محمد هاني الحمصي محمد هاني الحمصي

دمشق: نزوح من الأطراف وإيجارات خيالية..

تعود مشكلة ارتفاع أجور السكن إلى الواجهة من جديد. فعلى الرغم مما يتعرض له المواطن السوري من مصائب وأزمات على أيدي المستغلين وتجار الأزمات، وبعد أزمة المازوت والبنزين والخبز والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الاستهلاكية، جاءت أزمة ارتفاع إيجار العقارات السكنية في المناطق الآمنة لتزيد من هموم السوريين ومعاناتهم ولتصب الزيت على النار في هذه الظروف الكارثية التي تمر بها البلاد.

 

فعلى خلفية الأوضاع المأساوية في ريف دمشق خلال الشهور الماضية اضطر الآلاف للنزوح إلى العاصمة وإلى أماكن أقل اضطراباً وأكثر أمناً، (كشارع الثورة، العمارة، جرمانا، وضاحيتي الأسد وقدسيا)، غير أن أسعار إيجارات هذه المناطق ارتفعت بشكل غير مسبوق من قبل، على الرغم من أن سورية تصنف ضمن قائمة أهم دول العالم من حيث غلاء وارتفاع أسعار العقارات وإيجاراتها.

الحصول على السكن هو المراد...

بعد تدهور الأوضاع في عدة مناطق من ريف دمشق، كان من الطبيعي أن تشهد المناطق الآمنة في العاصمة إقبالاً شديداً من النازحين والمهجرين. ولعل هذا السبب الأبرز في تنشيط حركة سوق الإيجارات بشكل غير مسبوق في مناطق عدة منها (صحنايا – جرمانا)، التي غصت بالمستأجرين من مختلف المناطق، ولترتفع أسعار الإيجارات فيها إلى الضعف، حتى أن عدد الشقق الفارغة في المنطقتين المذكورتين أعلاه بات يعد على أصابع اليد الواحدة، ومن الصعب جداً إيجاد شقة فارغة قبل ثلاثة أشهر على الرغم من وجود حركة بناء نشطة في هذه المناطق قبل الأزمة، إلا أن الطلب أصبح أكبر من العرض بكثير، وصولاً إلى أن الحصول على شقة فارغة حتى وإن كانت لا تلبي طموحات المستأجر وبأسعار مضاعفة يبقى بدوره هو الهدف (الحاجة الملحة).

أجور السكن تتضاعف....

أصبحت «الشقق السكنية» تشكل سلعة رئيسية لعمل أصحاب المكاتب العقارية وتجار العقارات من ذوي النفوس الفاسدة، على أرضية استغلال ظروف الأزمة إلى أبعد الحدود وجني الأموال تكريساً لمعاناة الناس.

حيث تشهد أحياء مثل (العمارة، السمانة، المزرعة، العدوي، المزة، ضاحية قدسيا، ضاحية الأسد) وغيرها ارتفاعات غير مسبوقة في إيجار العقارات والشقق السكنية تتجاوز حاجز 40 ألف ليرة سورية للشقق المفروشة و20 ألف للشقق غير المفروشة، أي زيادة بنسبة 60% عن السنوات السابقة، وبما يزيد على معدل راتب المواطن بنحو الضعفين.

وفي ذلك يقول «أبوعلي» وهو صاحب أحد المكاتب العقارية في منطقة شارع الثورة: «إن الفجوة بين أجور المنازل في الوقت الحالي والسابق باتت واضحة، حيث تضاعفت الأجور حتى في الأحياء الشعبية القديمة في مدينة دمشق، كما أن الطلب على الإيجار قد ازداد لأكثر من أربعة أضعاف مما كان عليه سابقاً، وهذا ما جعل السكن حلماً بالنسبة للمواطن السوري محدود الدخل. واستغلال ظروف الأزمة من أصحاب المنازل والتجار بدا واضحاً، فالشعب في أزمة وعملية النزوح مستمرة والمسألة مرهونة بضمائر التجار وأصحاب الشقق السكنية».

