جميل أمام البرلمان السوري: علينا تنظيف بيتنا الداخلي والذهاب إلى الحوار بأسرع وقت
قدم الدكتور قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية ونائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مداخلته خلال جلسة استماع مجلس الشعب في جلسته التي عقدها الأثنين 19/3/2013 برئاسة «محمد جهاد اللحام» رئيس المجلس إلى أجوبة أعضاء الحكومة على أسئلة أعضاء مجلس الشعب التي تركزت حول البرنامج الحكومي للحل السياسي للخروج من الأزمة الشاملة في البلاد وإجراءات الحكومة المتخذة للتغلب على الصعوبات والعقبات التي فرضتها الأزمة في سورية وسبل تحسين الواقع المعيشي للمواطنين وتأمين المواد والسلع الأساسية لهم وهذا نصها:
السيدات والسادة أعضاء المجلس
الزميلات والزملاء
النقاش الجاري منذ البارحة مدعاة للسرور البالغ وهو دليل عافية وتقدم يجري على قدم وساق في مجتمعنا. البارحة التقيت الكثير من المواطنين الذين شاهدوا مجريات الجلسة على التلفزيون وكانوا مدهوشين إيجابياً حيث قالوا: هل من المعقول أن تتحدث الناس في مجلس الشعب السوري بهذه الصراحة مع رئيس مجلس الوزراء والوزراء..؟! أعتقد أننا بانتقالنا من الفضاء السياسي القديم (المادة الثامنة القديمة) إلى الفضاء السياسي الجديد (المادة الثامنة الجديدة) فإن هذه العملية تسير مع صعوباتها. وأني غير منزعج نهائياً من أي انتقاد أتى من أي جهة كانت، ولو كان هذا الانتقاد خاطئاً بنسبة %90 فأنا أقول هناك %10 منه صحيح ونحن سنستفيد منه ووجود الـ%90 الخاطئة لا يلغي وجود الـ%10 الصحيحة كونها ضرورية.
نعم للنقد لا للتجريح :
يجب عدم العودة إلى إغلاق أفواه الناس باعتبار أنهم يتكلمون بآراء خاطئة أكثر مما يتكلمون بآراء صحيحة لأنهم بهذه الحالة سيتوقفون عن الحديث نهائياً ولن نسمع القسم الصحيح من كلامهم. لكن الانتقاد شيء والتجريح شيء أخر، وأنا أفهم مبرراته إلا أنني لا أتفق معه.
فالتجريح ناتج عن ضعف ثقافة الحوار، حيث أن الحوار كان مقطوعاً مما جعل التجريح عند البعض يحل محل الحوار. ولكن لا أعتقد أن هذا الأمر مشكلة فنحن سنصبر عليهم ورويداً رويداً سيتعلمون، فنحن لسنا بحاجة إلى ردود فعل متسرعة.
سأناقش أمرين لهما أهمية من الزاوية السياسية لا من زاوية التجريح، حيث أن التجريح نفسه يحتوي أحياناً على بذور سياسية تحتاج لنقاش على اعتبار أني غير موافق عليها.
البارحة تحت قبة هذا المجلس سمعت كلاماً من أحد النواب المحترمين الذين يعتبرون في صف الموالاة جعلني أعتقد أن من يتحدث هو السيد حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق الوطنية وهو الشخصية المعارضة الوطنية المعروفة والتي يمكن أن اتفق معه على شيء واختلف على أشياء أخرى.
إن رأي السيد حسن عبد العظيم هو أنه بما أننا دخلنا الحكومة فنحن لم نعد معارضين، فبالله عليكم ماذا يدل هذا التقاطع وأي معنى عميق يحمل؟؟!!
نحن في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير حينما دخلنا الحكومة دخلنا على أساس البيان الحكومي وعلى أساس ائتلافي، ونحن منذ تلك اللحظة مصرون على أننا معارضة وبأننا جميعاً سنذهب في نهاية المطاف إلى حكومة وحدة وطنية فيها حجم كبير للمعارضة الوطنية، فهل من سيدخل هذه الحكومة سيفقد هويته؟ ثم من المسؤول عن توزيع الهويات «الشخصية» في هذا البلد غير وزير الداخلية...!؟
الهوية السياسية هي أمر لا يخص إلا صاحب العلاقة حيث إنها بمثابة أمر سيادي لصاحب العلاقة ولا يجوز ممارسة الإعلاء والوصاية بهذا الشكل وتوزيع الهويات السياسية.
