معضلة الكسبة والذرة الفروج والبيض.. تحت ساطور السوق

يطغى على حركة السوق واقع التذبذب بالأسعار وعدم استقرارها، وقد ازدادت حالة عدم الاستقرار مع اقتراب شهر رمضان، كما ما زالت معاناة المواطن الاقتصادية هي الطاغية أيضاً على حياته ومعيشته.

الخيار البديل للحوم الحمراء كمصدر للبروتينات، كان صعب المنال قبيل شهر رمضان، في موجة عدم الاستقرار بالأسعار التي طالت أسعار الفروج والبيض، وقد وصفها الكثيرون بأنها «غير منطقية».
عزا أسامة قتابي نائب مدير الجمعية الحرفية للمطاعم، وصاحب محل فروج في دمشق خلال حديثه لصحيفة «قاسيون»، السبب الأساسي لتذبذب أسعار الفروج والبيض قبل شهر رمضان إلى قيام «أغلب المداجن بتخفيف الإنتاج قبل هذا الشهر تمهيداً لفترة العيد، ما يجعل الطلب على المادة كبيراً مقابل قلة في العرض وبالتالي ارتفاعاً في الأسعار».
فروج دمشق من طرطوس واللاذقية
ويضيف قتابي، أن «إنتاج الدواجن انخفض بشكل عام في المناطق المحيطة بدمشق حيث لا يوجد بمحيط العاصمة سوى 100 إلى 120 مدجنة وهذا عدد غير كافٍ لتغطية الحاجة»، مشيراً إلى أن «حوالي 30% من مربي الدواجن توقفوا عن العمل على مستوى سورية».
وتابع «أغلب الإنتاج حالياً يأتي إلى دمشق من محافظتي طرطوس واللاذقية، ما يؤثر أيضاً على السعر نتيجة الشحن عبر مسافات طويلة».
دور مؤسسة الدواجن في السوق 15% فقط
سراج خضر مدير عام المؤسسة العامة للدواجن، يقول إن «حجم إنتاج المؤسسة من الدواجن يساوي حوالي 25 إلى 30% من حجم الإنتاج في سورية ككل، إلا أن 60 إلى 70% من الإنتاج لا يذهب إلى السوق بل يقدم إلى القطاع العام  كالمشافي والمؤسسة العسكرية».
حجم تدخل مؤسسة الدواجن العامة في السوق يساوي 10 إلى 15% فقط بحسب خضر، ما يعني أنها غير قادرة على السيطرة على الأسعار منطقياً، إلا أن خضر يرى في دور المؤسسة البسيط هذا «رقماً غير سهل وصماماً لأمان السوق، فلولا وجود هذا التدخل البسيط لوصل سعر صحن البيض في السوق إلى 3000 ليرة سورية»، على حد تعبيره.
يبرر خضر تذبذب أسعار الفروج والبيض بعدة أسباب «أساسية»، ويقول «أغلب كبار مربي الدواجن من القطاع الخاص انخفضت طاقتهم إلى مادون 10 %»، مضيفاً أن «عدداً قليلاً من المربين صمدوا خلال هذه الأزمة، حيث كان هناك (مربين صغار) يقومون بسد جزء كبير من احتياجات السوق بحوالي 60 أو 70% إلا أنهم خرجوا من العملية الإنتاجية».
خروج مستمر.. 20% فقط يعملون!
يؤكد خضر أن خروج المربين من القطاع مازال مستمراً، والسبب يعود إلى أنه مابين عامي «2015- 2016 أنفق أغلب المربين مدخراتهم للاستمرار في الاستثمار بقطاع المداجن، ومع بداية عام 2016 ارتفعت تكاليف الإنتاج بشكل مضنٍ وصعب ومجهد بالنسبة لهم ما أدى إلى خروجهم نهائياً»، مضيفاً أنه «في عام 2015 كان هناك فقط 40% من المربين يعملون واليوم أقل من 20% فقط».
