الأزمة في سورية تنعكس على أجواء الامتحانات هل أصبح الفساد، العنف، الغش، التخوين والتكفير ثقافة المجتمع السوري؟!
تصادف الدورات الامتحانية للشهادتين، الثانوية بكل فروعها، والتعليم الأساسي، إضافة إلى الامتحانات الجامعية في هذه الأيام، مترافقة مع الأوضاع المتوترة والحراك الشعبي، والمواجهات المسلحة في معظم المدن والمناطق السورية. ويواجه كل من الفريقين (الطلاب والمراقبين) صعوبات ومشاكل كثيرة، أنتجتها السياسات التعليمية الخاطئة التي مورست على مدى عقود، وما أنتجت سوى التخلف والفساد الذي صبغ الكثير من الممارسات، وكأنه شيء طبيعي غير طارئ على العملية التعليمية، وكأن الفساد أصبح ثقافة عامة، وأكثرنا ثقافة هو أكثرنا ابتكاراً لأساليب الفساد والتحايل والتجاوز على الأعراف والقوانين
وانعكست الأزمة والأوضاع المضطربة التي تعيشها سورية، وملامحها السيئة الطارئة على المجتمع السوري من تكفير وتخوين واحتقار للآخَر، والتي لم نكن يوماً نعرف لها وجوداً بيننا، على نفوس طلابنا وتصرفاتهم وممارستهم العملية والفكرية، فقد انغمست بعض شرائح المجتمع السوري بالفكر التكفيري، وإنكار الآخر وحقه وحريته الشخصية، ففي بعض مناطق ريف دمشق تم الاعتداء بالقذف بالحجارة على سيارة سرفيس تستقلها مراقبات غير محجبات، قادمات من منطقة أخرى للمراقبة في بعض مدارس قرى ريف دمشق. وأحد الطلاب يقوم بمحاولات متكررة للغش، ويحمل قصاصات من الورق مدون عليها ملاحظات دراسية أو أسئلة محلولة (روشيتة) وعندما منعته المراقِبة من القيام بالغش وصادرت له (الروشيتات) فاجأها باتهامها بالطائفية، وقال لها: «فقط لأنني من منطقة كذا... تعاملني هكذا!»
إنه زمن التخوين في كل المجالات
مراقب قال لزميله: «حرام أن يضيع تعب الطالب خلال عام كامل في ساعة واحدة من الزمن، فأولاد المسؤولين الذين توصلهم إلى باب مركز الامتحان سيارات المرسيدس، ولا يتم تفتيشهم، وقد تبقى هواتفهم الخليوية معهم رغم منع ذلك بقرار من وزير التربية، وقد يكون هناك في الامتحانات من سرَّب لهم نماذج من الأسئلة، فهؤلاء ليسوا أفضل من باقي الطلاب، فلنتساهل قليلاً مع أبنائنا في القاعة، كي لا تضيع سنوات عمرهم هكذا». فصاح به زميله: «لا، هذه خيانة للوطن، هل تريد أن ينجح من لا يستحق النجاح دون جهد؟!» نعم، المواطن الدرويش بفعلة صغيرة خاطئة تكون خيانة للوطن، ولكن المسؤولين وأبناءهم بأخطائهم الكبيرة، لا تعتبر خيانة للوطن، بل من الممكن أن تكون حقاً لهم مكتسباً.
هموم المراقبين
شكا لنا كثير من المدرسين والمدرسات أن وزارة التربية قد قضمت الكثير من حقوقهم دون اكتراث بتعويضهم بدلاً عادلاً ومقابلاً عنها، ومن هذه الشكاوى:
ـ المدرِّسة نور فياض قالت: «إن العاملين في مجال التعليم من مدرسين ومدرسات يتم تكليفهم بمراقبة الامتحانات للشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي، ثم يكلفون بتصحيح أوراق الامتحان، وهذه السنة وبعد صدور مرسوم الدورة الإضافية لطلاب الشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي، والتي ستبدأ في 24 تموز، ثم يكلفون بتصحيح أوراق امتحان الدورة الإضافية، ما يعني أنهم محرومون من عطلة صيفية مفترضة محسوبة عليهم إسمياً فقط، فمع أنهم يمضون فترة الصيف كله في دورتين امتحانيتين وتصحيح أوراقهما، فإن عطلة الصيف المفترضة تمنع إمكانية حصولهم على إجازات سنوية مثل باقي الموظفين بالدولة خلال الفصلين الدراسيين في العام الدراسي، حيث يحق للمدرس ثلاثة أيام فقط إجازة في الفصل الأول ومثلها في الفصل الثاني خلال العام الدراسي الكامل، بحجة أنهم يحصلون على عطلة صيفية كاملة».
