أهالي القنيطرة من النزوح إلى النزوح
نزوح وفقر وحاجة إثر نزوح وتشرد، استقبال لنازحين من مناطق مختلفة، مع حرب واقتتال وقذائف وانعدام للأمان، ومنع من الاقتراب من الأراضي الزراعية، مما زاد من المعاناة وخاصة على المستوى المعيشي، هذا هو حال أهالي القنيطرة في الكثير من مدنها وبلداتها ومناطقها وقراها العديدة.
القنيطرة، بئر عجم، بريقة، الحميدية، القحطانية، رويحينة، الصمدانية الغربية- أيوبا، البعث، صمدانية شرقية، حضر، حلس، الحرية، جبا، جباتا الخشب، الخالدية، خان أرنبة، كوم الباشا، كوم الويسة (مرج برغوث)، مجدولية، مسحرة، ممتنة، نبع الصخر، أوفانيا، نبع الفوار، طرنجة، أم باطنة، المنصور- الخشنية، الأصبح، البصة الشرقية (عين القاضي)، عين التينة، العشة، غدير البستان، الهجة، كودنة، المعلقة، منشية سويسة، قرقس، القصيبة، الرفيد، سويس- رزانية صيدا، صيدا، وغيرها.
تقاسم سيطرة ونفوذ
تلك المدن والبلدات والقرى يتقاسم النفوذ والسيطرة عليها كل من القوات الرسمية، والعديد من الفصائل المسلحة، التي يقدر عددها بـأكثر من 20 فصيلاً مسلحاً، تختلف راياتها وارتباطاتها وولاءاتها وتبعيتها، الكثير من هذه الفصائل أعلن عن مشاركته بالهدنة وباتفاق وقف العمليات القتالية، وفي الوقت نفسه غالبيتها أعلنت عن عدائها لتنظيم «داعش» الإرهابي وخاضت معارك معه، ما أدى إلى انحساره وتراجعه وتقلص تواجده على رقعة جغرافية محدودة في حوض اليرموك بين القنيطرة ودرعا والحدود الفلسطينية الأردنية.
وضع أمني وعسكري غير مستقر
الوضع العام في البلدات والقرى والمدن غير مستقر حيث يستعر القتال بين الحين والآخر هنا أو هناك، مما يمنع من الاستقرار والعودة للحياة الطبيعية، وعلى اعتبار أن الزراعة هي المصدر الأساسي للمعيشة بالنسبة للأهالي، فإنه من الصعوبة بمكان أن يقوم هؤلاء بالزراعة أو بالحصاد نتيجة للوضع الأمني السائد، مما أدى إلى ازدياد المعاناة، هذا بالإضافة إلى المعاناة من ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، وعدم توفر الكثير من المواد الأولية (البذار- المبيدات- الأسمدة) وبالإضافة طبعاً إلى المحروقات والشح بالمياه.
مصدر الرزق خارج الخدمة
عمليات القصف التي طالت وتطال الأراضي الزراعية، والعمليات العسكرية التي تجري بتلك الأراضي، منع الكثير من الفلاحين والمزارعين من زيارة أراضيهم، حتى أن بعضهم لم يزر أرضه منذ ما يقرب العامين المتتاليين، ما يعني أن تلك الأراضي الزراعية قد خرجت عن الخدمة وأصبحت بوراً، وبالتالي فإن الواقع المعيشي لهؤلاء الفلاحين والمزارعين أصبح سيئاً بما لا يقاس، على اعتبار أن الزراعة هي المصدر الوحيد للرزق بالنسبة لهؤلاء، الأمر الذي أدى ببعضهم إلى اللجوء لاستئجار الأراضي من أجل زراعتها والاسترزاق من غلالها، وعلى الرغم من ذلك فإن ارتفاع تكاليف الإنتاج وتدني القيمة الشرائية لليرة أدى إلى خسائر بالنسبة لهؤلاء، حيث وصل سعر الطن الواحد من السماد إلى 70 ألف ليرة سورية، كما ارتفعت أجور الحراثة حتى وصلت إلى 5 آلاف ليرة للهكتار الواحد، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، ناهيك عن ارتفاع أسعار البذار والمبيدات وقلة اليد العاملة الزراعية إثر النزوح واللجوء، وما يزيد الطين بلة بالنسبة لهؤلاء أنه يتعذر عليهم حصاد غلالهم الزراعية في مواسمها نتيجة اشتداد العمليات العسكرية أو سوء الوضع الأمني، ما يضعهم أمام خسارات محققة تمنعهم من إمكانية استثمار الأراضي الزراعية في الموسم التالي، وهكذا من خسارة إلى خسارة ومن فقر وحاجة إلى عوز وجوع.
