كيف أصبحت شيوعياً؟
حداة قافلة الضوء الذين لوحوا براياتهم الحمر، كسرب حمام رفرفوا في سماوات الوطن، إنهم الذين تخرجوا من أكاديمية الحياة بجدارة.. بوصلتهم مصالح الناس البسطاء.. تعودوا أن يسموا الأشياء بأسمائها.. لم يمارسوا الحذلقة في الكلام، ولا تدوير الزوايا.. إنهم الرفاق الرفاق، رفاق الدرب الطويل.. رفاق أزمنة السياط، الذين ظلوا يقبضون على الجمر في الزمن الخراب.. من تلك النبضة في خافق الوطن، من الجزيرة السورية، ضيفنا لهذا العدد الرفيق القديم مراد تمو (مرادى كور) وهو من الرفاق في تنظيم النور.
الرفيق المحترم مراد نحييك ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟
- أنا من مواليد قرية شيدكا1930، انتسبت إلى الحزب في نهاية الأربعينات، رداً على الظلم الذي كان الملاكون يمارسونه بحق الفلاحين.. لقد وجدت مع الكثيرين من أبناء جيلي في الحزب الشيوعي طريق الخلاص من كل أشكال القهر والاستغلال، وكان انتسابي إلى الحزب بتأثير من الرفاق شيخموس حسو، وجميل مرعي، وقد بدأنا العمل بين الفلاحين في قرى منطقة المالكية بموجب توجيهات الحزب حيث كنا نحرضهم للنضال من أجل توزيع الأرض التي كانت مجبولة بعرقهم، وندعوهم إلى توحيد الصفوف ضد ظلم الإقطاع والملاكين، وبعد عدة سنوات أصبحت عضواً في لجنة فرعية أذكر من أعضائها الرفاق درويش خليل وحاجي سيفو من قرية كيشكه، وصلاح الدين حسن من قرية علوانكي. ثم توافد للعمل معنا في المنظمة رفاق عديدون من القامشلي أمثال رمو شيخو، أوصمان برو، ملكي عيسى، أحمد سلو، وسعيد دوكو.. وأذكر أن تنظيمنا توسع حتى شمل 37 قرية من قرى المنطقة مثل جيلكا وعلوانكي، مصطفاوية، شيرو، كركي لكه، مخيت، كرزيارت، قلعة الهادي، فطومة... وفي ذلك الوقت حدثت معارك عديدة بين الفلاحين والإقطاعيين وأزلامهم في العديد من القرى مثل كورتبان والمصطفاوية، وقد وقفنا دائماً وبكل التزام إلى جانب الفلاحين، وتعرضت إثر ذلك إلى التهديد مرات عديدة مثل تهديد ملاك المصطفاوية بعد توجيه الرفيق (فليت) لي بأن أكون شاهداً لمصلحة الفلاحين أمام السلطات، وبفضل تلك المعارك حصل الفلاحون على الأرض بأشكال مختلفة (وضع يد، انتفاع) وحصل فلاحو كورتبان على الاثنين معاً..
- حاول الملاكون تشويه سمعتنا أمام الرأي العام، وتواطأ معهم بعض رجال الدين، ناهيك عن تواطؤ السلطات في الكثير من المراحل، ولكن توجيهات الحزب وتضامن الفلاحين، جعلنا نصمد أمام جميع القوى الرجعية في تلك المرحلة.
- فرضت عليّ ظروف المعيشة القاسية الهجرة إلى مدينة القامشلي والاستقرار في حي علايا، وكان يسكنه حينها نحو 40 أسرة، ولم يكن هناك أي نوع من الخدمات مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي وغيرها، وبدأنا وبمشاركة أبناء الحي نضالنا المطلبي فنظمنا عدة عرائض بمطالب تأمين الخدمات الضرورية للحي،وما زلت أذكر منها عريضة صاغها لنا حينها الشيخ عدنان حقي طالبنا فيها بتأمين مياه شرب نظيفة، إذ إن نسوة الحي كنّ يحملن جرار الماء من مسافات بعيدة، ومن أجل ذلك نظمنا وفدا لزيارة المحافظ بمساعدة الرفيق حسين عمرو وقد تم اللقاء ووافق المحافظ على طلبنا، إلا إن المطلب لم ينفذ، وبعد مدة علمنا بأن المحافظ سيزور حي العنترية ،وبإشراف الرفيق فرج كرمو (ابو كرم) قمنا بجمع أهالي الحي مرة أخرى وذهبنا للقاء المحافظ،وكنا عشرين رجلا ومعنا أكثر من خمسين امرأة يحملن دمجانات ماء فارغة وأحطن بالمحافظ في الشارع وعرضنا عليه مطلبنا،فوافق على الفور، وأوعز لمدير المياه بتخديم الحي بمياه الشرب فوراً، وفي اليوم التالي مباشرة تم بالفعل البدء بمد شبكة المياه.ثم تابعنا بعد ذلك المطالبة بضرورة مد شبكة الكهرباء وتم لنا ذلك وتسلم أهل الحي خمسا وخمسين ساعة كهرباء دفعة واحدة وأصبح الحي منارا،وبعدها تقدمنا إلى مديرية التربية بطلب فتح مدرسة في الحي فكان جوابهم الاعتذار لعدم وجود أراضي أملاك دولة في الحي ،فاجتمعنا مع أبناء الحي وجمعنا من كل بيت مبلغ 300ل س،واشترينا أرضا ،وقام وفد من أهل الحي مع الرفيق أبو كرم بمقابلة مدير التربية وطالبوه ببناء المدرسة فوافق على الطلب وبدأ إثر ذلك العمل لتشييد المدرسة.
- أما المطلب الملح الأخر لأبناء الحي فكان إقامة جسر على سكة القطار، فالحي محاذ للسكة التي تفصله عن المدينة، وهذا كان سببا في وقوع حوادث مؤلمة ،وراح العديد من أبناء الحي ضحية القطار، ولقد نظمنا وفودا لمقابلة المسؤولين كما نظمنا عرائض وأرسلناها إلى إدارة السكك في حلب وإلى محافظ الحسكة عن طريق الحزب وظلنا نتابع المطالبة حتى بني الجسر.
- والفضل في جميع ما قمنا به يعود للحزب الذي كان يوجهنا دائماً، وهو الذي ساعدنا ودلنا على الطريق الصحيح، وكذلك نتيجة المشاركة الفعالة لأبناء الحي .
واليوم وأنا أستعيد ذكريات تلك الأيام الغنية أتوجه بالتحية لجميع الرفاق الذين عملت معهم ومنهم من رحل ومن مازال حياً، وبخاصة الرفاق أحمد سلو، ملكي عيسى، سعيد دوكو، نايف فرحان، حسين عمرو، فرج كرمو، د.محمد شيخو، وعبد الرحمن صالح..
إن الذي أدى إلى تراجع دورنا هو الانشقاقات المتتالية وجري البعض وراء المصالح والمكاسب الشخصية، وظهور قيادات غير جديرة..
وختاماً لا يسعني إلا التوجه إلى جميع الرفاق الشيوعيين ليوحدوا صفوفهم، ويكونوا ملتصقين بالجماهير، فاقتراب الحزب من الناس، والدفاع عن مصالح الفلاحين والعمال هو مبرر وجودنا.