كيف أصبحت شيوعياً؟

ضيف هذا العدد الرفيق القديم محمد فهمي بن زكي زرزور

الرفيق أبو حسان كيف أصبحت شيوعيا؟.

أنا من مواليد حي الميدان بدمشق عام 1929، وأبي كان يملك دكان بقالية صغيرة في قرية (محجة) قرب درعا، تلقيت تعليمي الابتدائي بمدرسة خالد بن الوليد، ودفعتني الظروف إلى العمل وأنا طفل، فاشتغلت بالتمديدات الصحية، وتزوجت من أحببتها عام1955، واستمر زواجنا بتفاهم (سمن وعسل) حتى رحلت تلك الإنسانة الودودة الوفية عن الدنيا عام 2003، ولي منها خمس بنات وستة شباب.

أول ما تعرفت على الحزب كان بأوائل الأربعينات على يد أخي الأديب الراحل الرفيق فارس زرزور، حيث كان يحدثني عن واقع الكادحين وضرورة نضالهم ضد الاستغلال والقهر والاستعمار، وقد رأيت صحة قوله على أرض الواقع، وأذكر أني اشتركت بمظاهرة قام بها أبناء الميدان بساحة الحي ضد الاحتلال الفرنسي، وعندما داهمتنا قواته التجأت إلى المقبرة المجاورة حيث اختبأت بين القبور، وأذكر أيضا يوم كنت مارا مع أحد أصدقائي بساحة بوابة الصالحية وشاهدت (محرساً) يقف فيه جندي فرنسي فرميته عن بعد بحجر وأصبته ثم وليت هارباً.

دخلت صفوف الحزب عام 1948، وأول فرقة انتظمت فيها ضمت الرفاق عبسة وبخورة والقضماني، وكان مسؤولنا الرفيق خليل حريرة أبو فهد، وأكثر اجتماعاتنا كانت في بيته، ومن الرفاق الذين عملت إلى جانبهم خالد زقيق أبو الحاج وعبد الكريم محلمي وحمادة بارافي وبطرس أبو شعر.

شاركت بمعظم النشاطات والنضالات التي قام بها الحزب في دمشق (توزيع بيانات ومنشورات وجمع تواقيع ومظاهرات، وبخاصة الطيارة التي تبدأ فجأة وتنتهي بسرعة قبل أن تصل عناصر الأمن، وأذكر منها المظاهرة الضخمة ضد مشروع فراغ أيزنهاور حيث كنا نهتف: أيزنهاور يا منحوس/ في سورية أوعى تدوس/ بيطلعلك أسطول الروس/         والشعوب العربية..

اشتركت بمهرجان الشباب العالمي الذي أقيم في موسكو عام 1957، ومن الشعارات التي كنا نرددها : ميرو دروجبا وحرية/ وصداقتنا قوية/ عربية سوفياتية/ ما منعطي للاستعمار/ قواعد عسكرية..

لقد قلت إن ما جذبني للحزب هو إيماني بقضية الكادحين وحبي للعمال والفلاحين وكرهي للظلم والاستغلال والاستعمار، وفي صدري دائما صدى نشيد الثوار:

 علمي الأحمر يا رمز الأباة

                أنت يا مهوى القلوب الثائرات

 أنت يا قبلة أنظار الحياة

                قد جعلناك شعار الثائرين

 فلنثر ولنجعل الثورة رمزا

               ونهز الأرض ضد الظلم هزا

قصدنا نخلق للمظلوم عزا

               وأن نبيد الظالمين الآثمين

في زمن حكم نوري السعيد للعراق زرت بغداد وشهدت مظاهرة حاشدة للرفاق العراقيين  ضده.

تعرضت مثل آلاف الرفاق للملاحقة والاعتقال وسجنت في سجن المزة العسكري لمدة عام ونصف تعرضت خلالها شأن باقي الرفاق للتعذيب الهمجي، وأذكر ممن كنا معا عمر قطرية ونبيه جلاحج وبديع بارافي، وقد خرجت من السجن بعد إصابتي بمرض شديد كاد يودي بحياتي وحال وضعي الصحي بيني وبين متابعة التزامي بالتنظيم ,وقد استمر مرضي فترة طويلة، وأنا مدين بمعالجتي بلا أجر للطبيب الأردني الرائع الرفيق الدكتور عبد الرحمن شقير ولعيادته في حي الميدان، وبمناسبة الحديث عن العلاج لابد من توجيه التحية لعشرات الأطباء الشيوعيين الذين ما قصروا في معالجة الفقراء، وأخص منهم الدكتور نبيه رشيدات ومصطفى العشا. عملت قبل السجن في حراسة مكتب جريدة الحزب (النور)، ووقتها تعرفت على الكثير من الرفاق مثل أبو فياض فرج الله الحلو وعبد الباقي الجمالي ورأفت الكردي. لقد كانت أياماً غنيّة لا تنسى رسّخت في وجداني وعقلي الثقة بأن الشيوعي الحقيقي هو الصادق في أقواله وأعماله، هو من يحترم رفاقه ويحترم نفسه، هو الجريء المخلص للشعب والوطن، الذي يطور معارفه وثقافته. وتلك الصفات هي التي صنعت للحزب سمعته الطيبة ومكانته اللائقة، لذلك لا عجب أن وجه الأعداء إليها أحقادهم وسهامهم، وجاءت الانتهازية لتكمل الدور المنوط بها، فبدأت الانقسامات، وأخذ ت الجماهير تبتعد عن ساحة النضال، وهذا ما أدمى القلوب وزلزلها، لكن ما حدث على مرارته لم يفت في عضد الشيوعيين، فما زال الصراع الطبقي محتدماً، لذلك لا يمكن أن يتسرب اليأس إلى نفوس المناضلين، والدليل على ذلك ما بدأ يتضح على أرض الواقع، فهاهي بارقة الأمل تشع شيئا فشيئا في جهود الرفاق من كل الفصائل ومن خارج التنظيم  تتضافر بصدق وعزيمة في سبيل وحدة الشيوعيين السوريين.. فإلى مزيد من العمل والإقدام.

وشكرا لصحيفة قاسيون التي أتاحت لي الفرصة لأتحدّث عن مرحلة غنية ومشرفة عشتها.

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 10:13