ـ المدرِّسة (إيمان ك) قالت: «إذا كانت الوزارة تقول إنها تعوض علينا بالبدل النقدي، فإننا نؤكد أن هذا البدل النقدي غير عادل وغير كافٍ، فأجرة المراقبة التي حددتها الوزارة هي 50 ل.س للساعة الواحدة، أي أن أجرة المراقبة لبعض المواد هي 50 ل.س لكامل المادة، وبعضها 75 ل.س للمادة التي مدتها ساعة ونصف، و100 ل.س للمادة التي مدتها ساعتان، بينما هناك مراقبون يتم تعيينهم في مراكز امتحانية بعيدة عن مكان سكنهم، وبذلك يدفعون ضعف ما يتقاضونه بدلَ مواصلات، وهنا نطالب وزارة التربية أن تنظر إلى هذه المظلَمة بعين الاعتبار وتحسن تعويضات المراقبين المادية بزيادة أجور ساعة المراقبة والتصحيح. وهنا الوضع مشابه تماماً لما يعانيه مراقبو الامتحانات الجامعية، حيث شكت لي زميلتي أن أجورها لا تتناسب مع متطلبات الواقع، وتبلغ فقط 100 ل.س للجلسة الامتحانية التي مدتها ساعتان، وحتى هذه الـ100 ل.س يقتطعون عليها ضريبة دخل، ويستلمها المراقب 95 ل.س وهذا ظلم».
الغش في الامتحانات
حالة القلق النفسي الذي يعانيه طلابنا منذ عقود خوفاً من الفشل في الامتحانات المفصلية في حياتهم، وبسبب السياسات التعليمية الفاسدة، وطرق الامتحانات والرهبة التي يعانيها الطلاب في فترتها، والخوف والقلق من سلم العلامات وطرق التصحيح وحدوث الأخطاء والملابسات التي يتوجسها طلاب الشهادة الثانوية بوجه خاص، لأنها مفترق طرق هامة في حياتهم وتقرير مصير، كل هذا القلق والتوجس أصبح مركَّباً في هذه الآونة، بسبب الأوضاع القلقة والتوتر الذي تشهده البلاد، وهذا يمنع اكتساب المعرفة وإنتاجها، ويؤثر على مردود العملية التعليمية، بل ويؤثر سلباً على الحالة النفسية للطلاب، ويظهر ذلك في تصرفاتهم وممارستهم، ومن الممارسات السيئة التي يتَّبعها الطالب أثناء الامتحان محاولات الغش وعدم الاعتماد على الإمكانيات الذاتية لتحصيل العلامات، فالطالب يبحث حتى في الوسائل السيئة للحصول على علامة إضافية قد تكون فارقاً هاماً في حياته العلمية، وهذه الظاهرة أنتجها الفصام الذي يعيشه كثير منا في مجالات شتى، وخاصة بين العلم والعمل، لأنه قد استقر في ذهن الطالب أنه لا علاقة بين العلم الذي يتعلمه، وبين العمل الذي يجب أن يأتي به بعد هذا العلم.
أسباب الغش في الامتحان
1ـ تفشت ظاهرة الغش في الامتحانات نتيجة ثقافة الفساد الأخلاقي والاجتماعي والتجاوزات التي نتجت عن سياسات الفساد الاقتصادي، حيث يعيش الطالب انعكاساً فاضحاً للفساد الذي تفشى في كل مفاصل الدولة والمجتمع.
2ـ ضعف التربية المنزلية من الوالدين، وذلك بسبب انشغال الوالد بتأمين لقمة العيش عن طريق عملين أو أكثر أحياناً، بحيث لا يرى أبناءه سوى ساعات قليلة في الأسبوع، وهذا ما يحرمه أن يجلس مع ابنه لينصحه ويذكره بسوء معنى الغش، وعواقبه الوخيمة وتأثيرها السيئ على مستقبل ابنه.
3ـ ضعف الثقة بالمنهاج والأسئلة والتصحيح والمصححين، فيتهيأ لكثير من الطلاب أن الأسئلة ستكون صعبة، والنجاح بالامتحان لا يتم إلا بالغش (والترشيت)، فيصرف الأوقات الطويلة في كتابة (الروشيتات) واختراع الحيل وطرق الغش، ولو بذل نصف هذا الوقت في المذاكرة بإمعان وتركيز، لكان من الناجحين المتفوقين.
4ـ الخوف من الرسوب الناجم عن الكسل وضعف الشخصية، فالطالب الذي يرى زملاءه يجدون ويجتهدون من بداية العام، ويصحو بعد فوات الأوان، ويطلب النجاح ولو بالغش، الذي هو دليل على ضعف الشخصية وانعدام الثقة بالنفس بالقدرة على تجاوز الامتحان بالإمكانيات الشخصية.
