« العار الاستثنائي» ظلم.. ومعاناة متفاقمة !

بات الحديث عن نتائج الإحصاء الاستثنائي الرجعي بمحافظة الحسكة لعام 1962 الذي جرد بموجبه أكثر من ثمانين ألف مواطن كردي (في حينه) من جنسيتهم السورية، أمراً مخجلاًَ، نظراً لقدم المشكلة وحجم المطالبة بإلغاء نتائجها المدمرة على هذه الشريحة الواسعة من المواطنين، وكذلك حجم الوعود بحلها، بدءاً من الجهات المسؤولة بالمحافظة، وانتهاء بوعود القيادة السياسية.

لقد طرحت المشكلة على مستويات عديدة، في اللقاءات الجماهيرية، والمؤتمرات الشعبية، ومجلس الشعب، وفي العديد من مؤتمرات حزب البعث، وعبر عرائض جماهيرية، واعتصامات وغيرها، وهي موجودة في برامج معظم الأحزاب السورية، وتناولها الأدب شعراً وقصة ورواية.. حتى باتت مطلباً سورياً عاماً، ولم يعد مفهوماً من الناحية المنطقية هذا التباطؤ في المبادرة لحلها، وهي غير مفهومة وطنياً وإنسانياً وسياسياً كونها لا تتطلب تلك الجهود الجبارة التي يمكن أن تشغل عن القضايا الكبيرة والتحديات الكثيرة التي تواجه البلاد داخلياً وخارجياً، وضرورة الاستعداد للمواجهة المرتقبة عبر تعزيز الجبهة الداخلية والتي يشكل حل هذه المسألة عاملاً هاماً وضرورياً لها .

إن معاناة هذه الشريحة التي ازداد عددها أضعافاً كبيرة وتزداد همومها وشجونها يوماً بعد يوم، وتتفاقم أوضاعها وتتراكم مشكلاتها وحاجاتها، وخاصة في ظل انحدار المستوى المعيشي للشعب، وتزايد الشعور بالقلق والاستياء الجماهيري، فهؤلاء المواطنون (المُأجنبون) محرومون من أبسط الحقوق المدنية والسياسية وغيرها، فهم محرومون من التوظيف في سلك الدولة، وحرموا من حق الانتفاع من الأرض، ومنهم من انتزعت أيديهم عنها، وكذلك هم محرومون من السفر إلى الخارج، وممنوعون من الإقامة النظامية في الفنادق إلا بموافقات أمنية، ولا يُقبلون في الكثير من المعاهد والكليات، ولا تُسجَّل ممتلكاتهم بأسمائهم، ومحرومون من ممارسة حق الانتخاب والترشيح وخدمة العلم والتطوع، ولا يستطيعون الحصول على السجلات التجارية والصناعية، ولا حتى رخص البناء وقيادة السيارات.. كذلك هم محرومون من البطاقة التموينية، وكانوا محرومين إلى فترة من الاشتراك في الهاتف والكهرباء، أطفالهم يشعرون في المدارس بالاغتراب والتمييز.. شبابهم يعانون من البطالة الظالمة، ويلجؤون إلى الأعمال الهامشية..

والسؤال الذي ينبغي أن يتبادر إلى الذهن: في أية حال يعيش هؤلاء؟

إن هؤلاء المواطنين سوريون أباً عن جد، ولا يحملون أية جنسية أخرى، ومنهم من أدى خدمة العلم! والكثير منهم يمتلك الوثائق التي تثبت جنسيته السورية قبل الإحصاء المشؤوم .

إن شعوب هذه المنطقة عاشت آلاف السنين معاً، ولا طريق أمام أحد إلا العيش المشترك على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، والتعايش الأخوي. وإن سياسة الإقصاء كما أثبتت الحياة لن تجلب سوى المزيد من الاحتقان والحقد والكراهية، وبالتالي العزلة والنفور.. وإذا كانت ثمة أصوات ترتفع في الأوساط القوموية وتقول، إن مطالب هؤلاء تتعدى مشكلة إحصاء 62 نقول لهم :

أولاً: إن المطالبة بالجنسية تعني موضوعياً الاستعداد للاندماج الاجتماعي والشعور بالانتماء الوطني والاستعداد للقيام بما يملي عليهم هذا الشعور تجاه الوطن.

وثانياً: ما الضير من إجراء حوار وطني ديمقراطي حول مجمل المطالب، والبحث عن حلول وطنية - قانونية لها في إطار وحدة البلاد، بما يعزز الوحدة الوطنية في ظل اضطراب الوضع الإقليمي وحاجة البلاد لأوسع التفاف شعبي؟ وليشكل حل مشكلة الإحصاء الخطوة الأساسية في هذا الاتجاه، ومن شأنها أن تخلق ارتياحاً نسبياً وشعوراً بالاطمئنان لدى الجماهير الواسعة.

ومن هنا فإننا ندعو إلى مبادرة عاجلة لحل هذه المشكلة، وذلك بمنح الجنسية السورية لكل من تم إحصاؤه عام 1962سواء في عداد الأجانب أو مكتومي القيد، وفي ذلك إنصاف وحق وزهق للباطل.. إن الباطل كان زهوقاً..

■ القامشلي – مكتب قاسيون

آخر تعديل على الجمعة, 07 تشرين1/أكتوير 2016 13:19