الرياضة السورية إذ تحتضر!

لاشك أنّ الفساد بشكليه المالي والاداري، الذي طال أغلب المفاصل الاقتصادية والاجتماعية، طال أيضاً الرياضة بدءاً من رأس الهرم فيها، الاتحاد الرياضي العام والمنتخبات واللجان التنفيذية في المحافظات، وصولاً إلى الأندية بكافة درجاتها، والألعاب بأنواعها المختلفة، وهذا ما انعكس على المستوى الفني للرياضة عموماً، ولعل العامل الأساس الذي ولد الفساد هو السياسة الرياضية التي اتبعت في السنوات الأخيرة اقتداءً بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية، ونخص في الرياضية الاحتراف بالمعنى المشوه، والذي يسميه كثير من الرياضيين الانحراف.. انحراف عن الأهداف والقيم والأخلاق التي من المفترض أن تكون رياضية، وينحصر العامل الثاني والذي لا ينفصل عن الأول في ارتفاع الأسعار في كل شيء بدءاً من مستلزمات الرياضة البسيطة إلى إقامة المنشآت التي تسمح وتسهل ممارسة الألعاب، ثم يأتي الاهتمام بلعبةٍ واحدةٍ على حساب الأخريات، أما الفساد الإداري فأهم مظاهره استبعاد الرياضيين الموهوبين واعتماد الوساطة والمحسوبية والانتماءات المتنوعة على حساب القدرات الحقيقية والتخصص، حيث تحولت كثير من الأندية وخاصةً في الريف إلى إقطاعات شبه خاصة.. وآخر الكلام هو نقص التمويل وهدر المتوفر على الشكل أكثر من المضمون!!

هذا الواقع العام يجعلنا نتطرق إلى أهم مجال للرياضة وهو القاعدة الأساسية التي ترفد وتولد المستويات والإبداعات الرياضية وهي الأندية، ومنها أندية الريف التي تبرز إنجازاتها في الألعاب الفردية كألعاب القوى، أكثر بكثير من الألعاب الجماعية، ومع ذلك فإنها مهملة إهمالاً كبيراً كغيرها، سواء من الاتحاد العام أو من اللجان التنفيذية في المحافظات، ناهيك عن تدخلات ذوي النفوذ وغيرهم في عملها، ويمكننا أن نلخص واقع وهموم أندية الريف في محافظة دير الزور بالنقاط التالية:

أغلب أندية الريف تفتقد المقرات، وإن وجد مقر فهو لا يتجاوز غرفة واحدة لا أكثر.

أغلبها يفتقد إلى الملاعب والأدوات وأغلب مستلزمات الرياضة.

أغلب الإدارات غير مختصة وغير مؤهلة وغير متفرغة للنادي، وتفتقد الروح والأخلاق الرياضية، واختيارها تمّ شكلياً أو وفق توصيات ومراكز نفوذ متعددة الأشكال والانتماءات.

ضعف العلاقة بين الأندية والمركز، وضعف العلاقة بينها وبين الوسط المحيط حولها، وخاصة الرياضة المدرسية الرافد الأساس للأندية عموماً..

هدر الأموال على قلتها نتيجة قلة الخبرة وسوء التخطيط أو الفساد.

   ومن خلال المتابعة لوضع بعض الأندية وحضورنا لمؤتمر الرياضيين، يمكننا أن نورد عشرات الأمثلة على ذلك سواء في المدينة أم في الريف، بل وصل الأمر أن قال أحد المداخلين بصراحة للمسؤولة الأساسية عن الرياضة: أنت لست أمينةً على المكتب الذي تقودينه!. وواقع الرياضة المتردي في الوطن عموماً ودير الزور خصوصاً لا يمكن لأحد أن ينكره، ونتائج منتخباتنا وواقع نادي الفتوة يؤكد ذلك، وقد مرت الأمور دون محاسيةٍ كالعادة، لكننا سنورد عينةً من الريف وهي حالةً كثرت الشكاوى حولها، بل وصلت الأمور أن البعض حاول حلّها (بمشية عرب)، ومنهم من المسؤولين السياسيين في المنطقة ولم تُحل، حيث تلعب القضية العشائرية دوراً مهماً فيها، وهو نادي الكشكية التابع لناحية هجين في منطقة البوكمال، وقد وردت لقاسيون عريضةً وقعها قسم من الأهالي تطالب بتنشيط النادي الذي يخيم عليه الخمول لأنّ رئيس النادي، وهو معلم مهيمن هو وأقاربه منذ سنوات، لا وقت عنده، فلديه مكرو يقوده ويقوم بنقل الطلاب إلى المدارس إضافةً إلى عمله، وبحقه العديد من الإجراءات القانونية التي تحول دون تكليفه بعمل إداري، ولم تتم انتخابات حقيقية لهيئة النادي. كما تبين الصور والوقائع التي شاهدناها أنّ مقر النادي عبارة عن أعمدةٍ فقط، ويوجد جدار أقيم في العراء وكلف مبالغ ليست قليلة، وليس له أية فائدةٍ، وقد ذهبت الأموال المهدورة عليه هباءً منثوراً، ورغم وجود خبرات متوفرة نسبياً إلاّ أنها مستبعدة!؟

وأخيراً نؤكد أنّ الرياضة نشاط اجتماعي له فوائده الجسدية والنفسية والاجتماعية وأهميتها لا تقل عن غيرها من البنى الفوقية كالتعليم والثقافة، تتأثر وتؤثر ديالكتيكياً، ويجب ألاّ تُترك لمن هبّ ودبّ، وأن توظف في تعميق الروابط الاجتماعية والكشف عن المواهب، وتحقيق إنجازات على مستوى الوطن والعالم.. وكثير من الرياضيين ساهموا في رفع راية الوطن عالياً بما حققوه من انجازات وبطولات.

في العموم، يقودنا الحديث عن الرياضة إلى قضايا عامة أكبر، أبرزها الزعم بـ«تنمية المنطقة الشرقية» التي يتحفنا بها المسؤولون من كل المستويات دائماً قولاً لا فعلاً، والرياضة منها. فمتى تتحول الشعارات إلى عمل جدي؟.