يحدث في سورية فقط... معالجة المخالفات بمخالفات أكبر
في بداية الثمانينيات من القرن الماضي صدر قرار الاستملاك للعقارات الواقعة ضمن المخطط المساحي للطريق الدولي الذي عرف جزء منه فيما بعد باسم المتحلق الجنوبي في مدينة دمشق. ونسلط الضوء هنا على المقطع الواقع في منطقة الكباس والكشكول وصولاً إلى الشركة العربية لصناعة الزيوت والصابون المعروفة باسم (معمل الزيت)، لكون هذه المنطقة مكتظة بالسكان، وهي منطقة سكن عشوائي مخالف.
من هذه النقطة تبدأ المشكلة الأساسية، فالمواطنون الذين تم تهجيرهم من مدنهم أو قراهم، طوعاً أو قسراً، بحثاً عن لقمة العيش الصعبة، أو عن عمل يعيل الأسرة، بعد أن تجاهلتهم الدولة طويلاً، فتوجهوا نحو المدن الكبرى، وسكنوا ضواحيها وأطرافها، في تجمعات سكنية شيدت عشوائياً، ودون تراخيص نظامية، ولكنها حوت كل أحلام وآمال المواطن الفقير، بسقف يستر عائلته ويحميها من حر الصيف وبرد الشتاء، وقد باع الكثير منهم أساور زوجاتهم ومصاغ عرسهن، ووضعوا فوقها (تحويشة العمر) من أجل السكن، الذي هو من أهم الحاجات الأساسية للمواطن، أكثر من اللباس والعمل والتعليم والطبابة، وله الأولوية حتى على الأكل والشرب.
منطقة الكباس والكشكول من هذه التجمعات، وقد صدر قرار من المحافظة باستملاك العقارات التي كان بعضها خالياًً، وبعضها أقيمت عليه دور السكن العشوائي المخالف، وحتى العقارات التي كانت خالية تم إشادة الأبنية عليها بعد صدور قرار الاستملاك. لذلك جاء في التعليمات التنفيذية لقرار الاستملاك أن الأبينة المشادة قبل صدورالقرار قابلة للتعويض أو تأمين مسكن بديل من المحافظة، أما الأبنية المشادة بعد صدور قرار الاستملاك فإنها تفقد هذه الامتيازات وعلى أصحابها حل مشكلتهم بأنفسهم..
حل المشكلة بأزمة
في العام 2000 ـ 2001، وبعد عشرين عاماًَ من صدور قرار الاستملاك تم توزيع الإنذارات على أصحاب العقارات لإخلاء البيوت تمهيداً لهدمها وإزالتها، لاستكمال شق الطريق، ولكن ليس بتلك السهولة يمكن التنازل عن السكن الذي حوى كل تعب وذكريات العمر، وتم اعتراض الساكنين على الإخلاء والهدم، كلٌ حسب طريقته، فلجأ الكثير منهم للعنف والشغب حين بدأت عملية هدم المنازل، وشهدت ثلاثة أيام من المظاهرات والمواجهات مع الدولة، وتم استخدام رشق الحجارة بشراسة لتكسير واجهات المحلات في المناطق المجاورة، كمنطقة الدويلعة التي عانت من الخوف والرعب والخسائر المادية، وكذلك لاقت السيارت العابرة المعاملة نفسها، فسارعت الدولة لتنفيذ قرار الهدم تحت حماية قوات حفظ النظام، التي لجأت إلى الاعتقالات المؤقتة، وتفريق المشاغبين بإطلاق القنابل المسيلة للدموع.
لجوء غير قانوني إلى القانون
أحد عشر منزلاً مازالت حتى الآن تقف في وجه استكمال مشروع الطريق، مع أن أعمال الرصف والدحل والردم بيقايا المقالع تجري حولها من أربع جهات، فلماذا تقف هي حجر عثرة، منظراً مقززاً للنفس ويدعو للتساؤل... والاشمئزاز.
عند سؤالنا المهندس المشرف على المشروع، قال: «إن هذه البيوت لا تزال واقفة في وجهنا بقدرة قادر وبحماية القانون، ولا ندري كيف حصلوا على قرار بوقف تنفيذ الهدم، مع أن هذه البيوت بالتحديد تم بناؤها بعد قرار الاستملاك، ونحن لا يمكننا تنفيذ الهدم إلا بحكم محكمة وأمر خطي، وموافقة ودعم جميع الجهات المختصة»....
ثم توجهنا بالسؤال لأحد ساكني هذه البيوت، الذي أكد لنا ما يلي: «نعم، لقد اعترضنا على قرار تنفيذ الهدم واستصدرنا من المحكمة المختصة القرار رقم 9102/4 بتاريخ 20/6/2007، المتضمن وقف تنفيذ قرارات الهدم والإزالة المشكو منها، إلى حين تخصيص الجهة المدعية بمسكن بديل. فاعترض السيد المحافظ على القرار، ويقول أنه لا يحق لنا التخصيص بمساكن على حساب المحافظة، لأن إشادة البيوت تمت بعد صدور قانون الاستملاك، فاستصدرنا القرار اللاحق رفم 1445/ء/1 بتاريخ 9/6/2008، الذي يؤكد القرار السابق ويُكسِبه الدرجة القطعية. والحل الآن بيد المحافظة التي عادت واعترضت على القرار الثاني.
مازالت هذه البيوت عائقاً يعلو في وسط الطريق، ويدعو إلى التساؤلات الكثيرة:
ـ كيف تم الحصول على القرار الأول، الذي يوقف تنفيذ الهدم؟ وهل ارتكز على حجة وأساس قانوني؟ أم...؟!
ـ وكذلك كيف تم الحصول على القرار الثاني الذي يدعمه ويكسبه الدرحة القطعية.
ـ ولو نظرنا من الناحية الإنسانية واحترام المواطن، أليس من الضروري تأمين السكن للمواطنين قبل تنفيذ الهدم؟ إن كانت الحكومة تعتبرهم مواطنين!!
ـ هل ستشرد مواطنيها في الشوارع دون مأوى؟!! أم ستضطرهم لتأمين ذلك بالطرق التي يرونها تخدم هذا الهدف، حتى لو أدى ذلك إلى افتعال المشاكل والجريمة والفساد؟!!
ـ أين سيذهبون وقد حاصرهم الهم والغلاء وارتفاع أسعار مواد البناء بشكل خيالي؟!!
هذه أسئلة لا تهم الأثرياء الجدد، الذين كدسوا ثرواتهم من نهب خيرات الوطن، ثم تربعوا على عرش القرارات، ونسوا أن هناك من ينتظر أن يوجدوا الحل الدائم لمشاكل مناطق المخالفات، الحل العادل وتأمين السكن الذي يؤمن للمواطن، كرامته وللوطن تطوره وازدهاره!!