حكمت سباهي شعيب حكمت سباهي شعيب

صفقة مشبوهة في وزارة النفط وشركة المحروقات.. والشرفاء هم الضحية

يبدو أن الفساد في أجهزة الدولة أصبح كالهواء الذي نتنفسه، وكالماء الذي نشربه، وقد بدأت حكايتي التي بالتأكيد ليست شخصية، وطالما تكررت في بلدنا، عندما قام وزير النفط السابق بترشيحي للدراسة والتدريب في المعهد الوطني للإدارة العامة بتاريخ 2/10/2004 حيث كنت أعمل بصفة رئيس شعبة قانونية في شركة محروقات. هذا اليوم كان بداية نهاية عملي في الدولة، لأني سأُصرف (لاحقاً) من الخدمة لأسباب تمس النزاهة ضمن إجراءات حكومتنا الرشيدة لمكافحة الفساد!

فقد بدأت تنهال عليّ العقوبات المسلكية (تنبيه ـ إنذار ـ حسم من الأجر) لأسباب مختلفة فبركتها ضدي إدارة شركة محروقات بواسطة مديرية الرقابة الداخلية، وعندما تعرضت للضرب في الشركة بسبب إعدادي تعميم لمكافحة الفساد، قامت هذه الرقابة الداخلية بمحاولة المصالحة بدلاً من فتح تحقيق بجرم مشهود، وعندما تحول الموضوع للنيابة العامة والشرطة، تذكرت بعد أربعة أشهر أن تفتح هذا التحقيق، ولكن بشكل يخالف الحقيقة؟!

استمرت مضايقتي  وإرهابي أثناء دراستي في معهد الإدارة بشكل مستمر وبأشكال مختلفة (منعي من زيارة شركة محروقات ـ طلب خطي من وزير النفط إلى وزير التعليم العالي بفصلي من المعهد ـ عدم الموافقة على تمديد إجازتي الدراسية الممنوحة استناداً للقانون، ومحاولة تشويه سمعتي الشخصية بموجب كتب سرية ترفع بحقي تتضمن ذما وقدحا موقعة من وزير النفط ومدير عام محروقات).

وعندما لم تفلح هذه الإجراءات قام مدير عام محروقات بتهديدي بصرفي من الخدمة إذا لم أتنازل عن الدعاوى القضائية التي قمت برفعها عليه وعلى بعض العاملين بشركة محروقات.

وقد وقفت إدارة المعهد بجانبي وسعت لتخليصي من سلطة الضلال المفضوحة على كل الأصعدة. فتم نقلي إلى ملاك المعهد الوطني للإدارة لأتابع دراستي للحصول على شهادة عليا في الإدارة العامة، ولكن ذلك لم يشفِ حقد القائمين على إدارة شركة محروقات (رغم خضوعي للضغط والإكراه وتنازلي عن جميع الدعاوى المرفوعة من قبلي أمام المحاكم)، فقامت بمتابعة الإجراءات للوصول إلى قرار بصرفي من الخدمة، وكان لها ما أرادت فأصدر السيد رئيس الحكومة قرار 5560 تاريخ 30/12/2007 بعد أن تخرجت من المعهد بنحو أسبوع واحد فقط.

هذا ما حدث معي.. أصبحت فاسداً لأنني وقفت بوجه الفاسدين ومصالحهم في وزارة النفط، وأصبحت فاسداً لأنني مارست حقي الدستوري في اللجوء إلى القضاء لأزيل الظلم عني، أصبحت فاسداً لأنني انتسبت لمعهد الإدارة لتحسين أدائي الوظيفي.

الوجه الآخر لمكافحة الفساد!

أصدر مدير عام محروقات عبد الله خطاب قراراً بتاريخ 21/4/2004م يتضمن فرض عقوبة التسريح التأديبي بحق شقيقه زياد الخطاب إضافة لعدد من العاملين بالشركة، وذلك تنفيذاً لحكم من المحكمة المسلكية بدمشق وحكم من محكمة الأمن الاقتصادي بسبب ارتكابهم لجرم سرقة الأموال العامة عام 1999م.

وبتاريخ 30/7/2007 (بعد نقلي من شركة محروقات إلى معهد الإدارة)، أصدر مدير عام محروقات قراره العظيم رقم /2106/ المتضمن إعادة شقيقه للعمل في شركة محروقات وبموافقة مسبقة من وزير النفط سفيان العلاو، والحجة في إصدار القرار حصول المذكور (شقيق المدير العام) على قرار من محكمة الجنايات بإعادة الاعتبار، ولكن قانوناً ماذا يعني إعادة الاعتبار؟ إنه إجراء قانوني تتخذه المحكمة التي أصدرت حكماً على شخص ما بجرم معين، يتضمن شطب هذا الحكم من سجله العدلي بعد مرور مدة معينة يحددها القانون، والهدف من هذا الإجراء إعادة الحقوق المدنية والسياسية لهذا الشخص بحيث يصبح أهلاً لتولي الوظائف العامة بعد أن أصلح نفسه.

