حول تصريحات رئيس هيئة تخطيط الدولة.. الرداوي ضد الرداوي..
يبدو أن التخبط الدائم الذي كان وما يزال يطبع عمل الكثير من الجهات المسؤولة في بلدنا والمؤسسات الاستراتيجية المختلفة ومسؤوليها (البارزين)، راح مؤخراً، يطال حتى اللقاءات الحوارات والتصريحات الصحفية لهذا المسؤول أو ذاك.
ترى هل هي مصادفة، أم أن المسؤولين أدركوا في عقلهم الباطن أن مناوراتهم الإعلامية وخطاباتهم المنمقة التي كانت تُدرس بعناية مطلقة سابقاًُ، مضمنين إياها عبارات إنشائية وشعاراتية جزلة لتغطية (السماوات بالقباوات) حسب التعبير الشعبي، لم تعد تجدي نفعاً في وقتنا الراهن، وبالتالي فإن التناقض بين القول والفعل عندهم وصل إلى مرحلة بات من الصعب فيها ضبطه وإخفاؤه، حتى أثناء الإدلاء بتصريح لوسائل الإعلام؟
أياً يكون الجواب على هذا السؤال، ولكي لا يبقى الحديث في العموم، نتوقف عند التناقضات الكبيرة التي برزت مؤخراً في حديث رئيس هيئة تخطيط الدولة د. تيسير الرداوي في حوارين صحفيين متقاربين لا يفصل بينهما سوى أيام ثلاثة، الأول كان للزميلة صحيفة البعث نشر بتاريخ 23/7/2007، والثاني للزميلة «الثورة» ربما جاء رداً على الأول، نشر بتاريخ 26/7/2007، إذ كان من الملفت للانتباه التباين الواضح الذي وقع فيه د. الرداوي في كل مرة كان يجيب عن الأسئلة ذاتها، والذي وصل في معظم الأحيان إلى درجة التناقض الجذري، وهو يتحدث عن النقطة نفسها!!
وانطلاقاً من دعوة رئيس هيئة تخطيط الدولة د. تيسير الرداوي للصحافة للتعامل مع المسؤولين بشكل موضوعي، من أجل أن « تكون العلاقة بين الطرفين (الصحفيين والمسؤولين) على مستوى عال من الشفافية وبالتالي تعبر عن الأخلاقية المهنية بين الطرفين».. نورد التناقضات التالية:
يقول د. الرداوي لصحيفة البعث: «أنا (ما) أستثمر في سورية.. لو كنت مستثمراً لحاولت أن أضغط على الحكومة ضغطاً شديداً حتى يعطوني مزايا مناسبة، فالمستثمرون بحاجة إلى إجراءات سريعة، والاستثمار يكره الروتين والمعوقات، وإذا لم يحصل المستثمر على الفوائد العائدة من رأسماله فهو بهذه الحالة يرفضها.. والمستثمر يكره أن يكون مقيداً ويحب الحرية، ويطلب دائماً ضمانة لاستثماراته لأن رأس المال جبان.. فحرية المستثمر تكمن في أن يحول أمواله متى يشاء، مع إعطائه الحرية الكاملة، وهذا أمر ضروري».. ويضيف: «الاستثمار منخفض ليس في المنطقة الشرقية وحدها، إنما في كل أنحاء سورية، ولكن تحديداً بالمنطقة الشرقية يكاد أن يكون صفراً، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة هناك إلى /14.1%/
ثم يعود ويقول للثورة: «همي الأول هو الاستثمار.. وحقيقة، نجحت الحكومة في كثير من القضايا، ولكن حتى الآن هناك بعض المعوقات الإدارية الروتينية.. ولكن توقعاتي أنها ستنجز خلال أيام.(!!!) إنني أرى الأمور تسير بالاتجاه الصحيح فيما يتعلق بتحسين بيئة الاستثمار، وطبعا النتائج حتى الآن في سورية عظيمة، فقد ازداد حجم الاستثمارات كثيرا»...!!!