يعود خضر ليتحدث عن «أزمة الأعلاف» إن صح التعبير، كون أسعار المواد العلفية باتت ترتفع «بقفزات متسارعة» على حد تعبيره، قائلاً  «أسعار العلف ارتفعت بشكل كبير، حيث قفزت من 20- 25% خلال أقل من شهر، وخاصة لكسبة فول الصويا والذرة الصفراء المادتين الأساسيتين لتربية الدواجن، وكانت تلك القفزات السعرية سبباً من الأسباب الرئيسية لخروج المربين من العملية الإنتاجية بعد أن أصبحت كلفة الإنتاج أكبر من البيع فقد باتت تكلفة إنتاج البيضة العام الماضي 40 ليرة بينما يتم بيعها بـ 30 ليرة تقريباً».
وأضاف «خروج المربين وقلة العرض وازدياد الطلب، زاد السعر والطين بلة، عدا عن تكاليف مستلزمات الإنتاج الأخرى.
أين الحكومة من الذرة والكسبة!
أكثر ما هو هام في عملية تربية الدواجن، هو مادتي الذرة الصفراء وكسبة فول الصويا، ويتم الحصول عليهما بالاستجرار عبر الاستيراد من خلال التجار وليس مؤسسات الحكومة، ما يعني هامشاً للتلاعب بالأسعار، ورغم وجود مؤسسة عامة للدواجن ومؤسسة عامة للأعلاف، إلا أن هاتين المادتين تتحكمان بالسوق تقريباً.
مدير مؤسسة  الدواجن يقول إن «المؤسسة العامة للأعلاف تزودهم بما يحتاجون، إن كان لديها ما يمكن تقديمه، عدا كسبة فول الصويا التي لا تتعامل بها مؤسسة الأعلاف التي تغذي الأبقار والأغنام»، ويضيف «إن لم يكن هناك أعلاف متوفرة لدى مؤسسة الأعلاف نشتري من السوق».
أحجيات
لا يوجد ما يبرر عبارة «إن توفر لدى مؤسسة الأعلاف ما تحتاجه مؤسسة الدواجن»، سوى أن الأولى لديها أولويات أخرى غير دعم مؤسسات القطاع العام التي قد تجبر على الشراء من تجار السوق الذين رفعوا أسعار المواد العلفية إلى أكثر من 50% من الأسعار التي تقدمها مؤسسة الأعلاف، أو أن طاقة مؤسسة الأعلاف الإنتاجية غير كافية.
مدير مؤسسة الأعلاف مصعب  العوض كشف أن قراراً حكومياً عام 2015 قضى بعدم حصر دور المؤسسة بتقديم المقنن العلفي، ودفعها للمساهمة في السوق المحلية بـنسبة 50 و60 %، عدا عن استجرار مابين 12 إلى 20% من مستوردات التجار العلفية بسعر التكلفة الحقيقة لصالح المؤسسة، التي تقدمها بدورها للمنتجين بأقل من سعر السوق بـ 7 لـ 10% تقريباً، لكن هذا التوجه لم يشمل كسبة فول الصويا ربما، التي مازالت تشكل المسبب الرئيسي لارتفاع الأسعار.
في الأوقات الحرجة
حتى أن مهمة مؤسسة الأعلاف الأساسية بحسب العوض هي «تأمين المقننات العلفية في الأوقات الحرجة من العام عند انعدام الغطاء النباتي، عبر تقديم دورة علفية واحدة بهذه الفترة التي تمتد بين شهر 11 حتى شهر 2 من العام التالي»، أي أن دور مؤسسة الأعلاف بتقديم المقنن العلفي محصور أيضاً بفترة معينة فقط.
وأيضاً، يؤكد العوض أن كسبة فول الصويا تنتج محلياً لكن جودتها من ناحية قيمتها البروتينية متدنية بالنسبة إلى النوعية المستوردة، ما يجعل المربين يفضلون الأخيرة.
