افتتاح المدارس عمق الجروح..... وأكمل الأزمات
مع بدء السنة الدراسية الجديدة التي انطلقت قبل أيام، اكتمل مثلث أزمات الشعب السوري: العام الدراسي الجديد، حلول شهر رمضان المبارك، واقتراب قدوم عيد الفطر، هذه الأزمة الثلاثية الأبعاد، والتي لا يربط بينها سوى حلقة رئيسية، هي الارتفاع المتواصل والجنوني للأسعار، المصاحب للمناسبات الثلاث، لتزداد الهوة الموجودة أصلاً بين الأجور والأسعار.
فيما الحكومة في الطرف الآخر، وحسب إجراءاتها الروتينية المعتادة، قامت باجراءات خجولة جداً تجاه الأسرة السورية، ومواطنها الغارق في الديون طوال عمره، هذه الأسرة التي أضحت في آخر سلم أولويات الحكومة، مع أنها المتضرر الأول والأساسي من سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، هذه السياسات التي ابتلعت الأخضر واليابس في طريقها نحو اقتصاد أكثر ليبرالية وانتهاكاً لكرامة الوطن والمواطن.
هلوسات مواطن سوري
الأمر لم يعد بحاجة إلى الكثير من الجهد والتعب للتعرف على نمط الحياة التي يعيشها المواطن السوري، فبمجرد الصعود إلى أية حافلة نقل عام، أو التجول في أحد الأسواق-التي لم تعد أسواقنا- يمكن لأي شخص لم يصب بالجنون بعد، اكتشاف الحالة اللاطبيعية التي يعيشها المواطن السوري... حركات وإشارات باليد ليس لها أي داعٍ «لعلها لحساب الديون»، الحديث مع النفس دون أية مناسبة مع حركة دائمة في الشفاه، ميلان الرأس إلى اليمين تارةً وإلى اليسار تارةً أخرى، مع التحفظ في إعطاء أية إشارة إلى الأمام أو الوراء، حتى لا يتهم بالتبرم والرفض، وتحسب هلوسته معارضةً للإجراءات التي تقوم بها الحكومة وفريقها الاقتصادي اللذان أوصلاه إلى تلك المواصيل، ولم يتركا لاقتصاد العائلة الذي يتم الحديث عنه ليل نهار شيئاً من الكرامة، فالحكومة تطلب من المواطن تحمل المزيد من الجوع والغلاء والفقر والبطالة فوق كل معاناته.
هات ايدك ياخيِّ هات
لقد أصبح المواطن السوري يكره الساعة التي ينتهي بها شهر آب، والذي يعني حلولها أوتوماتيكياً بدء المعاناة لتأمين مستلزمات الدارسة: من حقائب، ولباس مدرسي، وقرطاسية. ويعني أيضاً حساب ما يلزم شراؤه عشرات المرات في اليوم، ووضع اليد في الجيوب، والتلذذ بملمس النقود الموجودة بها، قبل «شفطها» من التجار.
قاسيون تجولت في الأسواق، والتقت ببعض المواطنين الذين حدثوها عن معاناتهم، فالرائد يامن الذي كان يهم بشراء ما يلزم لبناته من حقائب من سوق الخجا قال لنا: «ليس هناك أي داعٍ لتسألوني عن الحال، حتى لا تعذبونني أكثر، وتذكرونني بموقفي المخجل أمام أولادي الذين يهمني الحفاظ على سعادتهم وبهجتهم بقدوم العام الدراسي الجديد، وشراء ما يلزم لهم من مستلزمات، رغم الحالة المعيشية المتردية التي نمرُّ بها» وأضاف: « لم يبقَّ لنا سوى أن نردد معاً أغنية مارسيل خليفة التي تنطبق علينا بكل كلماتها: (هات أيدك ياخيِّ هات، ياما قضينا الويلات..... الله ينجينا من الآت)، ويا خوفي من الأيام القادمة، وما تخبئه لنا من مفاجآت ومآس»
بينما أكدت لنا المواطنة سمر محمد، الموظفة في إحدى الدوائر الحكومية، أن الارتفاع الكبير في الأسعار سبب لها إحراجاً مع أولادها، فهي لن تتمكن من سد حاجاتهم، بعد أن كانت قد خصصت لكل ابن من أبنائها الثلاثة مبلغ /500 ل.س/ لشراء حقيبة وصدرية مدرسية، إلا أن حساباتها والسوق لم يتطابقا أبداً، فالأسعار قد قفزت للأعلى برشاقة شديدة، وخاصةً أسعار المنتجات الجيدة التي تقاوم الاهتراء حتى نهاية العام الدراسي، ونوهت سمر إلى وجود منتجات باهظة الثمن لا يمكن لمحدودي الدخل والفقراء شراءها بأي شكل من الأشكال، فالحقيبة ذات النوعية الجيدة يبلغ سعرها /1700 ل.س/، وشراء حقيبتين منها يعني ابتلاع نصف الراتب الشهري الذي أصبح في خبر كان مع تزامن قدوم كل تلك المناسبات في وقت واحد.
