نجوان عيسى نجوان عيسى

أين أصبحت قوانين حماية الاشتراكية؟

كانت الاشتراكية ولا تزال، المنهج الأساسي الواجب اتباعه في السياسة الاقتصادية وهذا ما ينص عليه الدستور بوضوح، كما تنص عليه عشرات التشريعات والقوانين التي بنت على أحكام هذا الدستور، كما أن قيادة الدولة والمجتمع من حزب يرفع لواء الاشتراكية أمر يفرض في حد ذاته الالتزام بالاشتراكية فكراً ومنهجاً. وبناءً على هذه الحقيقة صدرت العديد من المراسيم والقوانين التي تهدف إلى حماية الاشتراكية وكل مكتسباتها ومفاعيلها.

إلا أن التدقيق في السياسات الاقتصادية الحكومية الحالية يبين أن السمة الأبرز لها هي التجاوز الواضح لروحية نظام الحكم القائم في البلاد وللمبادئ الاقتصادية التي جاء بها الدستور، والاستهتار بالقوانين النافذة المتعلقة بحماية النظام الاشتراكي وخرقها دون أي محاسبة أو مراجعة، بما في ذلك قيام هذه الحكومة بإجراءات واتخاذها لقرارات تعتبر جرائم ذات طبيعة جنائية يعاقب عليها بأقصى العقوبات.

ومن هذه الجرائم ما يعرف بعرقلة تنفيذ التشريعات الاشتراكية، وهي جناية معاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة، ويجوز الحكم على مرتكبها بالإعدام تشديداً، وذلك بموجب المرسوم التشريعي رقم /4/ لعام 1965، وينعقد الاختصاص بالنظر فيها للمحكمة العسكرية. وبالعقوبة نفسها يعاقب المرسوم رقم /6/ لعام 1965 كل من يقوم بأفعال تعتبر مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي سواء تمت بالفعل أو بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى، كما يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة على مناهضة أية هدف من أهداف الثورة، والاشتراكية واحدة من هذه الأهداف كما هو معروف. ويعود النظر في هذه الجرائم لمحكمة أمن الدولة العليا بموجب المرسوم التشريعي /47/ لعام 1968م، مما يشير إلى أن الشارع اعتبر أن الاعتداء على النظام الاشتراكي قولاً أو فعلاً، جرماً ذا طبيعة جنائية وماساً بأمن الدولة.

ولا تزال جميع هذه المراسيم سارية المفعول في سورية، والمادة الثانية من القانون المدني السوري واضحة لا لبس فيها، فهي تنص على عدم جواز إلغاء أي نص تشريعي إلا بتشريع لاحق، وبذلك تكون كل التبريرات التي يسوقها البعض من قبل القول بأن الاشتراكية نظام ثبت فشله على الصعيد العالمي ـ على فرض صحتها ـ تبريرات واهية ولا يمكن أن تعتبر ذريعة مقبولة لتجاوز هذه القوانين وعدم تطبيقها.

ويزداد الأمر سوءاً إذا ما عرفنا أنه يوجد اليوم العديد من الموقوفين الذين يحاكمون بتهمة زعزعة النظام الاشتراكي لارتكابهم أفعال لا تربطها علاقة مباشرة بالاشتراكية من قبيل الاعتداء على الأملاك العامة كالثروة الحراجية مثلاً، فيما تعد الحكومة العدة لعرض قانون عمل جديد على مجلس الشعب فيه تجاوز صارخ للاشتراكية بالمعنى والواقع الفكري!!. وهكذا فإن الأمر لا يقف عند حد تعطيل القوانين، بل يتجاوزه إلى حد تطبيقها على المواطنين والسماح للحكومة بخرقها في الوقت ذاته، وهذا مؤشر خطير ليس على ضعف المؤسسات القضائية السورية فحسب، بل على وجود انهيار حقيقي في مفاهيم العدالة وسيادة القانون لدى عدد كبير من المواطنين والمسؤولين على حد سواء.

إن أكثر ما يؤلم في هذه المفارقة أن هناك العشرات من المواطنين السوريين قضى سنوات طويلة من حياتهم في السجون بأحكام صادرة عن المحاكم العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا بسبب اتهامهم بجرائم من قبيل تقويض النظام الاشتراكي أو زعزعته أو عرقلة تنفيذ التشريعات الاشتراكية وما إلى ذلك، ثم يأتي فريق في حكومة الجمهورية العربية السورية ليستهتر بكل بساطة بهذه القوانين علناً دون أية محاسبة، ويمعن في مشاريع الخصخصة ورفع الدعم عن السلع الأساسية وربط الاقتصاد السوري بمكنة العولمة الاقتصادية، بل وفي اقتراح قوانين وتشريعات فيها تنازل عن أبسط مكتسبات الاشتراكية ومبادئها.

ونسأل هنا: ألا يعد مجرد عرض مشروع كمشروع قانون العمل الجديد والترويج له مناهضة لأهداف الثورة يستوجب الحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة على أقل تقدير؟... إن محاسبة الفريق الاقتصادية السوري أصبحت أمراً ملحاً، ليس من باب تحقيق العدالة فحسب، وإنما من باب احترام تاريخ المؤسسة القضائية السورية..

آخر تعديل على الجمعة, 29 تموز/يوليو 2016 18:58