الحل المقترح لترسيم السيارات.. والقفز فوق المشكلات
ثمة تذمر شعبي شديد يأخذ بالتفاقم لدرجة كبيرة عندما تحل الذكرى السنوية لترسيم سيارة..
تتلخص المسألة في صعوبة إجراءات ترسيم السيارات، واستغلال معقبي المعاملات لمالكي السيارات، الذين يفضل كثيرٌ منهم دفع ضعف مبلغ الترسيم على متابعة الإجراءات بنفسه. أما السبب، فهو الروتين القاتل، والفساد، وعدم تناسب عدد الموظفين القائمين على الترسيم، مع عدد السيارات المطلوب ترسيمها. وعندما يتنادى الحكماء للبحث عن حلول، لا بد أنهم سيجدونها في زيادة عدد الموظفين، وزيادة عدد مراكز الترسيم. أو في تبسيط الإجراءات وتسهيلها، وإعطاء مكافآت أو تعويضات إضافية للموظفين القائمين على العملية للحد من فسادهم، ومن ثم محاسبة من يبتز المواطنين منهم. وربما يخطر على بال حكيم منهم أن تصدر وزارة النقل، أو إدارة المرور طوابع ترسيم يشتريها مالك السيارة من أماكن مخصصة، فيكون الرسم قد استوفي بكل سهولة.
أما حكماء الحكومة السورية، فتشير التسريبات إلى أن أذهانهم تفتقت عن فكرة جهنمية، تقضي برفع سعر المحروقات، بدل جباية مبالغ الترسيم بشكل مباشر، ثم يتم استيفاء الرسوم لاحقاً، من أصحاب محطات الوقود. وبحسبة بسيطة نستنتج أن هذا الإجراء سيشكل كارثة فيما لو كانت التسريبات صحيحة، لأنه يفتقر إلى أبسط مقومات العدالة، ذلك أن سائق السيارة العمومية الذي يكدح خلف مقود سيارته صباح مساء بحثاً عن رغيف أولاده، سيدفع مبالغ تزيد أضعافاً مضاعفة عن تلك التي يدفعها مالك السيارة الخاصة. وحتى لو وجدت حلول لتخفيف ما يدفعه سائق السيارة العمومية، فإن هذا الإجراء سيبقى بعيداً عن العدالة نظراً للتفاوت الكبير في استهلاك الوقود بين مالك سيارة وآخر.
وبصرف النظر عن مدى عدالة هذا الإجراء المقترح، فإن له دلالات خطيرة، تتلخص في أنه يشير بوضوحٍ إلى استمرار الحكومة السورية في تجاهل الأسباب الفعلية للمشكلات التي يعاني منها المجتمع السوري، والاستمرار في سياسة إرجاء البحث عن حلول حقيقية، والعمل على إصلاح الخطأ بخطأ أكبر. كما أنه يشير إلى إقرار الحكومة بعجزها عن مكافحة الفساد والبيروقراطية، ومن ثم قيامها بإزاحة عبء الحل عن كاهلها، وإلقائه على كاهل المواطنين. وهكذا، فعوضاً عن العمل على معالجة الفساد وتخلف القوانين الذي جعل أغلب مؤسسات وشركات القطاع العام خاسرةً، تذهب الحكومة باتجاه الخصخصة. وبدل اتخاذ إجراءات صارمة لوقف تهريب المحروقات، تقوم الحكومة برفع الدعم عنها، ورفع أسعارها. وعندما تعجز الحكومة عن فرض الالتزام بشروط السلامة البيئية على مالكي محطات الوقود، تمنحهم حق استيفاء مبلغ إضافي من زبائنهم إذا هم التزموا بهذه الشروط. ويبدو واضحاً أن الاقتراح الجديد حول ترسيم السيارات، لا يعدو كونه استمراراً في النهج نفسه، وإمعاناً في التعامي عن الحقائق.
يقتضي حل المشكلات أياً كانت، القيام بدراسة جدية لأسبابها، ومن ثم العمل على معالجة هذه الأسباب بشكل منهجي ومدروس، وبما يتوافق مع البنية الاقتصادية والاجتماعية السائدة. أما القفز فوق الأسباب، والعمل على محاصرة النتائج، فإنه لن يفضي إلا إلى المزيد من تعقيد المشكلات وترسيخها، مما سيؤدي تدريجياً إلى تصاعدها، وربما وصولها إلى استعصاءات لا ينفع معها أي حل، فهل هناك من يسمع؟..