أما أبو سعيد العامل في إحدى المؤسسات الحكومية، والذي كان يتنقل بين الحوانيت لكي يحصل على ضالته، فقد ذكر لنا أنه ولأول مرة منذ يوم رفع الدعم، وزيادة أسعار المازوت، يشعر بأن عليه أداء الواجب وشكر الحكومة والفريق الاقتصادي بكثير من الامتنان، لأنه لولا قسيمة المازوت الذي صبر كثيراً قبل أن يبيعها، لما تمكن من شراء شيء من لوازم أبنائه المدرسية. وقال إنه قد رفض لعدة مرات بيع القسيمة، لكنه لم يستطع التحمل فباعها في النهاية بمبلغ /12000 ل.س/ وأضاف: «أشكر الأستاذ عبد الله الدردري على هذه القسيمة اليانصيبية التي أنقذتني من ورطة كنت سأقع بها أمام زوجتي وأولادي»
وأجمع التجار وأصحاب محلات بيع المستلزمات المدرسية بأن حركة البيع تراجعت كثيراً عن الأعوام السابقة بسبب الحالة الاقتصادية السيئة وارتفاع الأسعار، وأكدوا أن المفاصلة والمساومة قد أصبحتا ميزة الأغنياء والفقراء معاً، في محاولة منهم لتخفيض الأسعار قليلاً، لكن دون جدوى، حيث أن كل مهارة المواطن السوري في المساومة لم تعد تنفعه، فلا معنى لثقة المسؤولين بهذه الميزة في المواطن، وهي الثقة التي عبر عنها احد المسؤولين بالقول: «الشعب السوري شعب (حربوق) فهو قادر على تخفيض الأسعار بالمساومة مهما ارتفعت، وبالتالي فلا خوف عليه من الغلاء»!!!
أما بقية المواطنين فيمتنعون عن الشراء، أو يذهبون إلى أسواق الجمعة المتواجدة على أطراف المدينة، أو وسط الأحياء الفقيرة، والتي تبيع مستلزمات المدارس بهامش ربح قليل، وبنوعية سيئة، وما يهم المواطنين اللاجئين لتلك الأسواق فقط هو شراء ما هو جديد لأبنائهم، ليسعدوا به ولو للحظات معدودات، قبل أن يهترئ بعد فترة قصيرة بسبب رداءة نوعيته!!
هذه هي الحالة التي وصل إليها المواطن السوري بعد موجة ارتفاع الأسعار، والتي أدت إلى زيادة أسعار المستلزمات المدرسية بنسبة 50 % وأكثر، فكانت الضربة القاصمة لظهر أولياء الأمور جميعاً.
النظرية المالتوسية
إن الارتفاع المتزايد لأسعار معظم السلع، والذي أصبح يرهق كاهل كل مواطن سوري، يدفعنا إلى تذكر مالتوس ونظرياته الديموغرافية، حيث أن هذه النظريات تطبق فيما يبدو على مواطننا المغلوب على أمره.
