بيروقراطية... وفساد.. وتلوث مياه الشرب
بعد معاناة طويلة من تلوث مياه الينابيع التي تروي العنازة وبعض جيرانها، قامت الجهات المعنية بعقد الاجتماعات وإصدار البيانات وأكثرت - كالعادة – من تحليلاتها واستنتاجاتها إلى أن وصلت بعد وقت ليس بقصير إلى أولى خطوات الحلّ.... ولكن الأسئلة التي تفرض نفسها... بعدماذا... وكيف.. ومتى...؟؟؟؟ ولكن البداية المتأخرة انطلقت على مبدأ أن تصل متأخراً خير من أن (لا تصل أبداً).. والخاتمة توضح.
سنوات ومياه الصرف الصحّي تتسرب مباشرة (ودون عوائق) إلى النبع الذي يروي البلدة فازادت نسبة التلوث إلى حد مرعب حسب نتائج التحليلات الجرثومية والكيميائية وبقيت الحال وزادت سوءاً مع مرور الزمن وازدياد عدد السكان الذي كان منذ ثلاثة عقود ما يقرب من 4500 نسمة ليصل إلى 7000 نسمة بداية القرن الحالي واليوم....أكثر بكثير.؟؟؟ وأفضل الحلول كان حينها هو توقيف ضخّ المياه إلى المنازل ليزيد معاناة النقص الشديد بالتلوث، حيث كان وقف الضخ يستمر إلى أيام طويلة وإيجاد حلول إسعافية قامت بها البلدية العتيدة بتزويد البلدة بالمياه بنقلها بالصهاريج والكثير من اشتراها على نفقته لضعف (إمكانيات البلدية).
إن مصادر التلوث في هذه البلدة تتركز في سوء تمديدات شبكة الصرف الصحي ووجود مكب نفايات قريب جداً من البلدة (يتوسط البلدة اليوم حسب المخطط التنظيمي الجديد) ففي بداية هذا القرن وبعد سنوات المعاناة قامت البلدية بإجراءات فورية مبنية على تقارير رسمية حول تلوث مياه النبعين الأساسيين بإعطاء التعليمات لمباشرة استملاك أرض «وبالسرعة القصوى» لبناء محطة معالجة للصرف الصحي وجاء قرارها رقم/3179/ص/ف/م تاريخ 29/5/2001 وبعد أشهر اجتمع مكتبها التنفيذي وأعطى الموافقة على المشروع بالقرار رقم /19/ تاريخ 11/9/2001 مع إعطائه صفة «الاستعجال» عملاً بالمادة/28/من المرسوم التشريعي رقم/20/ لعام /1983/ .وبناء على ما تقدم تمت دراسة عدة مواقع واستقر الرأي من اللجنة المختصة على (جزء من العقار 140) وبعد صولات وجولات وبيروقراطية مملة لا تتناسب اطلاقاً مع صفة (الاستعجال) تمت دراسة الموقع بالتعاون مع المختصين والمعنيين (خدمات فنية وبيئة وغيرها ) وتوصلوا إلى قرار استملاك الأرض على أنها تناسب هكذا مشروع من حيث الموقع والتربة....؟ بالرغم من عدم وجود أية وثيقة رسمية في اضبارة الاستملاك في بلدية العنازة تثبت أن هذا الموقع صالح لبناء ذلك المشروع وجاء قرار الاستملاك رقم/8511/ وبدون تاريخ لجزء من العقار /140/ العنازة رقم 48/5 لتنفيذ مشروع محطة معالجة صرف صحي عليه وفق مخطط استملاكي رقم/2/ تاريخ 11/12/2001 وجاء مبنياً أيضاً على تقرير فني من لجنة مشكلة من أكثر من سبعة مختصين لتثبيت مكان المشروع وبتوقيع كل الأعضاء في اللجنة وبناءً عليه تم استملاك /3290/ م2 من العقار المذكور بسعر للمتر /60/ ل س وقُدرت الأشجار بسعر /144000 / ليكون المبلغ الإجمالي /144000 + 197400=341400 /ل س حسب وثائق البلدية.
وبعد جهد كبير وسنوات من استدراج لعروض نجحت إحدى الجهات العامة في اقتناص الفرصة (مديرية السدود في وزارة الِري) وكان عملها في حينها يشمل ثلاث محطات للمعالجة، واحدة في قرية خربة المعزي وأخرى في قرية تعنيتا والثالثة في ناحية العنازة وكلها في محافظة طرطوس......و بدأ العمل منذ عدة سنوات حتى تم انجاز محطتي خربة المعزي وتعنيتا ودخلتا الخدمة الفعلية بتاريخ تقريبي 25/11/2012 أما محطة العنازة فلم يُحرك بها ساكن...؟؟؟؟ وحسب بعض المصادر المطّلعة فقد استقدمت الشركة المتعهدة آلياتها وبدأت العمل وقلعت الأشجار ومهّدت الأرض(وهذا واضح في الموقع) ومن ثم أوقفت العمل وسحبت معدّاتها ورحلت إلى غير رجعة والسبب كما يقول مصدر مسؤول في البلدية أن الشركة المتعهدة قد أجرت دراسة من قبل (مختصين) بالتربة وجاء تقريرها الرسمي جداً (بعدم صلاحية) هذا الموقع للبناء لأن (الأرض منزلقة).... وتوقف بل أُلغي المشروع.
أسئلة كثيرة تفرض نفسها ولعل أهمها أنه هل كانت... وهل ما تزال... والأهم هل ستبقى آلية العمل الخرقاء تحكم وتتحكم في صحتنا ومياهنا ومصائرنا...؟؟ هل من خفايا حول الاستملاك..؟ وهل كانت العقلية السائدة بقراراتها أهلاً لإتخاذ مثل هذه القرارات؟؟ وهل يحق للشركة المتعهدة التنصل رغم تأكيد البلدية لصلاحية الأرض للبناء وهي التي أقرت ذلك بخبراتها الفنية والبيئية...؟؟ من المخطئ..ومن المسؤول؟؟؟ وهل تمت محاسبة أو مساءلة أحد...؟؟؟.
كلها أسئلة وغيرها الكثير والأهم أن البلدة بقيت تحت رحمة الطبيعة ومياهها مهددة إن لم يكن من البشرفهي من الهطولات المطرية التي تتناسب طرداً والحرمان من هذه النعمة بالحد الأدنى بسبب العكارة التي تتسبب بوقف الضخ، نأمل أن يكون قرار إبعاد مكب النفايات وإعادة تأهيل تمديدات الصرف الصحي أواخر العام الماضي في هذه البلدة، له الأثرالمرجو في إزالة التلوث أوحتى التقليل منه ريثما يتم العلاج الكامل وحسب رئيس البلدية أن محطة معالجة للصرف الصحي قيد التنفيذ وتخدّم قطاعا أوسع وأشمل قيد التنفيذ كما ستُنقل النفايات من المكب (الجديد المؤقت... ؟) إلى معمل خاص بتحويل النفايات والمواد الصلبة...!!!
.....و كالعادة ...لا حسيب ولا رقيب، والمتضرر الوحيد هو المواطن الذي لا ينفك يتغنى ببيت من الشعر: (لقدْ أسمعت إِذْ ناديتَ حيّاً ولكنْ لا حَياةَ لمنْ تُنادي).