المشاكل الأمنية

يقول «ضياء»، وهو من قاطني منطقة «حزة» في الغوطة الشرقية: «خرجت أنا وعائلتي من منزلنا بسبب تواجد المسلحين في هذه المنطقة. استمرار القصف والاشتباكات بين المسلحين والجيش النظامي، لم يسمح لنا بإخراج أي شيء من منزلنا، وتوجهنا إلى شارع بغداد، وبعد عناء مضنٍ بالبحث عن شقة مفروشة تأوينا وجدنا منزلاً من غرفتين، مساحته 70 متراً، وبإيجار لمدة ثلاثة أشهر 75 ألف ليرة دون أي مجال للمراعاة أو النقاش، والدفع مسبقاً».

وقفة مع آراء الناس

ــ «أبو سعيد»، وهو من سكان «كفر بطنا» متزوج ولديه طفل واحد، يقول «إنه جاب كل أحياء دمشق بحثاً عن شقة يستأجرها ليقيم فيها مع أسرته ضمن حدود دخله المحدود والشروط المعقولة، انتظاراً لعودة الهدوء إلى منطقته، لكنه لم يجد ما يناسبه وإن وجد فإن العروض تفوق قدرته المادية. وبعد أن أقام لفترة طويلة في أحد فنادق مدينة دمشق، وبعد تأكده بأن الصراع في منطقة الغوطة الشرقية طويل الأمد، التجأ إلى منزل عمه في منطقة «باب مصلى». وقد وصف «أبو سعيد» تجار العقارات بـ «تجار الدم»، حالهم حال تجار الأسلحة وعصابات التهريب، تجلس تفتخر بما جنته من أرباح، لكنها لا تكترث لما يسفك من دماء في سورية بفعل هذه التجارة القذرة».

ــ ويقول «أبو شادي»، وهو من سكان منطقة «المخيم»: «لقد اضطررت للفرار مع عائلتي على خلفية الأحداث الساخنة في المخيم، وبحثت عن منزل للإيجار في إحدى المناطق الهادئة، لكن الشروط التي وضعها التجار وأصحاب المكاتب العقارية كانت تعجيزية، فهمهم الوحيد تحقيق الربح، في ظل عدم وجود ضابط قانوني يحدد أسعار إيجارات السكن، فقط يقوم القانون بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

يجب على الحكومة الحالية أن تقوم بوضع قانون للقيام بملاحقة المكاتب العقارية ومحاسبتهم، وتحديد أسعار الإيجارات لكل منطقة بما يتناسب مع الدخل المحدود للمواطن».

ــ «أبو رامي»، وهو من سكان منطقة «القدم» يقول بحسرة: «هجرت أنا وأطفالي بعد أن فقد الأمن والأمان في هذه المنطقة، نتيجة الصراعات والاشتباكات المستمرة بين طرفي الصراع. بدأنا بالبحث عن شقة للإيجار، وبعد طول عناء استطعنا إيجاد منزل لا تتجاوز مساحته 65 متراً، غير مفروش وغير صحي تماماً، في منطقة الزاهرة بمبلغ 15 ألف ليرة مع تحمل دفع رسوم الفواتير إضافة إلى دفع أجرة عن ثلاثة أشهر مقدماً وكمسيون 12% للمكتب العقاري».

خلاصة الكلام

إن ارتفاع الإيجارات يشكل عبئاً جديداً على كاهل الفقراء، الذين لم يصحوا بعد من ضربة الارتفاع الجنوني لأسعار الغاز والمازوت والمواد الاستهلاكية المختلفة وأجور النقل، حتى جاءتهم أزمة السكن لتوقعهم في شباك تجار الأزمات، الذين افتقدوا لأي حس بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية بعد أن أصابتهم حمى الجشع وجمع الأموال. كل ذلك على مرأى من الجهات المختصة في الدولة، دون أن تحرك ساكناً. فهل من مجيب؟