«مافيا» المازوت تعمل على الملأ.. و95% من ريف دمشق تخرج عن سيطرة «حماية المستهلك»

لم يكن باب منزلها الفقير الذي ملأته رائحة «المازوت»، مفتوحاً للضيوف العاديين، فقد كان زوار «أم علي»  في  الخمسين من العمر، سائقي سرافيس وشاحنات صغيرة وغيرهم من طالبي مادة «المازوت» إما للمتاجرة أو الحاجة، حتى تحول البيت الفقير بمنطقة الدويلعة بدمشق،  إلى مقر تجارة«سوداء» يدر عشرات آلاف الليرات يومياً وأمام الجميع.

المحطة مغلقة و«أم علي»

تغطي الحاجة؟!

 قاسيون  توجهت بزيارة سرّية إلى منزل «أم علي»، لمعاينة تجارتها غير الشرعية بعد أن حصلنا على عنوانها من أحد سائقي سرافيس «جرمانا-باب توما»، حيث كانت عدة «بيدونات» ممتلئة بالمازوت مصطفة أمام باب المنزل وكلما جاء زبون وأفرغ مافيها، قامت المرأة بتعبئتها من جديد بواسطة صنبور خلف الباب.

يقع منزل «أم علي» مقابل محطة «زغلول» للمحروقات على طريق دويلعة -جرمانا، وعلى الرغم من أن المحطة مغلقة معظم أيام الأسبوع، إلا أن المازوت متوفر لدى هذه المرأة بشكل دائم وبالكميات المطلوبة لكن بأسعار خيالية، فوسط ازدحام الزبائن أمام المنزل وبشكل علني، طلبت «قاسيون» تعبئة 5 براميل لمعمل صغير، حينها ضحكت أم علي وطلبت  100 ألف ليرة سورية.

وبحسب أحد سائقي السرافيس، فإن«أم علي» ليست الوحيدة التي تتاجر بالمازوت، بل هناك أسواق كاملة لتجارة هذه المادة، ومن هنا كان توجه «قاسيون» إلى سوق سوداء حقيقية وعلنية أمام الجميع بالقرب من مخيم جرمانا بمنطقة تدعى الطبالة وهي تابعة إلى محافظة ريف دمشق.

سوق سوداء علنية 

وبضاعة مغشوشة

حوالي الـ10 شاحنات صغيرة الحجم والتي  تدعى«طرطيرات»، كانت مركونة في الشارع، وأمامها التجار ينادون على بضاعتهم ويضاربون بالأسعار على بعضهم للحصول على الزبائن، ورغم الإقبال عليهم، أكد أحد سائقي السرافيس الذي كان برفقتنا أن «غالب بضاعتهم التي يتم بيعها بسعر مرتفع، تكون مغشوشة إما بالماء أو متلاعب بكمياتها عبر وضع صفائح حديدية داخل البيدونات على سبيل المثال».

أشخاص يتاجرون بالمازوت على عتبة منازلهم دون مساءلة، وعربات شكلت سوقاً علنية للمتاجرة بالمادة، وكازيات ترفع السعر على المواطنين، إلا أن السؤال الذي تراود لسائقي السرافيس والزبائن، هو كيفة حصول هؤلاء التجار على المادة رغم شحها في المنافذ النظامية؟  وكيف لا تقمع هذه الظاهرة كونها علنية؟، مايثير التكهنات حول وجود صلة وصل بين المصدر الرئيسي   للمادة في الدولة وهؤلاء التجار بما يشبه عصابات المافيا.

«قاسيون» توجهت إلى مدير شعبة حماية المستهلك في مديرية حماية المستهلك بريف دمشق، علي مظلوم، الذي قال إنه «من غير المنطقي أن يكون هناك تواطؤ بين أصحاب الكازيات وتجار السوداء، كون صاحب الكازية قادر على بيع المادة بطرق أخرى تحسباً من تعرضه للمساءلة إن تم القاء القبض على التاجر، كأن يقوم ببيعها داخل الكازية بأسعار مرتفعة للمضطرين، وكانت هناك ضبوطات كثيرة من هذا النوع، أو بيعها لأصحاب المعامل والورش»

مازوت مهرب

وصعوبة في ضبط المخالفة

وأضاف مظلوم، إنه «هناك كميات كبيرة من مادة المازوت تهرب من لبنان إلى سورية لمصلحة تجار السوداء، وخاصة بعد أن  قارب سعر اللتر في السوق السوداء سعره في الدول المجاورة، وهذا ما قد يفسر تواجد المادة بكثرة لدى التجار رغم شحها  ما اكدته لنا بعض الضبوط» مضيفاً أنه :«هناك أشخاص يتاجرون بمخصصاتهم من مادة المازوت الخاص بالتدفئة، لكن للأسف من الصعب ضبط هذه الحالات دون وجود شكاوى واضحة».

