لا حرية مع الفساد
يقلل بعض السوريين أحياناً من أهمية المطالبة بضرب الفساد الكبير، ويتجاهلون دون قصد المفاعيل الكبيرة لهذا الاستحقاق على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وصحيح أن معظم السوريين التفوا مؤخراً حول شعار «الحرية» باعتبارهاختصاراً وتكثيفاً للمطالب، لكنهم حتى الآن لم يتمكنوا من تحديد العقبة الأكبر التي تقطع السبيل إلى تحقيق هذا الشعار.
ولكن مع قليل من التدقيق، سيجد الناس أن الحائل بينهم وبين مطالبهم التي يلخصونها بـ«الحرية» هو الفساد، والكبير منه تحديداً.. فلا حرية بوجود هذا الفساد.. ولا إصلاح بوجوده أيضاً، ولذلك يجب أن نكون واعين حين نعلن ما نريد، وجازمين حين نعمللتحصيل ما نريد.
يجب أن نصل إلى تلك النقطة من الالتقاء، حيث نؤمن جميعاً بأن ضرب الفساد الكبير يعني عملياً تحريك سورية بالاتجاه الصحيح، ويعني وضعها على سكة لا تحيد عنها، لتصل بعزم آبنائها وقواها السياسية الشريفة إلى تحقيق المساواة والعدالة بين الجميع بمايصون كرامة وحرية الجميع تحت سقف الوطن.
ليكن شعارنا اليوم وغداً شعاراً واضحاً ومحدداً، نرفعه دون تعب حتى ذلك الصباح الذي نحقق فيه كل تطلعاتنا كسوريين.. ليكن شعارنا: «لا حرية مع الفساد»، فمن الواضح أنه لا إصلاح دون ضرب الفساد.
إن رهن نيل «الحرية»- وهي مختصر الأماني- بضرب الفساد ليست مناورةً يراد بها «اللهو» بالمصطلحات، وإنما هي محاولة لتكثيف الضوء حول مسألة شديدة الأهمية مفادها أن الفاسدين قد يعملون على منع الناس عن حريتهم وصولاً إلى منهحم حريةً«صورية» لا معنى لها، وذلك فقط ليستمروا بفسادهم، وحرية من هذا النوع ستبكي قلوبنا جميعاً لأنها لا تلبي نداء الدماء التي بذلت في هذا السبيل.
أما الحرية التي تستحق الموت لأجلها، والتي ستلبي نداء عشرات الشباب السوريين الذين استشهدوا، فهي تلك الحرية التي يعلو فيها صوت الشعب على صوت سارقيه، فيطردهم وينتهي منهم إلى الأبد.. أما إذا بدأت مسيرة الإصلاح وتم منح الناس بعض الحرياتالتي يمكنهم من خلالها كيل الشتائم والتشهير بالفساد دون ضربه ومحاسبته فهنا ستكون الطامة الكبرى.. إذ سيكون الفساد نفسه هو من منح الناس حريتهم.. وذلك للأسف بعد أن هضمها و«أخرجها».. وسكب الماء!.
الحرية الزائفة ليس لها معنى.. ولنا في الحرية اللبنانية مثال على ذلك.. ولنسأل أنفسنا: هل قضت الحرية «الصورية» في لبنان على الفساد في إداراته وأحزابه وطائفيته؟!
كلنا مع الحرية.. ولكننا لن نقبل أبداً أن تكون ثمرة الدماء السورية حريةً زائفةً، ولهذا فكلنا ضد الفساد!.