ولكن هذا الإجراء لا يعني إعادة هذا الشخص إلى عمله السابق بحكم القانون، فلماذا أقدم مدير عام محروقات على هذا التصرف...!!؟

لقد حدثت صفقة مشبوهة بين وزير النفط ومدير عام محروقات، خلاصتها قيام وزير النفط بتوقيع مشروع كتاب صرفي من الخدمة ظلماً وعدواناً مقابل إعادة شقيق المدير العام زياد الخطاب إلى عمله رغم أنه فاسد ومحكوم من محكمة الأمن الاقتصادي بجرم سرقة الأموال العامة. والمصيبة الكبرى أن هذه الصفقة قد تمت بمباركة وتغطية قانونية من الجهاز المركزي للرقابة المالية بتأشيره على قرار الإعادة للعمل، متجاهلاً عدم وجود موافقة من السيد رئيس الوزراء على الإعادة كما يفرض القانون، ومتجاهلاً بلاغ رئاسة مجلس الوزراء رقم 86/ب ـ 1748/15 تاريخ 9/5/1974 والذي ورد فيه حرفياً:

«نطلب إلى جميع الوزارات والإدارات العامة والشركات المؤممة وجميع المصالح الرسمية عدم رفع طلبات بإعادة العاملين السابقين الذين جرى تسريحهم لاتهامهم بجرائم السرقة أو الرشوة».

إن هذه الحادثة المشينة تضع الحكومة والسلطة التشريعية والقضائية أمام سؤال هام!! هل نحن فعلاً نكافح الفساد عن طريق أسلوب الصرف من الخدمة...!!؟

السلطة القضائية.. لاحول ولا قوة

قام بعض العاملين المصروفين من الخدمة في مالية حلب باللجوء للقضاء الذي يفترض أن ينصف المظلوم ويرد له حقوقه، فماذا كان حكم محكمة البداية العمالية؟ لقد أصدر القاضي علي العيسى عدة أحكام لعدد من العاملين ومن بينها القرار رقم 254 أساس 305 لعام 2006 والذي خلص فيه القاضي إلى قبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً (لأن الصرف من الخدمة هو من الملاءمات التقديرية التي تمارسها الإدارة بلا معقب عليها من القضاء مادام تصرفها يتخذ بعد اقتراح اللجنة المذكورة لأن القانون لم ينص على ضرورة الإفصاح عن سبب الصرف في القرار القاضي بذلك).ـ والواقع أن القاضي قد تناسى عن عمد أو عن سهو أن من واجبات القاضي الإداري البحث عن أسباب القرار الإداري، وهل هي مشروعة أو لا، مع العلم بأن هذه المحكمة أصدرت عدة قرارات مشابهة لهذا القرار.

من ينصف المظلومين؟

بعد مراجعة عدد من العاملين المصروفين من الخدمة بمالية حلب للسيد  الوزير وعلمه ببراءتهم مما نسبه إليهم مدير مالية حلب أحمد زهير شامية، ووجود عداوات شخصية بين المذكور وبين بعض المصروفين من الخدمة، اكتفى بإنهاء ندب السيد شامية وتكليف غيره بالمهمة.

هذا الموضوع أطرحه للمناقشة المفتوحة على مستوى سلطات الدولة الثلاث إضافة للسلطة الرابعة (الصحافة) والباحثين ولكل مهتم بهذا الموضوع، مع الإشارة بأنني أعتقد بأن المظلوم في هذا البلد لا يجب أن يلجأ إلى الأمم المتحدة ولا إلى مجلس الأمن أو لجان حقوق الإنسان، بل عليه أن يجد من ينصفه في سورية وليس خارجها، وهذا بمقتضى العقد الاجتماعي الذي تنازل فيه الفرد عن جزء من حريته وحقوقه مقابل حمايته من الدولة، وإلا فماذا سيبقى من هذا العقد إذا لم يجد المظلوم من ينصفه في بلده. وفي الختام أرجو أن نجد التطبيق الفعلي لكلام السيد رئيس الوزراء في جريدة الثورة بعددها رقم /12910/ تاريخ 17/1/2006، (بأن الصرف من الخدمة لا يتم إلا بعد التأكد من تورط الموظف في عمليات لا يقرها القانون، وأن يكون إلى جانب اسم كل موظف مقترح للصرف من الخدمة الأسباب والمبررات التي أدت لصرفه، وأن هناك آلية تضمن عدم صرف البريء أو حتى أولئك الذين لم نتأكد تماماً من مخالفتهم للقوانين).

إن حماية العامل من التسريح دون مبرر أصبحت ضرورة اجتماعية تنعكس آثارها على أفراد المجتمع من العمال الذين هم أحوج منهم في أي وقت مضى (في ظل اقتصاد السوق اللااجتماعي) إلى الاطمئنان والثقة في أعماق قلوبهم بعناية الدولة بمصيرهم ومسؤولياتها عن مستقبلهم ومستقبل أولادهم.

ملاحظة: المادة كاملة منشورة على موقع قاسيون الإلكتروني وتتضمن شروحات قانونية وافية وتفاصيل إضافية..

*باحث قانوني

خريج المعهد الوطني للإدارة العامة

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 18:09