على المحك.. وعود الحكومة.. والشَّعب الذي يعشق الفلافل... والدَّعم!
- زيادة في الرواتب والأجور قادمة على ذمة «الدردري»..
- الفريق الاقتصادي من ذوي الدخل المحدود مثلنا، ويأكلون الفلافل في سهراتهم..؟
أوضح السيد عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية أن الحكومة ستوزع الأموال التي ستدخل الخزينة نتيجة رفع الدعم عن مادة المازوت وفق الآتي:
- زيادة مجزية على الرواتب والأجور لم يعلن عن نسبتها.
- رفع أسعار المحاصيل الإستراتيجية الزراعية.
- صندوق الدعم الاجتماعي.
- دعم الصادرات.
- تمويل تدخل الدولة الإيجابي من خلال مؤسستي الخزن والتسويق والاستهلاكية لشراء المحاصيل وبيعها بسعر مقبول للمواطنين
- الاستمرار في تمويل الموازنة الاستثمارية للدولة في مجال مجانية الصحة والتعليم العالي.
مضيفاً أنه توجد مجموعة عمل لدى الحكومة لدراسة آثار الارتفاع العالمي لأسعار السلع، وأنه ليس هناك إلغاء للدعم، فلا توجد دولة في العالم تلغي الدعم عن مواطنيها.
وفي الوقت الذي كان فيه المجتمعون يتحدثون عن غلاء أسعار السلع، ولاسيما مادة البطاطا.. رد السيد الدردري أن الفريق الاقتصادي في الحكومة هو من طبقة ذوي الدخل المحدود مثلهم مثل العمال، ويأكلون البطاطا والفلافل، وهم فريق نشط يصل الليل بالنهار، وهم فريق شريف يعملون باستمرار لتكون سورية جاهزة لأي ظرف طارئ... وقولوا يا رب..
بالضبط هذا ما أورده موقع سيريان ديز الالكتروني، وجاء الخبر على خلفية الاجتماع الذي عقده ممثلو العمال مع الحكومة، ووصل الاجتماع إلى النتيجة المتوقعة (صفر) للفريق الاقتصادي أمام الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد السوري.
وجهات النظر تباينت، بعض الأعضاء نوه إلى ضرورة الوقوف عند التوجهات الاقتصادية بدءاً من العام 2000، بعض القيادات النقابية قالت: الحكومة تبحث عن الموارد في جيوب الفقراء، إحدى النقابيات (بلسم ناصر) وجهت كلامها لرئيس الاتحاد العام: رفيقي أبو عبدو لا تستبعد أن يبيعوا مبنى اتحاد العمال ويقولوا لك لا يتأثر الاتحاد بذلك، ولا نضالكم!
فايز برشة عضو المكتب التنفيذي قاطع الدردري أثناء قوله: لا تراجع عن دور الدولة وحققت سورية (...مليار) قيمة مضافة- قال البرشة: والمواطن لا يستطيع أن يأكل الفلافل!
- أجاب الدردري: نحن مواطنون وذوو دخل محدود، وننتمي إلى الطبقة العاملة ونعرف الفلافل.
- جمال القادري رئيس اتحاد دمشق قاطع الدردري وهو يتحدث عن (المصائب التي كانت ستقع بها سورية لو لم يقم بالإصلاح).
قال القادري: لا تنسف كل شيء، ولا تنسب كل شيء لك.
رد الدردري: أنا لا أدعي البطولات ولا أتجنى على أحد، والقيادة السياسية هي التي تقرر.
إذاً كان سجالاً عنيفاً بين الحكومة واتحاد العمال، الحكومة بفريقها الاقتصادي الذي يعتقد دائماً أنه يقود الاقتصاد في البلد إلى بر النجاة، وممثلو العمال الذي يعرفون جيداً ما يعانيه المواطن.
الفلافل
نبدأ من الفلافل التي يعرفها النائب الاقتصادي وفريقه، وهي تؤكل ملفوفة وتسمى لدى السوريين (صندويشة)، وكذلك واحدة واحدة (نقرشة)، وهذه تمثل حالة ترف لدى السوري يقترفها في المشاوير، وفي حالات التخمة.
وتعتبر الفلافل من أرخص أنواع السندويش وأكثرها شعبية، وقد تم الاعتياد عليها وعلى ما يمكن أن تتركه من آثار ضارة بالمعدة، لكن سعرها المتدني يجعل الأوجاع محتملة، ولكنها بالمقابل تعرضت كما كل ما في السوق إلى ارتفاعات في الأسعار، وتخفيض من المواد التي تشكل هذه الوجبة الشعبية.
