطاع العام وامتصّت خيراته، إلى أن أوصلته للخصخصة. حولت نهج البلد من اقتصاد (سمي اشتراكياً) إلى اقتصاد ليبرالي رأسمالي. هرّبت مئات مليارات الدولارات إلى المصارف الأجنبية، أضعفت التنمية الاقتصادية وازدهار البلد، فاقمت البطالة، قلصت الخدمات الصحية والتعليمية وأثّرت على رفع القدرة القتالية للجيش، أفقرت الشعب والآن تهدد برفع الدعم عن بعض المواد الغذائية وعن المازوت، أفسدت منه الأخلاق، بحيث بات يتعامل مع أمور الفساد كقاعدة دارجة، أضعفت ثقته بالسلطة، وحتى بمقاومتها وصمودها في وجه التهديدات الأمريكية الصهيونية. هذا عدا عن أن ـ ظاهرة الفساد ـ تشكل أرضية خصبة للعدوان، وطابوراً خامساً للأعداء وو...
إنه انقلاب فعلي على مسيرة التقدم، والإنجازات التي حققها العمال والفلاحون بنضال عشرات السنين. انقلاب على مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي التقدمية. على الدستور الذي كرس الاقتصاد (الاشتراكي) نهجاً للبلد.. لكن المفارقة الكبرى هي في أن هذا الانقلاب، رأساً على عقب، على مبادئ حزب البعث، يجري من حكومات تحكم باسم حزب البعث العربي الاشتراكي. يقيناً أن كبار الموظفين والمسؤولين. الذين تحولوا إلى حيتان مالية كبيرة، شكلت طبقة بورجوازية بيروقراطية وحيتان ماليين أبعدتهم عن التقدم والاشتراكية.
حضرنا نقاشاً حاداً، بين لفيف من الشبان المثقفين، انقسموا إلى رأيين حول: هل الفساد المستشري في البلد، والفاسدون الذين يضعون مصالحهم الذاتية فوق مصالح الشعب والوطن، ويسببون لهما هذه النتائج الكارثية، تدخل في باب الخيانة الوطنية أم لا؟
رغم أن مشاعري كانت إلى الجانب الإيجابي من السؤال، لكن جهلي بقانون العقوبات السوري، أحيل هذا التساؤل إلى جهابذة القانون في بلدنا، ليفيدونا باجتهاداتهم مشكورين وأجرهم على الله.
■ عبدي يوسف عابد