للأسعار طريق واحد هو الارتفاع

ررت الحكومة السورية في أيار الماضي رفع أسعار المازوت، المزود الرئيسي للطاقة إلى 25 ل.س بنسبة زيادة 375 %، وسعر ليتر البنزين وصل إلى 45 ل.س بزيادة 80 %، ورفع سعر طن الفيول بنسبة 50 % متذرعة بارتفاع  أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي أثقل كاهل الخزينة على حدِ قولهم، وجعل من دعم النفط المقدر بـ60 % من الموازنة العامة حسب دراساتهم وإحصاءاتهم الاقتصادية، عثرة بوجه تطور الاقتصاد السوري، وعائقاً أمام إزدهاره ونموه.

الدعم كما هو معروف فلسفة اعتمدتها الأنظمة الليبرالية والاشتراكية على حدٍ سواء، رغم اختلاف حجمها وشموليتها عند الدول الإشتراكية، فأمريكا واليابان وفرنسا على سبيل المثال لا الحصر، اعتمدت نظام الدعم على القطاع الزراعي والحيواني، بينما ركزت الكثير من الدول النامية على دعم المشتقات النفطية والمواد الغذائية الأساسية، كمساعد لإعادة توزيع الدخل القومي وإحلال شيء من العدالة الإجتماعية.

قامت الدول المستوردة للنفط ومشتقاته برفع أسعاره محلياً، بعدما حلق برميل النفط عالياً على المستوى العالمي، والذي وصل إلى 150 دولار للبرميل الواحد. ولكنها قامت بخفض أسعاره محلياً في أسواقها مع كل تراجع لأسعاره العالمية، فالأردن الذي حرر سوق محروقاته في شباط الماضي، ورفع كل أشكال الدعم الحكومي عنه، وبدأ بتسعيره شهرياً تبعاً لأسعار النفط عالمياً، مضيفاً إليه تكلفة الشحن والتكرير والتوزيع. قام بتخفيض أسعار المشتقات النفطية بنسبة 5 بالمائة للمرة الأولى في شهر أب من العام الحالي، ليتبعه إنخفاض أخر بنسبة 6بالمائة في شهر أيلول، ثم إنخفاض ثالث في تشرين الثاني بنسبة تتراوح بين 10.6 % للبنزين و 15.4 % زيت الوقود للصناعة، أي بقيمة إنخفاض إجمالية تقدر بـ 25 بالمائة عن الأسعار الماضية. ولبنان أيضاً كان يحدث أسعار محروقاته مع كلِ انخفاض،  وللمرة الأولى منذ آذار الماضي خفِضَ سعر صفيحة المازوت أكثر من  9400 ليرة لبنانية خلال شهري أب وأيلول بنسبة 25 % عن سعره السابق، وخفض سعر صفيحة البنزين في أيلول لأكثر من 20 %. ليتبعه في الأسبوع الأول من تشرين الاول إنخفاض أخر على المحروقات المختلفة فالبينزين نزل 1400 ل.ل قياساً بالشهر الماضي أي مانسبته 6 %، والمازوت 1100 ل.ل بنسبة 4 %، والغاز 1500 ل.ل على القارورة الواحدة أي ما نسبته 5 %. وذلك عندما كان سعر برميل النفط يقدر بـ 82 دولار، لا كما هو الآن على عتبة 70 دولاراً. حتى أضحت أسعار النفط بهاتين الدولتين متقاربة مع أسعارنا المحلية الحالية، والتي تنفي مقولة رئيس الوزراء بان الدعم لا زال 50 % على المازوت والمشتقات الأخرى.

والسؤال البديهي هنا: لماذا تخفض الدول المستوردة للنفط أسعاره في أسواقها بقرار من حكوماتها؟؟ بينما نبقى نحن في سورية المثبتين الوحيدين للأسعار على حالها؟ بالرغم من أننا دولة مصدرة لأكثر من 150 ألف برميل يومياً وسيستمر تصديرنا بالوتيرة ذاتها إن لم نقل أكثر، بعد الاكتشافات النفطية الكبيرة التي جعلت وزير النفط مبتسماً!!

وقد أكدَّ وزير النفط  السوري في مقابلة له بجريدة تشرين نهاية الشهر الماضي، اكتشاف كميات جديدة من النفط والغاز على مساحات متعددة من أراضي الوطن، إضافة إلى خط الغاز العربي، الذي يستقبل الغاز المصري بمعدل 0.75 مليون متر مكعب باليوم، على أن تتم زيادة هذا المعدل إلى 1.5 مليون متر مكعب في نهاية العام الحالي، وهذا دليل قاطع على كذب الادعاءات الحكومية حول الضرورات التي اقتضت رفع أسعار المشتقات النفطية «نقص الاحتياطي النفطي وتوقع نفاده»، تلك الإجراءات التي أغرقت المواطن السوري بمستنقع  جديد من الأعباء الاقتصادية، غير قادرٍ على الخروج منه.