تمعَّنوا بهذه الطُّرفة الدَّردرية!
إننا نسمع ونقرأ بين حين وآخر أن رئيس الفريق الاقتصادي في سورية (عبد الله الدردري) وبعض من فريقه يقومون بجولات تفقدية لمؤسسات القطاع العام على مساحة الوطن ويدلون بما في دلوهم من التوجيهات والنصائح للعاملين في هذه المؤسسات، ومن خلال المتابعة المستمرة والإحاطة الشاملة لمجريات هذه الجولات أصبح واضحاً لكل مراقب ومتتبع بأن ليس القصد تقديم النصائح والتوجيهات من أجل تحسين الأداء ورفع مستوى الإنتاجية ووضع حد للهدر والسرقات والتلاعب بالمال العام واستنزافه لصالح الفاسدين والمفسدين والمرتشين والمقصرين؛ وليس القصد اتخاذ الإجراءات الإصلاحية اللازمة لهذه المؤسسات التي تطال كثير من المسؤولين الذين يعملون على تشغيلها وإلحاق الضرر بها وجعلها مؤسسات خاسرة وهي التي كانت تحقق أرباحا كبيرة مشكلة المصدر الرئيسي للدخل الوطني والتراكم المالي الذي اعتبر الممول الأساسي لبناء القاعدة التحتية المتينة لوطننا؛ بل كان القصد من هذه الزيارات الكثيفة وما يزال التهيئة النفسية وخلق الذرائع والمبررات من أجل بيع هذه المؤسسات للقطاع الخاص والسماح باستثمارها لجهات محلية وأجنبية.
ويؤكد هذا الفريق بإلحاح أنها أصبحت تشكل عبئا على الدولة وتستنزف مبالغ من خزينتها، مدعيا أن القطاع العام لم يعد صالحا لملاقاة مايجري على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية من تحديث وتطوير في المجالات كافة، لذا وجب استبداله بالقطاع الخاص وتوسيع دائرة الاستثمارات المحلية والأجنبية وخاصة بالنسبة للمؤسسات الرابحة التي لها تماس مباشر بالسيادة الوطنية، وخاصة مرافئنا التي هي النافذة التي تطل على العالم.
وإن هذا النشاط المكثف الذي يقوم به الفريق الاقتصادي يهدف إلى تدمير الهيكلية الاقتصادية السورية التي تعتمد التعددية الاقتصادية والذي يلعب القطاع العام الدور المحوري في العملية الاقتصادية، والذي كان وما يزال يلعب دوراً حاسماً لتوفير مقومات النمو المتوازن ومقومات الصمود والتصدي لكل المخاطر التي تحيق بالوطن وتريد به شرا. والدليل القاطع على هذا النهج التدميري الواضح ما أدلى به رئيس الفريق أثناء زيارته لإحدى مؤسسات القطاع العام الهامة والتي أضفى عليه طابع النكتة أو الطرفة كما سماها، ومفادها كما قال:
(كان رئيس لإحدى الدول يلقي خطبة عصماء أمام قادة وضباط جيشه تخللتها الجمل الثورية والعبارات العنترية التي تحض على التصدي للعدو المتربص ببلاده، وتلقينه درساً لن ينساه، مؤكدا أن الجيش هو الدرع الواقي وحامي حمى الوطن، وفيما كان يحث ضباطه وقادة جيشه على الاستبسال والتصدي الحازم، أخذ أحد الضباط يسر في أذن زميله قائلا: هل أصاب الرئيس مس من الجنون أم أن لديه قادة وضباطاً غير الذين يوجه لهم هذه الخطبة العصماء، فكيف له أن يلقن العدو درسا ويحقق النصر عليه بجيش نحن قادته، نحن الذين نقول عكس ما نفعل، ونضمر عكس ما نقول، فدعه يقل ما يشاء ونحن نفعل ما نشاء).
أليست هذه النكتة أو الطرفة الدردرية لها دلالتها وخطورتها في آن معاً؟ أليست تعني أنه لا يوجد سوى هذا الفريق الاقتصادي لإيجاد الحلول لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تتفاقم يوم بعد يوم، فهم الذين عليهم محاربة الفساد ومحاسبة الذين يسرقون المال العام ويقفون في وجه الارتفاع الجنوني للأسعار، ويتصدون لمن يريدون رفع الدعم عن كافة المواد التي تدعمها الدولة وخاصة المشتقات النفطية؟ وهنا يجب وضع هذا القول بين قوسين، فإذا كان هذا الفريق لا يدري ماذا يفعل فهذه مصيبة، وإذا كان يدري ما يفعل فهذه مصيبة أكبر.. فتمعنوا في هذه النكتة الدردرية يا رعاكم الله. لذا ألم يحن الوقت للعمل بكل جدية الآن الآن وليس غدا على ترحيل هذا الفريق الاقتصادي، أم أن علينا أن نفقد الأمل؟؟