الثروة الحيوانية إلى النصف
بالإضافة إلى خسارة جزء كبير من الأراضي الزراعية وخروجها عن الخدمة، كان هناك خسائر إضافية تتمثل بالثروة الحيوانية في المدن والمناطق والقرى، حيث تقدر نسبة التراجع بالنصف تقريباً بالنسبة لهذه الثروة، علماً أنه لم تتوفر معلومات رقمية دقيقة حول ذلك، بسبب عدم التمكن من إجراء عمليات إحصاء لهذه الثروة مؤخراً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه وبحسب البعض فقد تعرض الكثير من الرعيان إلى الموت مع قطعانهم خلال السنوات الماضية بنتيجة الأعمال القتالية، مع غياب شبه تام لوسائل الرعاية لهذه الثروة من أدوية ولقاحات بيطرية وغيرها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل غير مسبوق، وعدم التمكن من تأمينها بشكل دائم، ما يعني أنه حتى الجزء المتبقي من هذه الثروة بات بمهب الريح، مع ما يستتبعه من تراجع بالمنتجات المرتبطة بها من لحوم وألبان وأجبان وغيرها، أي مزيد من الإفقار والعوز وارتفاع للأسعار.
المبادرات الأهلية تتجاوز الهيمنة المسلحة
في المناطق والقرى التي تقع تحت سيطرة الفصائل المسلحة فإن المبادرات الأهلية هي السائدة على مستوى تأمين الخدمات العامة ومعالجة الكثير من القضايا والأمور التي تعترض سبل المعيشة والحياة، حسب الإمكانات المتاحة أمام هؤلاء بكل قرية أو منطقة، بعيداً عن سيطرة ونفوذ هذه الفصائل وهيئاتها، ففي بعض القرى قامت المبادرات الأهلية بافتتاح مخبز، وفي بعضها الآخر تقوم بتأمين مياه الشرب ومياه الري، وغيرها من الأمور الحياتية، أما عن موضوع تأمين المواد الأساسية ومستلزمات الحياة الضرورية والأسعار وارتفاعها فهي خارج نطاق سيطرة الأهالي، فحال هؤلاء كحال السوريين كلهم فهم ضحية وفريسة سهلة المنال أمام تجار الحرب والأزمة والفاسدين.
مخيمات على أطراف القرى
أعوام الحرب والعمليات القتالية أدت إلى نزوح الكثيرين من قراهم ومناطقهم، إلى مدن ومناطق وقرى قريبة أو بعيدة، ففي العديد من القرى التي تعتبر آمنة نوعاً ما لابد أن يكون هناك مخيماً للنازحين على أطرافها، يختلف أعداد المقيمين فيه بحسب الخدمات المتاحة والمساعدات المقدمة وفرص العمل، بالإضافة لمن تمكن من السكن في بعض بيوت تلك البلدات، بالإضافة إلى استقبال بعض النازحين من قرى وبلدات درعا أيضاً، ويقدر تعداد النازحين من قراهم ومناطقهم خلال فترة الحرب والأزمة بحدود 40 ألف مواطن، غالبيتهم من النساء والشيوخ والأطفال، البعض منهم اضطر للنزوح لأكثر من مرة خلال هذه الفترة، ومعاناة هؤلاء لا تختلف عن معاناة بقية الأهالي بشكل عام، ولكن ما يزيد من وضعهم سوءاً هو الانعدام لمصادر الدخل والمبيت بالخيام وما يتعرضون له من برد في الشتاء وحر بالصيف، بالإضافة لتردي الواقع الصحي وخاصة للأطفال، وذلك نتيجة النقص بالأدوية ووسائل العلاج ونقص الغذاء، وحتى النقص بمصادر المياه النظيفة أحياناً.
تجمعات تاريخية
للنازحين
ولابد من الإشارة أيضاً إلى تجمعات النازحين من الجولان، وهي تجمعات بشرية كبيرة عمرها من عمر «النكسة» وهي: تجمع الجولان بدرعا، تجمع الحسينية، تجمع الذيابية، تجمع الكسوة الغربي، تجمع جديدة عرطوز، تجمع درعا، تجمع سبينة، تجمع شبعا، تجمع قدسيا، تجمع مفرق حجيرة، تجمع عرطوز الفضل، حيث استقبلت تلك التجمعات أعداداً من النازحين من مختلف المدن والمناطق والقرى، وخاصة من القنيطرة ودرعا، وحال الأهالي في هذه التجمعات لا يختلف عن حال بقية السوريين من ناحية الخدمات العامة وتوفر المواد والسلع الأساسية والأسعار، ومستويات المعيشة، والفساد وتجار الحرب والأزمة، وغيرها من المشتركات العامة، بالإضافة طبعاً للآثار السلبية للحرب والأزمة عموماً.