«هموم وقضايا فلاحية».. لا تنحروا الزراعة بالسرقة والفساد وسرقة الأسمدة!
يتوزع أهالي مناطق «أبو خشب وجروان ومالحة الذرو» على ما يقارب /65/ تجمعاً سكانياً في بادية الجزيرة شمال دير الزور، ويقدر عددهم بعشرات ألوف المواطنين، نزح هؤلاء من منطقة «الزور» على ضفاف نهر الفرات بسبب الفقر والبؤس، ليستوطنوا في هذه المواقع، بقصد الزراعة، بدءاً من أعوام السبعينات وربما قبل. وهم يعتمدون في معيشتهم بالدرجة الأولى على ناتج الزراعة بشقيه الحيواني والنباتي، وكانت مصادر الري الوحيدة عندهم الآبار وما تجود عليهم السماء من أمطار.
وقد خدّمت هذه المناطق بالمدارس الابتدائية وبعض الطرق الزراعية والكهرباء، وظل سكان التجمعات يحلمون بتأمين حياة استقرار كاملة لهم، كأن تتوفر لهم مياه الشرب الحلوة، والمستوصفات، والكفاية من المدارس الإعدادية وفرص العمل، ومستلزمات الإنتاج بأسعار معقولة، وتسويق منتجاتهم بأسعار مجزية، ولكن شتان ما بين الحلم والواقع. وقد فوجئ فلاحو هذه المناطق بمشكلة خطيرة تتهدد مصيرهم، وتكمن في شح المياه اللازمة لري مزروعاتهم بسبب انحسار الأمطار، ونضوب قسم من الآبار، وانخفاض منسوب القسم الآخر، الأمر الذي صار يكلف الفلاحين نفقات إضافية في المحروقات والأعمال الأخرى، وأحياناً هذه الآبار نفسها لا تفي بالغرض حين يشتد الطلب على الري وخصوصاً في فصل الربيع.
أخذت أحوال الفلاحين تسوء وتتدهور يوماً بعد آخر بسبب الغلاء والبطالة وتدني مردود الزراعة، فاضطر بعضهم للهجرة إلى داخل وخارج البلاد. وتفاقمت حالة التسرب من المدارس لعسر ذات اليد، وأصبحت معاناة الفلاحين لا تطاق بين ما يحتاجونه من سلع وخدمات بأسعار متسارعة في الارتفاع، وبين ما يبيعونه من محاصيلهم بأسعار بخسة ـ فهم ـ مثلاً ـ يشترون طنّ السماد من السوق السوداء بسعر /15000/ل.س. وتزايد تكاليف العمل الزراعي إلى الضعف، بينما أسعار محاصيلهم الزراعية منذ عشرات السنوات لم تطرأ عليها أية زيادة تذكر. إذاً من الرابح في هذه الأحوال؟ أليس الرابحون هم كبار التجار والفاسدون ومن دار في فلكهم؟! إن هؤلاء يستجرون الأسمدة من مستودعات الدولة بالأسعار الرسمية المخفضة بأساليب خسيسة وملتوية، يعرفها أصحاب القرار والنفوذ في الدولة، ويحتكرونها ويتحكمون بأسعارها دون رقيب أو حسيب.
واليوم أصبح كثير من الفلاحين في حالة يأس وإحباط، يتركون الأرض أو يبيعونها، وخفت لديهم وتيرة الحماس للعمل الزراعي بسبب فارق الأسعار الكبير لصالح الطرف الآخر المستغل، ومثل هذا الوضع له انعكاسات خطيرة على حياة الفلاحين بشكل مباشر، ومستقبل البلاد عموماً، لأن منتوجنا الصناعي يعتمد على منتوجنا الزراعي، وعندما تتخلف وتضرب الزراعة، بالمقابل تتضرر وتتدهور الصناعة، مما يشكل خطراً جدياً على الأمن الغذائي والأمن الوطني.
يقول فلاحو هذه التجمعات: «لقد طالبنا المسؤولين في الدولة، منذ سنوات وسنوات لحل مشكلة مياه الري بجر قناة من موقع حلبيا وزلبيا على نهر الفرات باتجاه سهول أبو خشب والتجمعات السكانية الأخرى، والمسافة لا تبعد أكثر من /40/كم، ولكن الحلم ظل حلماً دون أن نجد أذناً صاغية من المعنيين في الدولة.
ولو كتب لهذا المشروع النور والإنجاز، لتحولت بفضله مساحات شاسعة من الأراضي إلى جنات واعدة، تعطي أكلها مزيداً من الإنتاج الزراعي والاستيعاب السكاني بما لا يتصوره الذهن.
إن دولاً من العالم معروفة تاريخياً بنت وجرت أقنية ري لمسافات طويلة بلغت مئات الكيلومترات، وربما أكثر، فأصبحت صحاريها اليباب جنات خضراء مأهولة بالسكان ومتقدمة بالإنتاج.
إن فلاحي مناطق أبي خشب وجروان ومالحة الذرو يطالبون الدولة بإلحاح، وقبل فوات الأوان، بجر قناة ري من الفرات إلى أراضيهم والإمكانات متوفرة في حال تم اجتثاث مواقع الفساد والهدر، وفي حال وجدت الإرادة الصادقة والإدارة الشريفة التي تعمل من أجل خير شعبنا ووطننا.