الراتب بعد زيادة التعويض «بهدلة مضاعفة»... ورحلة شهرية للبحث عن «صراف آلي»
لا تزال شماعة العقوبات والحرب في سورية سارية المفعول مع اقتراب الأزمة في البلاد من إتمام عامها السادس، إلا أن تلك المبررات لا زالت تقف حجر عثرة أمام المواطن السوري في حال طالب أو اشتكى من أية معاناة يعيشها مع الخدمات عموماً وتحديداً المقدمة من الحكومة..
ومع رفع قيمة التعويض المعيشي ليبلغ 7 آلاف ليرة سورية، ورغم هزالة الرقم، إلا أنه تحول ليكون مؤرقاً للموظف المستحق له، في كل شهر، حيث زادت معاناته مع الصرافات الآلية، المهترئة والقديمة، ليمتد زمن وقوفه في انتظار الدور أمامها إلى ساعات، قد لا تكون نهايتها مرضية للجميع، فقد يضطر للوقوف على الدور مرتين متتاليتين بسبب تحديد قيمة المبلغ القابل للسحب عبر تلك الأجهزة بـ25 ألف ليرة فقط.
صرافات خارج الخدمة.. وأخرى فارغة
اشتكى بعض المواطنين، أنه وبعد زيادة الرaواتب كتعويض معيشي باتت الصرافات تفرغ بسرعة أكبر عن السابق، فضلاً عن عدم إمكانية السحب منها بسهولة بسبب الازدحام لأيام عديدة خلال الشهر.
وقال لؤي 38 عاماً، موظف في إحدى الجهات العامة، إن «معظم الصرافات الآلية خارج الخدمة .. ونضطر أن نجول على عدة صرافات في أماكن متباعدة لنجد صرافاً يعمل .. ويكون الصراف شديد الازدحام ما يجعلنا مضطرين للوقوف ساعات في الطابور لنحصل على الراتب».
بينما اشتكى عدد من المواطنين من توقف الصرافات الآلية بعد انتهاء الدوام الرسمي اليومي وكذلك خلال أيام العطل، ما يضطر الراغب بسحب مبلغ من الصراف إلى الطواف على الصرافات جميعها التي يعرفها في المدينة، وإنفاق مبالغ كبيرة أجور تكسي إذا كان مستعجلاً أو إمضاء يومه بالتنقل من مكان لآخر بحثاً عن صراف يعمل.
المصرف التجاري: نعم إنها مشكلة.. والحق على الكهرباء
ومن جهته، كما العادة، كانت المبررات جاهزة لتقديمها لتعليل التقصير وضعف الخدمة، حيث أكد أمين سر المصرف التجاري السوري أيمن نجم، في تصريح إذاعي، إن الأزمة التي أدت إلى ظروف استثنائية وتحديداً انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، تحمل مسؤولية ما آل اليه الوضع، مؤكداً عدم إمكانية تشغيل المولدات في فروع المصرف وبالتالي تشغيل الصرافات الآلية عليها، خارج أوقات الدوام الرسمي، ما يعني توقف الصرافات بعد ذلك الوقت.
وأوضح نجم أن عدد الصرافات الفاعلة يصل إلى 260 صراف في مناطق القطر المختلف، لكن لا تعمل جميعها في الوقت نفسه، في حين يوجد في دمشق 110 صرافات فقط.
وعن آلية العمل بهذه الأجهزة، قال نجم، «سعة الصراف الواحد تبلغ 8 مليون ليرة، في حال تم تغذيتها بالمبلغ كاملاً من فئة الألف ليرة، وهذا لا يحصل لذلك لا يتم تغذيتها بهذا الرقم بل أقل منه لضرورة وجود فئات العملة الأخرى، وعادة تجري تغذية الصرافات يومياً كل صباح فقط، باستثناء الصرافات على جدار المصرف التي يتم تغذيتها من مرتين لثلاث مرات يومياً حسب الحاجة».
وتطرق نجم إلى حقيقة وجود مشكلة في العمل، حيث يضطر المواطن الذي يرغب بسحب مبلغ كبير للانتظار مرتين بسبب تحديد المبلغ المسموح سحبه بـ25 ألف ليرة، إضافة لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي والذي يؤدي لتوقف عمل الصرافات، أي شلل تام بالعملية ككل، فضلاً عن أن ارتفاع كتلة الرواتب نتيجة زيادة التعويض المعيشي أدت حتماً لمزيد من الانتظار، مع ارتفاع المبالغ المسحوبة من الصراف وبالتالي إفراغه بشكل أسرع.
المولدات.. لا مستحيل!
وعن الحلول المتوفرة لدى المصرف لهذه المشكلة، قال نجم «لا يمكن بأي حال من الأحوال تشغيل المولدات الكهربائية خارج أوقات الدوام، حرصاً على أجهزة تشغيلية هامة في المصرف، لكن هناك تجربة تغذية الصرافات بالطاقة الكهربائية عبر الطاقة الشمسية يتم اختبارها على صرافين اثنين في منطقتين مختلفتين، ويبدو أن النجاح حليف تلك التجربة، وستعمم قريباً».
ولابد من بعض الوعود بـ«شراء صرافات آلية جديدة» من أمين سر المصرف، الذي أكد أن الصرافات الموجودة حالياً في نهاية عمرها مع بلوغها السنة العاشرة من العمل، وبالتالي فتعطلها قد يعني عدم إمكانية إصلاحها بسبب العقوبات أيضاً.
تراجع في الكتلة النقدية المصروفة
المصرف التجاري قدم بعض الأرقام عن عمله واختلاف النتائج بسبب الظروف التي طرأت مع الأزمة، حيث بدأ المصرف مع 500 صراف، بظروف مواتية للخدمة دون انقطاع للكهرباء وخطوط اتصال جيدة، ناهيك عن أن الصرافات كانت حديثة حيث كان يتم صرف كتلة نقدية كبيرة عبرها، أما الآن فتراجعت الكتلة النقدية المصروفة عبر تلك الأجهزة.
وبالانتقال للمصرف العقاري، فقد أظهرت بيانات المصرف أن مجموع الصرافات الآلية، التابعة للمصرف بلغت 285 صرافاً منها 102 خارج الخدمة، و183 صرافاً آلياً فعالاً، وبالخدمة، بينما في دمشق وحدها يوجد 119 صرافاً، منها 111 فعالة، و8 معطّلة.
حالة لا إنسانية والمحاسبين أفضل حل!!
ومع تواصل الإهمال لمشكلات وأزمات المواطنين، وعدم القدرة على إيجاد حلول فعالة لتخفيف معاناتهم المتفاقمة يوماً بعد يوم، اقترح مصدر مصرفي، لم يكشف هويته، إعادة صرف الرواتب عن طريق المحاسبين، معتبراً ذلك قد يحل إشكالية الازدحام الكبير على الصرافات الذي يعدّ مظهراً غير حضاري، وحالة لا إنسانية بحق الموظفين والمتقاعدين الراغبين في صرف مستحقاتهم من الصرافات.
سلفية إجرائية
والحال كذلك قد تكون العودة للزمن الماضي والطرق التقليدية في تسليم الرواتب للموظفين، كمنطق سلفي إجرائي، هو أكثر ما يمكن فعله، من قبل الحكومة وجهاتها التابعة، مع استمرار الادعاء بالعجز عن إيجاد الحلول المناسبة لكافة المشاكل والقضايا العالقة الأخرى، مع توفر الذريعة التي أصبحت ممجوجة «الحرب والأزمة».