المنحة ربما أغاظت المنحة الرئاسية للعاملين في الدولة، الفريق الاقتصادي في الحكومة، واعتبرها تبذيراً لأموال الخطة الخمسية العاشرة.
منحة على أبواب العيد، وبعض من دعم لمن لديه دخل لا يكفيه الأيام العشرة الأولى من الشهر، وخاصة بعد موجة الغلاء الأخيرة، التي تسابقت فيها الأسعار، صعوداً، بتحد عنيد، ربما لتدخل مجموعة غينيس للأرقام القياسية. ولطالما كانت هذه المنح، بالتأكيد، مصدرها الدخل الوطني وإيرادات الدولة، التي يساهم فيها كافة المواطنين، فقراء وميسورين، وحتى الفقراء المعدمين الذين يدفعون الضرائب المضاعفة، بدءاً بضريبة الدخل، المساوية نسبيا، لضريبة دخل أصحاب قاطرات النمو من التجار والمسؤولين، وانتهاء بضريبة وجودهم على وجه الأرض، هؤلاء الناس من الفلاحين الذين أتى الشتاء على مزروعاتهم وخرب محاصيلهم، ليتبعه الصيف بحره الشديد وغباره الناتج عن تصحر أراضيهم لعدم سقايتها، جراء الاستهتار، والذي نرجو ألا يكون متعمداً.
والفاجعة، بل المصيبة، هو الشرك الذي أوقعتهم به الحكومة، أولاً عندما رفضت استلام محاصيلهم الزراعية، وثانيا عندما سعرت القمح بسعر يساوي سعر التبن، بعد أن كانت قد أبرمت عددا من عقود التصدير الخارجي لمادة القمح، ( الأردن- تركيا - ...) ونتيجة لهذه الممارسات، وبالتواطؤ مع التجار الكبار، من حاملي لواء نظرية: «التجارة قاطرة نمو». تلك النظرية المخالفة لألف باء الاقتصاد، ضـُيِّق الخناق عل الفلاحين، ليقعوا في شرك المسؤولين التجار. أضف إلى ذلك، الفلاحين الذين خُدعوا ولم تعوضهم الدولة شيئا عن الأضرار التي ألمت بهم، ولو بإعفائهم من دفع ثمن الأسمدة التي هدرت على حنطتهم، فحبذا لو يمسهم مرسوم رئاسي كريم.
وهناك العاطلون عن العمل، وما أكثرهم في بلد العطايا والهبات، فكم أعطت هذه الحكومة التجريبية لهذا البلد من العاطلين أو المعطلين عن العمل؟ أيضاً هؤلاء من رعايا الوطن، أم ترى الوطن لا يعترف إلا بالعاملين بالدولة؟ وكم كانت العيدية جميلة لآلاف العجزة، الذين لم يكن بمقدورهم التصفيق وقوفا في كل مناسبة يتوجه بها الرئيس للمواطنين، هؤلاء العجزة والمصابين بأمراض وراثية، بعضها يُقعد أسراً كاملة، كنا قد كتبنا عنهم في مقال سابق، صادف أثناء احتفالات الاستفتاء الرئاسي الأخير، علّ القائمين على أمر البلاد، أن يوصلوا لهؤلاء المواطنين ما يستحقونه، من حقوقهم الدستورية، وأولها حق العمل، والمطلوب من الحكومة أن تقتدي بالرئيس، لا بوصايا البنك الدولي، وتنأى بعيدا وبالاتجاه المعاكس لنغمتها ونعيقها الناشز: (رفع الدعم). وتتقي ما عليها أن تتقي، علها لا توصل البلد أسفل الهاوية.
والحقيقة، يلزمنا بشكل أولي، كل شهر مرسوم يشابه هذا المرسوم، أو أكثر، بهجة للعيش بالحد الأدنى فوق خط الفقر الوطني.