تتأثر بارتفاع البندورة، فيقوم البائع بحذفها (البندورة) من (الصندويشة)، وإذا ضرب الصقيع الخس أو الملفوف يكون المصير مشابهاً، وتوالت ارتفاعات أسعارها من خمس ليرات في بداية التسعينات إلى (20) ليرة حالياً، مع التسخين وإضافة قرص فلافل عليها.
أما الطبقات التي تشتريها فهي العظمى في سورية، طبقة الفقراء، أما من ضربهم (البطر) فأضافوا لها ما يسمى (المايونيز) وهو خليط من اللبن والثوم، ليعطي نكهة مختلفة عن النسخة الأصل، ويميز كذلك أذواق السادة عن أذواق الرعاع.
أما عن معرفة السيد النائب والفريق الاقتصادي للفلافل فهو أمر عادي، لأنها اختراع سوري محض، يعرفه كل من يحمل الهوية السورية، لكن معرفة الشيء لاتعني خوض تجربة أن يكون من اليوميات لدى العارف، فأكل الفلافل من قبيل المعرفة لا يشبه بالضبط الشعور بالحموضة التي يتركها في المعدة، أو ألم القولون وتشنجاته المبرحة؟
في أيام العطلات أغلب السوريين، الجمعة على وجه الخصوص، يتدافعون إلى مطاعم المقبلات حيث صار كيلو الحمص أو(المسبحة) بـ 100 ليرة، والفلافل إحدى مشتقاته، لكنها لم تسلم من الغش بخلط الحمص مع الخبز اليابس.
في الشعلان حيث سوق التنابل ومحدثي النعمة والبطرانين يوجد الفلافل كنوع من التواضع، والمعرفة، وبنكهة أخرى، ليست نكهة الوجبة الدائمة.
البطاطا
ليست في تاريخها بالنسبة للسوري بأكثر شرفاً أو جاهاً أو أصلاً من الفلافل، مأكولات رخيصة من حيث المنشأ والسعر، تؤكل بنفس النكهة، ولكن بطرق متعددة فيها مجاملة لتنوع المطعم (المطبخ) الفقير.
مقلية وحدها مع الكتشب، إذا علت مقلية بأشكال ورسوم على ظهر البروستد اللعين (من الفراريج).
مشوية، وهي تصلح لوحدها، أو لإدخال بعض الطعام على جلسة خمر لدى السوري البسيط (المازة).
للعائلات التي لديها كثير من الأولاد تؤكل مقطعة مع قليل من الملح والبهارات،وبعض البصل المقلّى يطش على وجهها كزينة ونكهة.
محشية في الولائم والعزائم والأعياد، ومناسبات (رد الِرجل) عندما يريد أصحاب الدخل المحدود التباهي.
من زمن ليس بالطويل كانت سلعة رخيصة وتافهة وغير محبذة، لكن الزمن دار كساعة رمل فلم يجد مؤنساً، البطاطا تجاوزت الموز، الفواكه، جلسة رخيصة في مقهى الكمال.
هذا الوصف الطويل قطعاً ليس للشريحة الكبرى التي تعتاش على مفرداته، فالبطاطا التي كانت مشاعاً للفقراء، صارت بـ 40 ليرة، وصدرت بحقها قوانين، ومقالات، وأحلام.
حلم الزيادة المجزية
منذ أشهر طويلة، ومنذ أن أعلن السوق انفلاته من المعقول، وتوالت الضربات الواحدة تلو الأخرى على (ذوي الدخل المحدود)، صارت الزيادة المجزية عند السوري شبه يقين قادم، مرت الشهور، أطلقت الحكومة الوعود،. ينفي وزير منها ما قالته بعد يوم، ثم قصة غلاء جديدة، الحديث عن رفع الدعم، أخيراً قسائم المازوت، شرارات تطلق الحلم بالزيادة، من أسبوعين رئيس الحكومة يتحدث عن زيادة مجزية، لكنها لتاريخه لم تأت.
*عبد الهادي موظف: كم ستكون؟، الإشاعات تتحدث عن 1000 + 7 % = (على راتبي) 1500 ليرة، ومصروفي الأسري زاد بعد موجة الغلاء 5000 ليرة.
*أم خالد: يجب أن تكون الزيادة 100 % كحد أدنى، أقل ما يمكن أن تحتاجه عائلة من خمسة أشخاص في الشهر 30 ألف ليرة، هذا إذا لم تباغتها مصيبة.
*شكيب صاحب محل سمانة: الموظفون سيستفيدون من الزيادة، في موجة الغلاء قلت أرباحنا صرنا بحاجة إلى زيادة مثل الموظف.