ترى ما الذي فعلته الحكومة خلال ثلاثة أيام ليغير رئيس الهيئة موقفه كلياً بهذه القضية الحساسة، وهل استطاعت خلال هذه الساعات القليلة تحسين المناخ الاستثماري وجلب موارد جديدة؟؟ وأياً من رأييه المتناقضين علينا نحن – العامة – أن نصدق؟؟
وعن العلاقة مع البنك الدولي يقول رئيس الهيئة للبعث: «أعوذ بالله من هذه العلاقة»، ويضيف حسب الصحيفة «بأنه غير متحمس للتعامل مع البنك الدولي، ولكن لا يرفض التعامل معه، بمعنى أنه إذا جاء البنك الدولي عارضاً خدمة ما، فيمكننا أن ندرس هذه الخدمة لأننا نرفض الوصفات الجاهزة التي يقدمها».. ثم يؤكد للثورة: «استراتيجيا, أنا مع الشراكات الاقتصادية في كل العالم. لا تستطيع أن تعيش اليوم في العالم منعزلا، لذلك الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مثلما هو دخول منظمة التجارة العالمية، من الأمور الهامة، وكلما تأخرنا في هذا الاتجاه, كلما كانت التكاليف أكبر»..
والسؤال: هل البنك الدولي هو الوحيد الذي يقدم (الوصفات الجاهزة)؟؟ أليست (استراتيجية) الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ودخول منظمة التجارة الحرة مليئة بدورها بسلسلة غير منتهية من الشروط و(الوصفات الجاهزة)، بل والإملاءات التي لا تراعي مصالحنا الوطنية السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية؟؟ ثم كيف يكون مع الشراكة الأوروبية ومع الانضمام لمنظمة التجارة وهو يقول: «أنا شخصيا لا أنضوي تحت لواء الفكر الليبرالي»؟؟
التناقض لا ينتهي عند هذا الحد فالرداوي يؤكد تارة: «اقتصاد السوق الاجتماعي هو تجربة أوروبية، ألمانية تحديداً، نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لعكس الفائض الاجتماعي الذي حدث على الطبقات الاجتماعية».. ويعزز رأيه بأن «تسمية اقتصاد السوق تعتبر ثابتة وان اقتصاد السوق الاجتماعي بهذه التسمية ليس له معنى.. فالنظرية الاجتماعية تتفق على اقتصاد السوق والذي له قوانينه في تحقيق الموارد وتحديد السعر والاحتكار، وفي مراحل الإنتاج وتحديد النسب من عوامل السوق».
ولكنه لا يلبث بعد ثلاثة أيام أن يرى أن «اقتصاد السوق الاجتماعي هو هدف وفكرة جذابة, وهي تعتمد على آلية السوق وعلى الحرية والديمقراطية والقانون والعقلانية».
وحسب البعث فقد «عرج الرداوي على الخطة الخمسية العاشرة واصفاً إياها بالخطة الطموحة، ولكن قد لا يكون التنفيذ عظيماً ومئة بالمئة، معارضاً الرداوي حديثه القائل سابقاً بأن نسبة التنفيذ مئة بالمئة في بعض القطاعات بإحدى المحافظات»..
أما ما يتعلق بقضية الدعم، فيرى الرداوي في البعث «أنه تشويه لآلية السوق.. ولكن رغم ذلك لا نستطيع في ظرف اقتصادي واجتماعي محدد أن ننزع هذا الدعم، نظراً لكونه مكسبا اجتماعيا للناس ذوي الطبقات الفقيرة، وإذا أزلنا الدعم بذلك نؤذي الأغنياء والفقراء..»، وهنا يرى أنه لا حل «إلا في وسط نظام ضريبي».. أما في الثورة، فيؤكد أن: «الدعم يكلف الدولة أعباء كبيرة»، لنكتشف بعد قليل أنه مع «إعادة التوزيع (للدعم) ستنعكس بالفائدة على طبقات الشعب الأقل دخلا».. وهكذا فهو تارة مع إبقاء الدعم مع خلق نظام ضريبي مناسب، وتارة مع إعادة توزيع الدعم بحجة إيصاله إلى مستحقيه، وهي الحجة نفسها التي استند إليها الفريق الاقتصادي في محاولته لرفع الدعم كلياً!!!
والأخطر على مستوى الثقة في كل ما سبق، أن الرداوي رفض في كلا اللقا%