وبما أننا كلنا تحت سقف الوطن فهذا يعني أن الكل حر باختياره.
هذه هي النقطة الأولى، أما النقطة الثانية:
اسمحوا لي أن أقول لكم أني لا أعتقد بوجود وزراء نكرات لأن معنى هذا أن وجود مثل هؤلاء الوزراء يعني أن الدولة بحد ذاتها نكرة لأنها تعين نكرات. فأرجو ممن يتلفظ بهذا النوع من الكلام أن ينتبه لدلالاته وأبعاده وكيفية استخدامه لاحقاً وكيف سيتم فهمه في الشارع.
المصالحة أولاً
هذا في المقدمة أما في الجوهر فقد قدم السيد رئيس مجلس الوزراء البارحة عرضاً نحن نؤيده لأن يعبر عملياً عن رأينا جميعاً كوزراء ولن أضيف هنا عليه شيئاً فطريقة المعالجة ووضع القضايا فيه ستبقى كما هي ولن نغير فيها شيئاً من حيث المبدأ. لكن أريد توضيح نقطة برزت خلال النقاش الذي دار البارحة واليوم، والأمر يتطلب توضحيها:
البيان الوزراي الذي تعمل الحكومة على أساسه «وهو بيان توافقي» لأول مرة منذ عشرات السنين يجري صياغتة بين مكونات الوزارة حتى ولو كان أحد هذه المكونات مؤلفاً من وزيرين فقط.
جرى اتفاق قبل تشكيل الوزارة على العمود الفقري للبيان الوزراي، وهذا البيان له فلسفة خاصة به ولا يجوز التعامل معه بطريقة خاطئةــ كما فعل بعض الزملاءــ بتقطيع البيان.
ما هي النقطة الأولى- والتي تمتد على 4 صفحات؟
إنها المصالحة الوطنية التي ترجمها البرنامج الحكومي الذي صيغ على أساس مبادرة السيد الرئيس وهذا كان التعبير عن تنفيذ البيان الحكومة في الممارسة العملية.
إن هذا البيان الحكومي هام جداً، ولن أدعي هنا أنه سيجري تطبيقه %100 ولكن سيجري في نهاية الأمر تطبيق شيء يشبهه إلى حد بعيد.
البارحة كنت على أحد الأقنية الإعلاميةــ وهنا اتهمني أحد الزملاء بأنني «أتنطنط»ــ انتقل من تلفزيون لآخرــ وأنا لا اعتقد أني مخطئ بظهوري على الإعلام، لأن الوزير مطالب بأن يكون رجل دولة وليس مديراً، ومطلوب منه أن يكون رجلاً سياسياً وليس موظفاً وبالتالي فإن توفرت الفرصة لأحد الوزراء كي يظهر على الإعلام السوري وغير السوري، وبالمناسبة فإن أقل نسبة ظهور إعلامي لي هي على الإعلام السوري، فإذا سنحت له الفرصة للظهور على الإعلام غير السوري لكي يوضح قضية الشعب السوري، فهل يرفض؟ وهل يعتبر هذا الأمر نقطة سلبية.
لذلك فقد تكلمت البارحة حول معاذ الخطيب وقلت بأنه لم يقدم مبادرة بل إن الإعلام العالمي يزور الحقائق حين يدعي أن معاذ الخطيب قد قدم مبادرة. إن ما قام به هو رد فعل على مبادرة الحكومة السورية، وقدم موقفاً- مشكوراً في حال قال نعم أنا أوافق على الحوار ونناقش التفاصيل بعدها. وهذا يدلنا على مجرى الأمور، ولكن لم يذكر أي أحد من الإعلام الخارجي أن الخطوة الأولى في هذا الأمر قامت بها الحكومة السورية التي كان لديها الجرأة وبعد النظر ما يكفي لتقول هذا برنامجنا فتعالوا نتناقش. أي أن الخطوة الأولى كانت من الحكومة السورية على أساس مبادرة السيد الرئيس.