مبررات الغش عند الطالب
على باب أحد مراكز الامتحان لشهادة التعليم الأساسي التقينا الطالب حسام ق، وسألناه عن سبب لجوء الطالب إلى الغش، فقال: «أستطيع التحدث باسم زملائي طلاب الصف التاسع الذي هو كالمتاهة بالنسبة للطلاب، حيث يجمع كافة المواد الأدبية والعلمية في آن واحد، فالطالب الذي ميوله علمية ويُبدع في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم، ما ذنبه ليحفظ 30 درس تاريخ؟ وغيرها أكثر من 20 درساً من مواد ليست أكثر من كلام فارغ؟ ولذلك يحاول اجتياز امتحان هذه المواد بالغش والنقل والترشيت، لأنه غير مقتنع بها ولا تتماشى مع طموحاته، فلا يفهمها أصلاً»
الطالب توفيق ر. أضاف: «ناهيك عن وجود بعض المواد المحشوة حشواً ضمن المواد الأساسية الهامة، وهي لتعبئة الفراغ فقط ولتضييع وقت الطالب، ففي اللغة العربية مثلاً هناك كتاب القراءة والنصوص الذي يحوي 26 درساً، وكتاب (صور من حياتنا) الذي يحوي 21 درساً قصصياً، وفي الامتحان على كل كتاب من هذين الكتابين علامتان فقط، وقد تكونان على مقطع سقط من حفظك سهواً، فبدلاً من تضييع وقت الطالب يجب التركيز أكثر على قواعد اللغة العربية وتاريخ الأدب العربي وقيمته».
وعلى باب أحد مراكز امتحان الشهادة الثانوية العامة التقينا الطالب سلمان ع، وعن السؤال نفسه أجاب: «الذي يضطر الطالب أحياناً للغش بالامتحان والاعتماد على (الروشيتات) هو أسلوب التدريس الخاطئ الذي يجبر الطالب على الحفظ البصم، والخوف الأكبر من سلم التصحيح وملابساته، ومعدلات القبول الجامعي وظلمها، ومستقبل الطالب ومسيرة حياته الكاملة التي تتوقف على علامة واحدة قد تتحكم بالوضع الاقتصادي للأسرة، فيما لو دخلت التعليم الجامعي العادي أو الموازي، بينما بعض الطلاب يحصلون على درجات عالية ومستقبل باهر وشهادات عليا لا يستحقونها، كل ذلك يجبر الطالب أحياناً أن يتبع وسائل الغش ويقاتل ويخاطر لينقل كلمة واحدة والحصول على علامة إضافية».
ولا تخلو أحياناً من مظاهرة العنف
بغية تحقيق هدف تحصيل علامات إضافية، والشعور بالخطر إذا لم يتحقق هذا الهدف، قد يقوم الطالب الذي يقوم بمحاولات الغش بتصرفات متهورة وخاطئة، كالاعتداء على المراقب الذي يمنعه من الغش، وقد حدث هذا وأُثبِت رسمياً، حيث تعرضت إحدى المراقبات في امتحان الثانوية العامة في أحد المراكز الامتحانية في منطقة الحجر الأسود للاعتداء من إحدى الطالبات بعد نهاية امتحان إحدى المواد، حيث قامت الطالبة بالغش وتم ضبطها وهي تحمل قصاصات ورقية (روشيتات)، ومنعتها المراقِبة من استخدامها، وسحبتها منها، ولكنها سمحت لها بمتابعة الامتحان، ولم يرُقْ ذلك للطالبة فاتصلت بأفراد عائلتها الذين سارعوا لملاقاتها على باب المركز والاعتداء على المراقبة أثناء خروجها منه.
وفي حادثة مشابهة أقدمت الطالبة (ر) على ضرب المراقبة (ي) أثناء قيامها بالمراقبة لامتحان إحدى مواد الشهادة الثانوية العامة في اللاذقية، فبعد مضي نصف المدة المقررة للامتحان قامت الطالبة بعدد من المحاولات للغش، وحاولت المراقبة منعها، فانهالت الطالبة عليها بالضرب بكرسي كان موجوداً بالقاعة. وكان من المقرر إحالة الطالبتين للقضاء بتهمة التهجم وضرب موظف أثناء عمله. ومن جهة أخرى ضبط مدير التربية باللاذقية. خلال امتحان إحدى مواد الشهادة الثانوية العامة، عشر سماعات بلوتوث مع عدد من الطلاب، خلال الجولات الميدانية التي يقوم بها على المراكز الامتحانية في المحافظة.
التطلع إلى مستقبل أفضل
إضافة إلى التراكمات السيئة التي أوصلتنا إليها السياسات التعليمية، ضمن سلسلة السياسات التدميرية الليبرالية للحكومات السابقة، عاش الطلاب السوريون هذا العام ظروفاً دراسية قلقة نتيجة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، والاستنفار الأمني والمعالجات والمواجهات المسلحة التي أدت إلى تعطيل المدارس لفترات متقطعة خلال الفصل الدراسي الثاني، وخاصة في المناطق والمدن والمحافظات التي شهدت توترات واضطرابات أمنية، وقد انعكس هذا التوتر والأزمة بكثير من تفاصيلها المخترَعة، في تصرفات وممارسات وتفكير الجيل الشاب الذي يمثله طلاب الجامعات والشهادات الثانوية بكل فروعها وصولاً إلى طلاب نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وظهرت بعض الانعكاسات السلبية للأزمة بمظاهر العنف والتكفير والطائفية والغش والفساد. ونتمنى أن يتجاوز طلابنا هذه المظاهر الهدامة، ويعودوا إلى التآخي والتعايش الآمِن تحت سقف الوطن، واستعادة رصِّ صفوف الوحدة الوطنية التي اشتهرت بها سورية على مر التاريخ