يوسف البني يوسف البني

شريحة أخرى ضحية الحرمان من دعم المازوت.. التعليمات الوزارية تحرم الأرملة والمطلقة واليتيم والقاصر

يقول الدستور السوري في المادة 45: «تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع». وفي خرق جديد لهذا الدستور، وبرهان آخر على قصور القرارات والسياسات الحكومية، وعجز الحكومة عن رعاية ودعم المواطن السوري، وفي خطوة لم تشهد لها الحضارة مثيلاً في أية دولة من دول العالم، لا المتخلفة ولا المتطورة، سقطت المرأة السورية من حقها في المواطَنة بقرار رسمي، حرمها من الحصول على مبلغ الدعم الحكومي لمازوت التدفئة، تماماً كما حدث في موسم الشتاء الماضي /2008 ـ 2009/. حين صدر قرار حكومي بحرمان الأرامل والمطلقات والعازبات اللاتي يسكنَّ لوحدهنَّ في بيوت مستقلة، من قسائم دعم المازوت.

اعترضت على هذا القرار في العام الماضي المنظمات النسائية الداعمة لحقوق المرأة، وطالبت الحكومة باعتبار النساء السوريات مواطنات كاملات الحقوق والواجبات، وفق ما أقره الدستور. ومع بداية موسم الشتاء الحالي /2009 ـ 2010/ استجابت الحكومة وأصدرت شيكات خاصة للأرامل والمطلقات، واشترطت أن ترفَق الطلبات ببيان عائلي وتعهُّدٍٍ بأنهن يسكن في سكن مستقل، وتقدمت بعضهن بالأوراق اللازمة وحصلن على شيكات الدعم وصرفنها، لنتفاجأ بعد ذلك بتراجع الحكومة عن قرارها، وصدرت تعليمات عن وزير الإدارة المحلية، نورد بعض نقاطهاالتي جاء فيها: بناء على أحكام القانون /29/ تاريخ 19/11/2009 وتعليماته التنفيذية، وإشارة إلى الحالات والاستفسارات، نعلمكم بما يلي:

1ـ لا تستحق المطلقة التي ليس لها أب وأم وأخوة عازبون، ولديها البطاقة العائلية لوالدها، لأن الشيكات تسلم لرب الأسرة الوارد اسمه في دفتر العائلة أو الزوجة....

2ـ لا يستحق الأطفال القاصرون الذين ليس لهم بطاقة عائلية لوالديهما المتوفيين لعدم انطباق الشروط.

3ـ لا تستحق الأرملة التي لا تحمل بطاقة عائلية ولو كانت تقيم إقامة دائمة في سورية.

5ـ لا تستحق المطلقة مبلغ الدعم الحكومي والتي ليس لها أب وأم ولا تحمل بطاقة عائلية.

10ـ بالنسبة للأطباء والمهندسين وأطباء الأسنان والصيادلة والمحامين فالأغلبية العظمى منهم «قد» لا تكون مستحقة للدعم الحكومي، قياساً على شروط الاستحقاق....

وهنا نرى انتهاكاً واضحاً لمواد الدستور وانتقاصاً لحقوق المواطنات، وظلماً واضحاً لليتيم والقاصر الذي يستحق الإحسان وليس فقط الدعم، عبر تعليمات تنفيذية تحرف قانوناً موقعاً من رئيس الجمهورية، عن الهدف الذي تم إقراره من أجله، وهو دعم المواطن السوري، هذه التعليمات المنتهِكة لأبسط قواعد المنطق والأخلاق، فالمرأة فيها تابعة فقط (زوجة أو ابنة أو أرملة)، وليست كمواطنة لها حقوق وعليها واجبات، وتشكل نصف المجتمع، واعتبرتها كائناً من مستوى أدنى لا يستحق الدعم الذي توزعه الحكومة تحت اسم المكرمة.

تصرخ إحداهن قائلة: «لِمَ يتم حرماني من بدل دعم المازوت أنا وأطفالي الأربعة؟ لِمَ يغادرني الآخرون وأنا ضعيفة أحتاج إليهم، وفي اللحظة التي اشعر فيها بالقهر والذل والانكسار هل علي أن أصرخ لأحصل على ما يسمونه الدعم؟! هل علي أن ابحث في مكان آخر عن وثيقة تظهر عوزي وقلة حيلتي؟ أم أعود إلى رجل لفظني وأولادَه الأربعة، لنستجير من الرمضاء بالنار؟ وهل تعالج مشاكل الطلاق ونتائجه السيئة على المرأة بزيادة الضغط الاجتماعي بضغط اقتصادي لا يقل قسوة؟!»

هناك عشرات الآلاف من المواطنات السوريات المنكسرات، حالهنَّ كحال هذه المرأة، وهؤلاء يعانين الكثير من ظلم المجتمع وقسوة الحياة.. كما أن هناك الكثير من الأطفال القصَّر الأيتام الذين يستحقون تكفّل المؤسسات المعنية بأحوالهم بعيداً عن الشفقة والإحسان، وأقل هذا التكفل حصولهم على حقهم في دعم الدولة لهم، وكل هؤلاء مواطنون سوريون يستحقون أن يعيشوا بكرامة ورعاية وأمان، ومن حقهم الحصول مثل غيرهم على «المكرمة»، التي أُقِرت بقانون، وليس من حق الحكومة أن تمنحها لمن تشاء وتمنعها عمن تشاء.