لقد عرف المالتوسيون الجدد كيف يطبقون سياساتهم النيوليبرالية في بلدان الجنوب الفقير، والتي تقضي بتجويع مواطني تلك البلدان وإفقارهم حتى يحدوا من نسلهم، عن طريق فرض تعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين عليهم، وقد وجدت تلك السياسات أنصاراً لها في وطننا عبر المخططات والتوجهات النيوليبرالية للفريق الاقتصادي، والتي قضت على كل توجه اجتماعي، حتى أصبح المواطن السوري يجد عسراً في شراء أية مادة سلعية مهما كان سعرها ضئيلاً، وهذا ما يدفعنا إلى ذكر قصة الطفلة غزل التي أيقظت والدتها من النوم قبل حلول الفجر، لتخبره بأنها لا تريد من أبيها شراء صدرية مدرسية جديدة لها، فهي ستظل تلبس صدريتها القديمة، لكي لا يضطر والدها للاستدانة من أحد، والسؤال هنا: ما إحساس أي مسؤول إذا وجد نفسه فجأة لا يملك ثمن المستلزمات المدرسية لأولاده، في زمن يقال فيه أن التعليم مجاني؟
الطلاب بالملايين...وكذلك الفقراء
ذكرت مصادر مطلعة في الوزارة بأن عدد الطلاب المقدر للسنة الدراسية 2008 ـ 2009 يبلغ نحو خمسة ملايين وثلاثمائة ألف طالب وطالبة في مختلف مراحل التعليم، بما فيها مراحل رياض الأطفال، والتعليم الأساسي والثانوي العام والمهني، والمعاهد التابعة لوزارة التربية، إضافةً لأعداد من الطلبة العراقيين الدارسيين في المدارس السورية في مختلف المحافظات، وأن الوزارة شددت على المديريات كافة باتخاذ الإجراءات اللازمة والكفيلة باستقرار العملية التربوية والتعليمية، وصيانة الأبنية المدرسية والمرافق الصحية وتأمينها، والإشراف الميداني عليها للتأكد من جاهزيتها، بينما طلبت وزارة الاقتصاد والتجارة من الجهات المعنية التدخل الإيجابي للحفاظ على استقرار الأسعار، وتوفير ما يلزم لافتتاح المدارس.
وحثت الوزارة في تعميمها الموجه لمديريات التجارة الداخلية في المحافظات على تشديد الرقابة التموينية على الأسواق، ومتابعة واقع الأسعار، وخصوصاً أسعار المواد الغذائية والألبسة المدرسية والقرطاسية.
كما طلبت في تعميم آخر من المدراء العامين للمؤسسات والشركات التابعة للوزارة باتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة لتأمين وتوفير كل متطلبات واحتياجات المواطنين بالأسعار المنافسة والمناسبة.
ودعت الوزارة جمعية حماية المستهلك إلى تكثيف جهودها في هذه الفترة، وإصدار نشرات وبرامج نوعية لتحقيق التوازن بين العرض والطلب. ودعت المؤسسات الاستهلاكية مؤسسة سندس للألبسة إلى تأمين تشكيلة واسعة من الألبسة، وخاصةً ألبسة المدارس والأطفال وطرحها بأسعار مقبولة وتشجيعية تتلاءم مع القدرات الشرائية لذوي الدخل المحدود، لإحداث توازن الأسعار في السوق، وتأمين هذه السلع بما يرضي رغبات وأذواق المستهلكين، وبسعر وجودة مناسبتين لكل شرائح المجتمع.
والسؤال المهم هنا: ماذا يفيد كل هذا في ظل الارتفاع الحاد للأسعار الذي لا يتناسب مع مستوى الدخل في سورية والذي لا يتجاوز متوسطه ثمانية آلاف ليرة للأسرة الواحدة؟ وماذا تفيد الزيادة البالغة 25 % من الرواتب حين تزيد أسعار بعض المواد والسلع أضعافاً مضاعفة عن نسبة الـ25 %؟ وخاصةً عندما يستغل البعض التزايد على الطلب لرفع الأسعار كما حصل في المناسبات الآنفة الذكر؟ وماذا تفيد كل القوانين الاقتصادية في هذا الاقتصاد المشوه بجدارة والذي خلق الملايين من الفقراء؟
خطر الأمية ومستقبل الأجيال
بينما تحتفل معظم دول العالم بالقضاء على الأمية كاملةً في بلدانها، وذلك بتأمين كل ما يلزم للعملية التربوية والتعليمية، نجد في سورية من يلعب على أكثر من حبل، ويتخذ سياسات ويطرح خطوات كفيلة بتسريب عشرات آلاف الطلاب من مدارسهم في المدن الكبيرة، جراء تكلفة التعليم المتزايدة والمتعاظمة، فكيف ستكون الحال في المناطق والمحافظات النائية التي لا تملك ثمن رغيف خبزها، إن الخطوات المتخذة بشأن الأسعار والمستلزمات المدرسية بطيئة جداً ولا فائدة منها نظراً لسرعة تقدم مشروع الحكومة النيوليبرالي، الذي ستكون نتائجه وخيمة في المستقبل القريب على كل طبقات المجتمع السوري، وخاصةً الشرائح الوسطى والفقيرة التي قد يكون ثمن نقمتها غالياً جداً على مستقبل البلاد ووحدتها الوطنية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.