* عاطل عن العمل: اسمي معي، كيف ستصلني الزيادة وما علاقتي بها، ربما زيادة في الضياع وعدم العمل.
عن مجانية التعليم والصحة
هل لدينا تعليم مجاني، كان هذا الشعار ممكناً عندما كانت نسخة كتب السنة الدراسية الكاملة لاتتجاوز 1000 ليرة.
محسن (طالب): تعليم مجاني وأستاذ الجامعة يطبع كتابه ويبيعه لنا بـ 400 ليرة في زمن اللاقراءة، ومحاضرات الجامعة تبيعها الأكشاك بالاتفاق مع بعض الأساتذة للربح؟
سماهر من ساكنات المدينة الجامعية: كان التعليم مجانياً عندما كان قسط السكن الجامعي 250 ليرة، أما ونحن ندفع 4000 ليرة، فهذا ليس مجانياً.
(؟) : كان مجانياً قبل أن توضع الندوات، المقاصف للاستثمار، وصار مشروع التسيير الذاتي ذكرى، كأس الشاي 15 ليرة، الميلو 20 ليرة، السندويش حسب الطلب 20-40 ليرة.
* في الصحة يروي أحد الموظفين حكاية ولادة زوجته، البنت الثالثة على التوالي لابد من جراحة قيصرية، مباشرة باللاشعور كأي مواطن ما زال يعتقد أن الدولة معه توجهت إلى مشفى التوليد الجامعي، في الممر من الزحام، فحصها طبيب القسم الخاص، قال: معك 5000 سلفة تدفعينها من أجل العملية، قالت له بصدمة: لا، ولكن سأدبر حالي؟
قال بصرامة: لن تدخلي!.
أسعار المحاصيل
ستشتري الدولة كما أسلفنا في عدد سابق القمح والشعير وكل المحاصيل الزراعية، لكنها لن تلحق لأن التجار فعلوها، دفعوا أكثر منها للفلاح، واشتروا المحصول قبل أن يكون.
بدورنا نحن الذين يُشبهُنا الفريق الاقتصادي في معرفة الفلافل سنشتري من التاجر الذي ربما لن (يزعل الدولة) فتبيعنا الدولة، لا فرق، سلعاً ومحاصيل بأسعار جنونية.
مؤسسات التدخل
وهي بالتعريف المؤسسات الحكومية الكبرى التي تدفع بها الدولة للتدخل في السوق حين تعصف به الأزمات.
والتدخل يعني طرح سلع تغطي حاجة السوق من الطلب، وبالتالي المنافسة وتخفيض الأسعار.
على أرض الواقع بما أن الأسعار تزداد يوماً بعد آخر ولم تتوقف عن التصاعد فهذا يعني أن مؤسسات التدخل السريع لم تتدخل، أو أن أحداً أعطبها.
على الواقع الأكثر صعيداً يمكن القول إن تجربة المواطن أمام المؤسسات تكفي لكي يتخوف من الفكرة، وتجارب المواطن مع اللحم المستورد تكفي؟
الدعم
كلام لا غبار عليه، كلام النائب الدردري، لا توجد دولة في العالم ترفع الدعم عن مواطنيها، ولكن هل يستطيع الإجابة على هذه الأسئلة:
-لماذا صارت حياة السوري طابوراً طويلاً في المؤسسة والكازية؟
--لماذا وصل سعر كيلو الرز إلى 55 ليرة سورية؟
-لماذا راتب (أجر) الأستاذ خليل لا يكفيه لمنتصف الشهر، ويعمل في (الطينة) مع تلميذه الذي ترك المدرسة من المرحلة الابتدائية وصار معلم (طيان)، والأستاذ خليل (يزق الشمينتو)؟
-هل نحن جاهزون لحالات الطوارئ الكبرى على الأقل (الخبز).؟
-هل حقاً يحب الفلافل مثلنا تماماً؟
في المحصلة الذي دار بين الحكومة وممثلي العمال، حديث يتداوله الناس البسطاء في العمل والسهرات وأمام البقاليات، الغلاء، الدولة التي تنسحب من حياتنا رويداً رويداً، المصير المجهول للمحاصيل الإستراتيجية الوطنية، رفع الدعم، القسائم، المستقبل، المياه، التلوث، بات الناس في ذعر مما نحن فيه.
أما الذين يدافعون عن هفواتهم بالقول إن الإدارة السياسية تقرر، نقول الإدارة السياسية لن تقرر عكس رغبة الشعب، وإرادته، وهي من يتحدث عن لقمة الشعب المدعومة، الأهم أن تبتعد اليد التي تريد الربح عن أفواه البسطاء، لأنهم هم الشعب الطيب الذي يحب الفلافل والوطن..