الدعاوى القضائية: إرث الآباء للأبناء
على الرغم من أهمية الجهاز القضائي، وما يتمتع به من استقلالية، وما يمتلكه من كفاءات وخبرات مهنية وقضائية عالية تلتزم الدقة والموضوعية معياراً لعملها وأداة لضمان حقوق المواطن، ومحاسبة الجناة، إلا أن النظام القضائي في سورية يعاني من تسلط الروتين والبيروقراطية على أساليب عمله، ما يحد من سرعة عمل هذا الجهاز في الفصل في الدعاوى المقدمة إليه، حيث أن عمر أي قضية داخل أبنية القضاء في بلدنا يتخطى على أقل تقدير خمسة أو ستة أعوام هذا إذا كانت القضية بسيطة وغير معقدة، وتتوفر فيها جميع الأدلة والبراهين على صدق الإدعاء، كدعاوى الطلاق ودعاوى التأمين.
وتمر الدعاوى القضائية في سورية بعدة مراحل، انطلاقاً من مرحلة التقديم والنظر، وما يتبعها من استئنافات متعددة وطعون. إلا أن الفترات المتباعدة بين هذه المراحل والتي تصل إلى شهر أو اثنين بين كل مرحلة، تجعل من فكرة اللجوء إلى القضاء أخر الأفكار لما تحتاجه من وقت وجهد، ناهيك عما تتطلبه من نفقات باهظة بين رسوم قضائية وأجور المحامين والتي تتضاعف كلما أزداد عمر القضية إلى درجة قد تفوق ما سيحصله المدعي من المدعى عليه في حال كانت الدعوى خاصة بأمور مادية، الأمر الذي يجعل من فكرة تخلي صاحب الحق عن حقه أوفر وأيسر من استرداده عن طريق القضاء.
أما في حال القضايا التي لا مفر فيها من اللجوء إلى القضاء كدعاوى الميراث أو إثبات الملكية لعقار ما، ففي هذه الحال قد تستمر الدعوة ما بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة، ما يجعل هذا النوع من القضايا إرثاً عائلياً على الأبناء استكمال ما بدأ به الآباء قبل عقد من الزمان. فمن يتقدم بمثل هذه الدعوى إلى القضاء في بلدنا يدرك مسبقاً أن هذا الحق الذي يدافع عنه لن يقره القضاء له في حياته، فهو يقدم على هذه الخطوة عل أبنائه يستفيدون منه عندما يحكم القضاء لمصلحتهم بعد عمر طويل.
وبهذا فإن كل ما يتميز به نظامنا القضائي في سورية من (نزاهة وكفاءة وخبرات..الخ)، يصبح عاجزاً عن إرجاع الحقوق إلى أصحابها في الوقت المناسب بأقل قدر من الوقت والجهد وبأقل التكاليف، وهو ما يدعو القائمين على هذا الجهاز اليوم إلى إعادة النظر في بعض القوانين والأنظمة التي تحكم عمله، وبالأساليب القضائية المتبعة في الفصل في الدعاوى القضائية، وذلك من أجل الارتقاء بهذا الجهاز الهام والحساس والضروري لحماية المواطن ومحاسبة الجناة، خصوصاً في ظل «الميزة الخاصة» التي يمتلكها نظامنا القضائي، حتى لا تؤثر بعض الظواهر السلبية على قدرة هذا الجهاز وما يتمتع به من كفاءات وخبرات، وحتى تتغير الصورة النمطية للقضاء في عيون المواطن وتزداد ثقته بقدرة نظامنا القضائي وإمكاناته في إعطاء كل ذي حق حقه.