ما أقصده هو القول إن البيان الحكومي هو كلٌّ متكامل. فورود كل من بند المصالحة في القسم الأول وبند الإجراءات العاجلة في القسم الثاني لم يكن مصادفة. ومن دون تحقيق المصالحة لا يمكننا السير حتى بتنفيذ الإجراءات العاجلة، وإن تعقدت أمور المصالحة ولم تتقدم إلى الأمام أو إذا عادت إلى الوراء فهذا سيؤدي إلى تعقد الإجرءات العاجلة وأهدافها التي وضعناها. لذلك يجب النظر للبيان الوزراء ككتلة متكاملة ووحدة منسجمة بنظرة سياسية وعملية في آن واحد وأن نقوم بفهمه وترجمته على هذا الأساس.
أنا لا أريد أن أقول إن الوزارة قامت «بإخراج الزير من البير» وحل كل المشاكل، فالحياة دائماً ما تقدم لنا مفاجآت وتعقيدات ليست بالحسبان لكن مع هذا سنقوم بحلها أولاً بأول ومن يظن أن الوزارة قادرة على حل جميع المشاكل فإنه بالتالي يعتقد أن الوزير على كل شيء قدير والأمر ليس كذلك في نهاية الأمر.
أريد أن أنهي الكلام حول هذه النقطة بالقول إن الحوار قضية كبرى ليس لأنه هو الهدف بحد ذاته بل باعتباره نقطة انعطاف ستوصلنا إلى الأهداف المرجوة ببناء سورية المتجددة والمعاصرة والحديثة إضافة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر وبشكل آمنٍ.
أعتقد أن أعداء سورية يسعون أيضاً للخروج من الأزمة، إلا أن الخروج الذي يريدونه هو الخروج غير الآمن على مستقبل الشعب السوري والدولة السورية.
بينما المخرج الذي نبحث عنه هو المخرج الآمن الذي يضمن وحدة سورية أرضاً وشعباً والبيان الحكومي حدد له الاتجاهات الرئيسية التي سنتناقش حولها في الحوار الوطني وبإمكاننا تعديلها في حال وجود أفكار أفضل ونطور ونعدل في البرنامج الحكومي ذاته لكن أعتقد أنه ــ البرنامج ــ باتجاهاته الرئيسية صحيح.
بين الحصار والوضع الأمني والفساد
وإجراءات الحكومة:
حول الأزمة وارتفاع الأسعار وقضايا الغاز والكاز والمازوت والطحين وكل هذه الأمور دعونا نكن موضوعيين ونضع مسؤولياتنا الحقيقية أمامنا والتي نستطيع أن نتحكم بها ونحدد القضايا الخارجة موضوعياً عن إرادتنا.
أعتقد أنكم توافقونني الرأي بأن للأزمة ثلاثة مكونات اليوم التي تنعكس بأشكال مختلفة:
أولاً: من يقول بأن الحكومة تتحمل مسؤولية ارتفاع الأسعار هو محق جزئياً لا كلياً لأنه إذا قام بتحميل الحكومة كامل المسؤولية عن هذا الإرتفاع فإنه ينسى أثر الحصار الخارجي الجائر الذي لم يسبب ارتفاع الأسعار فحسب بل تسبب أيضاً بوقوع ضحايا.
حيث أنناـ حتى الآن- لم نحص أعداد الضحايا التي تسبب بها الحصار على سورية. فهذا الحصار أدى في بعض المناطق لحدوث كوارث إنسانية إضافة لفقدان العديد من المواد.
وأنا متأكد من قدوم اليوم الذي سيحصى فيه عدد ضحايا الحصار الغربي- الإمريكي الأوروبي- الجائر على بلدنا وسيتحمل كل طرف مسؤولياته عنه.
الناس لا تقتل بإطلاق النار فقط، لكنها تموت بسبب البرد والجوع أيضاً، وهذا الغرب يتحمل مسؤولية في إزهاق أرواح السوريين من خلال حصاره هذا، فما بالكم بمسؤولية الحصار وتأثيره على الأسعار. من المؤكد أن هناك حصة ما من نصيبه في هذا الموضوع.
ثانياً، فلنقسم الأمر بهذا الشكل:
الثلث الأول: الحصار.