وعن صعوبة ضبط جميع المخالفات، قال مظلوم إنه «هناك مناطق كثيرة خرجت عن تغطية دوريات حماية المستهلك في ريف دمشق، وكان آخرها منطقتي النبك والقطيفة« مشيراً إلى أنه  من أصل حوالي الـ20 دورية في المديرية هناك 8 دوريات تعمل فقط، بنسبة تقل عن  %5 من التغطية اللازمة لمحافظة ريف دمشق ككل بسبب التوترات التي تشهدها، وقد تمت الاستعانة بالدوريات المتوقفة لتكثيف عمل الدوريات الأخرى في المناطق الآمنة».

وأردف مظلوم إن «بيع المازوت عبر الشاحنات الصغيرة «طرطيرات» ممنوع نهائياً، فمن شروط ترخيص توزيع المازوت عبر السيارات هو وجود ميكانيك وشهادة السياقة، وسند إقامة، عدا عن وجود موافقة من البلدية المعنية ومن إحدى الكازيات لتزويد هذه السيارة بالمازوت، وعليه يشترط وضع اسم الموزع بشكل واضح على العربة مع مكان البيع واسم المحطة والسعة المحمولة، وهذا ماقد ينبه المواطنين لمعرفة البائع النظامي من غيره».

لاتُغلق المحطة

ولو باعت بسعر زائد!

وحول عقوبات المتاجرة بالمازوت، قال رئيس شعبة حماية المستهلك في مديرية حماية المستهلك بريف دمشق إن «أغلب الضبوطات بهذه الخصوص كانت بخصوص البيع بسعر زائد، أو الإمتناع عن البيع، أو التصرف بالإحتياطي، أو التلاعب بالكيل، وجميع هذه الأفعال يعاقب عليها المضبوط بتحويله إلى القضاء مع إغلاق المحطة، ماعدا البيع بالسعر الزائد في المحطات، والتي لا تؤدي إلى إغلاق المحطة ويصالح عليها بمبلغ مادي معين».

وأشار مظلوم إلى أنه  «لم تضبط المديرية حتى الآن أي حالة لشخص يتاجر بمادة المازوت المدعوم في منزله، وإن ضبط ذلك، فيكون الجرم هو الإتجار بمادة مدعومة وإحداث تأثير في السوق، وعلى هذا ينظم الضبط اللازم وتحجز المادة ويحول الشخص إلى القضاء» مضيفاً أن «الصهريج المرخص والمحمّل بالمادة يخالف في حال غير خط سيره أو قام بالتعبئة من محطة أخرى».

وضبطت مديرية حماية المستهلك في ريف دمشق خلال عام 2012 حوالي 210 مخالفات بخصوص المحروقات مازوت وبنزين  لكازيات وصهاريج وسيارات مرخصة وغير مرخصة، ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر شباط كان هناك حوالي 16 ضبط مخالفة بخصوص المحروقات.

صعوبة في العمل

 وقانون قد يحد من المتاجرة

ومن جهة أخرى، أكد مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنه «هناك صعوبة في إقناع الدوريات بالخروج وضبط حالات المتاجرة هذه، وخاصة في بعض المناطق التي تشهد توترات أمنية حتى لو في فترات متباعدة، عدا عن تعرضهم للإعتداء بعض الأحيان، ما قلل نسبة الضبوط في الفترة الأخيرة، وخصوصاً مع تصاعد التوترات الأمنية التي طالت مناطق جديدة أصبح الوصول إليها أمراً صعباً جداً ويعرض حياة عناصر الدوريات للخطر».

 وكان نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، قدري جميل، قال سابقاً، إنه «هناك فساد في بعض المؤسسات بخصوص المحروقات الأمر الذي أدى إلى زيادة الخلل بين العرض والطلب   مشيراً إلى  العمل على إنشاء محطات وقود صغيرة ضمن مدينة دمشق وإعطاء تراخيص لإنشاء محطات أخرى كبيرة لحل أزمة توزيع المحروقات» معطياً التوجيهات إلى مدراء التجارة الداخلية في محافظة دمشق وريفها معاملة المحطات المخالفة على أساس العقوبات الجديدة لقانون حماية المستهلك.

وأقر مجلس الوزراء في جلسته بداية الشهر الحالي، القانون المتضمن تعديل بعض أحكام قانون حماية المستهلك رقم 2 لعام 2008، والذي قالت مصادر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنه «سيحد من استغلال تجار السوداء والتلاعب من قبل عمال الكازيات، حيث ينص على سحب ترخيص كل محطة مخالفة لمدة عام كامل ووضعها تحت تصرف شركة محروقات».

وبهدف معالجة مظاهر الخلل في عمل لجان توزيع المحروقات في المحافظات قرر مجلس الوزراء إلغاء الآلية المعتمدة سابقاً في تشكيل هذه اللجان وتكليف المحافظين بترؤسها وإعادة تشكيلها بما يتوافق مع طبيعة محافظاتهم وأوضاعها العامة.

وتعاني البلاد من حصار إقتصادي خانق طال معظم القطاعات الإقتصادية، ما أدى إلى وجود نقص في المحروقات، عدا عن صعوبة نقل هذه المواد بين المحافظات نتيجة استهداف الصهاريج وسرقتها بعض الأحيان من قبل جماعات مسلحة.