450 مليون ديون
حالياً الذرة الصفراء وكسبة فول الصويا كانتا سبباً بارتفاع أسعار الفروج بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن المشكلة الأساسية هي عدم توضيح سبب عدم دعمهما ضمن المستوردات الحكومية حتى اليوم رغم الحاجة الماسة لهما!
مؤسسة الأعلاف تشتري من التجار
ويؤكد مدير مؤسسة الأعلاف أنه «كان يتم شراء الذرة الصفراء من المزارعين، ويتم تجفيفها في المراكز والمجففات التابعة للمؤسسة، إلا أن المجففات الـ4 في الرقة ودير الزور والحسكة وحلب خارجة عن الخدمة حالياً، ما يدفع مؤسسة الأعلاف لشرائها من تجار السوق المحلية - بدلاً من استيرادها مباشرة - .
عدم استيراد الذرة الصفراء بشكل مباشر عبر المؤسسة، يعود بحسب العوض «للرغبة بالمحافظة على القطع الأجنبي»، مشيراً إلى أن «آخر عملية استيراد للمؤسسة كانت عام 2013 حينما تم اسيتراد شعير وذرة وبعدها تم توقيف الاستيراد».
يقول العوض إن «أسعار مواد مؤسسة الأعلاف أرخص من السوق المحلية بـنسبة 50%، ويفصل الأسعار لـ : النخالة 46 ليرة للكيلو، وكيلو الشعير 84 ليرة، وكيلو الذرة بـ 65، و كسبة القطن بـ 84 ليرة سورية»، مضيفاً «آخر رفع لأسعار منتجات المؤسسة كان منذ حوالي أسبوعين حيث ارتفع كيلو النخالة من 25 ليرة إلى 46 ليرة نتيجة رفع المطاحن للسعر، ورغم ذلك تبقى أرخص من السوق حيث يصل سعرها إلى 80 أو 90 ليرة للكيلو.
الأسعار سترتفع أكثر قبل العيد
وكما اعترف مدير مؤسسة الدواجن، يعترف مدير مؤسسة الأعلاف بأن المؤسسة لا تغطي سوى ما بين 12 إلى 15% من حاجة السوق المحلية من منتجاتها، ما يعني أن التجار يتحكمون بـ 85% المتبقية!
وبأن «الأسعار ستنخفض خلال شهر رمضان وتحديداً بعد الأسبوع الأول، بينما ستعاود الأسعار الارتفاع كلما اقترب عيد الفطر ليعود السعر لينخفض بعد هذه الفترة، نتيجة تحكم المربين بإنتاجهم تبعاً لمواسم الأعياد».
مطالب المنتجين
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن القرار الذي صدر بمنع استيراد الكسبة، بذريعة الحفاظ على القطع، وتسويق المحلي منها، كان أحد الأسباب في رفع التكلفة على المنتجين باعتبارهم يستحوذون على النصيب الأكبر من السوق، حيث قال أحدهم إن أسعار الكسبة المحلية أعلى من أسعار المستورد منها بحدود 10-15%، على الرغم من تدني مواصفاتها والقيمة البروتينية فيها، حيث يذهب الفارق إلى معامل الزيوت التي تعتبر الكسبة من مخلفاتها، وبموجب القرار بات التجار محتكرين لهذه المادة يتحكمون بأسعارها لمصلحتهم، ما يؤدي عملياً لارتفاع سعر المنتج النهائي، أو سنكون تحت رحمة المستوردين الذين يتحكموا بالسوق من الطرف الآخر.
وقد طالب باسم المنتجين بدور فاعل للدولة على مستوى تأمين مستلزمات الإنتاج كافة، وخاصة الذرة والكسبة عن طريق مؤسسة الأعلاف، باعتبارها تمثل ثلث كلفة الإنتاج تقريباً، مشيراً إلى أن الكثير من المنتجين ملتزمون ضمناً بالحدود الدنيا للأرباح من أجل استمرار عملهم والحفاظ على منشآتهم، التي تتضرر يوماً بعد آخر لمصلحة التجار والمستوردين.