حتى الأنقاض!..  هل تفعلها «حكومة تصريف الأعمال» لإسقاط نموذج ما بعد الحرب العالمية؟

حتى الأنقاض!.. هل تفعلها «حكومة تصريف الأعمال» لإسقاط نموذج ما بعد الحرب العالمية؟

لم يأخذ تصريح  وزيرة الدولة لشؤون البيئة العام الماضي بخصوص تشكيل لجان «تضع حلولاً للتجميع  والتخلص الفني وإعادة تدوير مخلفات الأبنية المهدمة» الصدى اللازم حينها، كون الوزيرة لم تقدم أي تفاصيل فنية أو آلية واضحة لذلك، حتى جاء التصريح «الصادم» هذا العام من قبل معاون وزير الأشغال العامة معلا خضر، بأن لجنة خاصة بالوزارة أنجزت دفتر الشروط والمواصفات الفنية فيما يتعلق بإعادة تدوير الأنقاض الناتجة عن الأبنية المتهدمة تمهيداً لإعادة الإعمار.

إعادة التدوير بحد ذاتها لم تكن المشكلة بالنسبة للعديد من المواطنين، الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم في المناطق الساخنة، بل كانت الصدمة الكبيرة في أن دفتر الشروط الفنية أشار إلى إمكانية إعطاء الحق لمستثمر بهدم ما تبقى من مباني متضررة هي ملك لهم، لجمع الأنقاض وإعادة تدويرها و«بيعها للدولة» إن أمكن، أي أن البيع قد يكون للمواطن «ربما».

مالم تهدمه الحرب يهدمه مستثمر!

وبحسب دفتر الشروط، سيقوم المتعهد بهدم ما تبقى من أبنية متضررة أو مهدمة جزئياً بفعل الحرب، ثم تجميع «الأنقاض فقط» أو أن يقوم بأخذ الأنقاض المهدمة ويعيد تدويرها والتي يمكن أن «تشتريها منه الدولة»، دون توضيح مصيرها إن لم تشتريها «الدولة»، أي أنه من الممكن أن تتم عملية بيع وشراء بين المتعهد و«الدولة» لممتلكات المواطنين المهدمة، دون الإعلان عن آلية عقد الصفقة مع المتعهد بشكل واضح، أو كيفية الحفاظ على حق المواطنين بتقرير مصير ممتلكاتهم المتضررة.

أثار هذا الإعلان استياء الكثير من النازحين، الذين باتوا «يتلقون الصدمات واحدة تلو الأخرى، فرغم خسارتهم لمنازلهم وممتلكاتهم بفعل الحرب، سيكون من حق أحد التجار شراء أنقاضها بعد هدم الأجزاء الصامدة منها بحجة إعادة الإعمار، دون الرجوع إليهم!» على حد تعبير بعضهم.

و«كان من المفترض، أن يكون هناك دور للمواطنين بدراسة هذا التوجه أساساً، قبل وضع دفتر الشروط والخوض بالتفاصيل لتكون النتيجة قرارات مفروضة، مغطاة بشعارات فضفاضة كـ إعادة الإعمار»، على حد تعبير وسام أحد النازحين من القدم بريف دمشق.

الحكومة تبحث عن المناطق المربحة!

وتابع «علمت أن جزءاً من منزلي دمر، والجزء الثاني سوي على الأرض، وكنت آمل أن أعود لأقوم ببناء ما تهدم وصيانة ما تضرر، ولا أعلم بأي حق سيعطى أحد التجار تفويضاً بشراء أنقاض منزلي من الحكومة وليس مني، أو بأي حق سيقوم بهدم الجزء المتبقي منه؟».

لؤي بركات مدير عام الشركة العامة للطرق والجسور، يقول إن «المناطق ذات الكثافة السكانية البسيطة قد لا تخضع لهذه العملية، بينما سيطبق هذا الطرح في المناطق ذات الكثافة العمرانية الكبيرة والأبنية المرتفعة، أي في المناطق التي يكون فيها جدوى اقتصادية من إعادة تدوير أنقاضها» على حد تعبيره.

منزل وسام في القدم قد لا يكون ذو جدوى اقتصادية بالنسبة للحكومة، لأنه يقع في منطقة ليست بكثافة عمرانية كبيرة، لكن، ستكون هناك مساحات واسعة في مناطق دمرت بشكل شبه كامل، ذات «جدوى اقتصادية» من وجهة نظرها،  وبالتالي كلما كان هناك عدد أكبر من المواطنين المتضررين كلما كانت القضية أربح!.

هل تفعلها 

«حكومة تصريف الأعمال»؟

بركات يقول «هناك مناطق مدمرة فيها حجم كبير من الأنقاض، وكان لابد من اتخاذ إجراءات بهذا الصدد»، علماً أن كثيراً من المناطق المدمرة بشكل كبير مازالت خارج  السيطرة، ما يعني أن الحاجة الملحة لإعادة إعمار تلك المناطق لم تحن بعد!.

نزار أيضاً نازح من مخيم اليرموك، يقول إن «حكومة تصريف الأعمال الحالية تعمل على مبدأ (أكثر من أرباحك قبل فوات الأوان)، وبالتالي قد تقوم من الآن بعرض المناطق المدمرة ضمن مناقصات على مستثمرين، ونحن جالسون هنا (نموت مية موتة) لمعرفة حال منزلنا الذي احتله المسلحون!». 

بركات أكد أن ما تم إعلانه على لسان معاون وزير الأشغال العامة عبارة عن عرض ضمن ورشة عمل، ولا تزال هناك لجان قانونية وإدارية من قبل وزارة العدل ووزارة الإدارة المحلية تدرس حالياً الشق الإداري والقانوني للمسألة، لضمان حقوق المواطنين على حد تعبيره، مشيراً إلى وجود «ممثل عن المواطنين» ضمن اللجان، لم يحدده!.

إسقاط لما بعد الحرب العالمية!

وتابع في حديث إذاعي أن التفاصيل التي يستفسر عنها  البعض لم تصدر بعد، وما قامت به وزارة الأشغال هو إنجاز الجزء الفني فقط، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه «يمكن تطبيق هذه الآلية في كل منطقة يحررها الجيش السوري، لكن ضمن سياسات واضحة».

ووفقاً لبركات فإن فكرة إعادة تدوير الأنقاض بهذا الأسلوب، جاءت بعد دراسة بعض الفنيين لإعادة تطبيق ما حدث عقب الحرب العالمية الثانية في بعض المدن الأوروبية المدمرة، مشيراً إلى أن «أكثر ما يمكن الاستفادة منه بإعادة تدوير الأنقاض هو طبقات تأسيس الطرق، والأطاريف والحواجز الطرقية، بينما لا جدوى اقتصادية من غير ذلك».

وأردف «من الممكن استخدام الأنقاض بعد إعادة تدويرها بصناعة مواد البناء و(البلوك)، لكن ينتج عن ذلك عدة عيوب كتسرب المياه وما إلى ذلك، وبالتالي لا جدوى اقتصادية منها» على حد تعبيره.

خلاصة القول: الحكومة عازمة على «نتف» ما تبقى من ريش للمواطن، لمصلحة ولحساب التجار والمستثمرين.