الثلث الثاني: الأوضاع الأمنية العسكرية على الطرقات ومستوى الضبط الأمني على مستوى البلد، لقد سمعت كلاماً مؤثراً جداً من أحد السادة النواب حول منطقة (نبّل) حيث تعدت مشكلة هذه البلدة المشكلة التموينية أو الاقتصادية هذه المشكلة هي سياسية عسكرية أمنية وهي مشكلة كبيرة وشاملة لها علاقة بمجمل الوضع في البلد، لذلك الوضع العام الاقتصادي والتموين ــ الثلث الثاني ــ يتحمل مسؤوليته الوضع العام في البلد.
أما الثلث الثالث فنحن الحكومة نتحمل مسؤوليته، كيف؟
حيث أننا تراجعنا بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية من حيث وزن الدولة في التحكم بالعمليات الاقتصادية والاجتماعية. وعندما أقول تراجعنا لا أقصد بذلك أن عدد المراقبين التموينيين قد انخفض كما يحاول البعض تفسير الأمور.
أنا أقصد هنا أن البنية التشريعية التي تعطي الدولة أدوات التحكم قد تخلخلت أو ارتخت ونحن نقوي حديثاً بتدعيم وتقوية الأدوات التي تسمح لنا بالتحكم، والسيد وزير العدل يقوم مشكوراً بالتجاوب معنا ويصيغ أفكارنا بقوانين ومشاريع مراسيم مختلفة تساهم في هذه العملية.
وأعتقد أن أهم قانون ننتظره ــ والذي سيقوم مجلسكم الكريم في دورته الحالية ببحثه وإقراره ــ هو قانون العقوبات الاقتصادية بحق الذين يتاجرون بلقمة الشعب والذين قال عنهم السيد الرئيس- محقاً- بأنهم لا يقلون خطراً عن حاملي السلاح ويجب أن نخرج من هذا التوصيف باستنتاجات عملية لممارستها على الأرض.
إن الذي يتاجر ويتلاعب بقوت الشعب يجب أن نتعامل معه بالقسوة ذاتها التي نتعامل بها مع ذلك الذي يحمل السلاح ضد المدنيين، ومن دون ذلك لن يجدي الأمر نفعاً، لذلك فإن مشاريع القوانين التي ستقدم لمجلسكم الكريم ستساهم بمساعدتنا في حل الموضوع.
هذا من جهة، من جهة أخرى الفساد داخل وخارج جهاز الدولة.
من جهة ثانية، الفساد بجهاز الدولة وخارجه. كنت أعلم قبل دخولي الحكومةــ وكلكم تعلمون أيضاًــ أن هناك فساداً، لكني لم أكن أعرف أن هذا الفساد بهذا الحجم وهذه القوة حيث أنه متضامن ومتكافل بين أجزائه أكثر من تضامن وتكافل الحكومة بين أجزائها. كما أنه يعمل بإيقاع واحد ويسبب خسائر بمليارات الليرات السورية للدولة في كل المجالات.
لذلك فإن حل الثلث الثالث هو ضمن قدرتنا، لكن هذا الحل يتطلب إرادة سياسية وحزماً وعزيمة وقراراً وتوجهاً جريئاً، وعدم قبول أي حجة من نوع «ليس الوقت مناسباً» فالآن وقتها ولا وقت آخر لها.
لذلك يجب السير بكل جدية في هذا الاتجاه وفي حالة السير جدياً بهذا الاتجاه وعلى مختلف المستويات التشريعية والإدارية والجنائية فأنا أضمن لكم أن نتمكن من استعادة التحكم بالسوق بنسبة %30 إلى %40.
وبالعودة للثلث الأول والثاني من الأزمة فحلهما أيضاً بيدنا إنما بشكل غير مباشر لأن موضوعهما له علاقة بالتوازنات الدولية والوضع الإقليمي والقضايا العسكرية الأمنية في الداخل لكنه بيدنا عن طريق أولي العزم، ووزارة الخارجية والسياسات العامة:
فدعونا نعمل بما في أيدينا ألا وهو تنظيف بيتنا الداخلي والذهاب بأسرع وقت ممكن إلى الحوار الذي أعتقد أنه سيؤمن المخرج الوحيد من هذه الأزمة التي نعيشها وبأقل الخسائر وبشكل يؤمن الصيغة الملموسة لتطبيق المادة الثامنة الجديدة من الدستور الجديد، وشكراً.