رغم كل ما يجري من حرب على الفاسدين الفساد في مشفى ابن سينا مازال على قدم وساق

يعد مشفى ابن سينا الحكومي من أقدم المشافي النفسية في المنطقة، ويستقبل المرضى المصابين بالأمراض النفسية، لكن درجة التخلف لدى بعض من توافد على إدارة هذا المشفى جعله مرتعاً للفساد، وعقوبة لكل من يخالف أوامر تلك الإدارات من العاملين والأطباء، إلى أن ظهر بعض العاملين وجدوا في هؤلاء المرضى بشراً مثلهم فعملوا من أجل أن يكون المشفى أفضل مأوى لهم، لكن هيهات أن يصلح العطار ما أفسده الدهر بوجود مافيات الفساد المنظم بهمة رؤسائهم المتنفذين.

 

وفي التفاصيل، تؤكد الوثائق أن وزارة الصحة خصصت ميزانية لعمل إصلاحات وأعمال ترميم ضمن مبنى المشفى، فتم التعاقد مع الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية لدراسة وتطوير وتحديث الهيئة العامة لمشفى ابن سينا بموجب العقد رقم /38/ تاريخ 9/6/2001 ومدة تنفيذ العقد /17شهراً / ولم يتم تسليم الدراسة بشكل نهائي حتى تاريخ 31/7/2007.

المناقصة التي بلعت الملايين

أحد مهندسي القسم الهندسي في مشفى ابن سينا «المغضوب عليه» يؤكد في كتاب موجه لعدد من الجهات الرسمية أن مشروع «تطوير وتحديث مهاجع رجال أربعة» هو من أهم المشاريع التي كان سيساعد في تخفيف ضغط تواجد المرضى بكثرة ضمن المهجع الواحد، إلا انه وضمن هذا المشروع وبعد إقراره حصلت أخطاء أثناء فض العروض المالية، مما يوحي بوجود اتفاق مسبق بين لجنة المناقصات والمتعهد، حيث نص المشروع على ترميم وإضافة غرف جديدة إلى المهاجع الأربعة وبتكلفة مالية قيمتها 40 مليون، والمفاجأة حسب رأي المهندس أن لجنة المناقصات لم تحل العرض المالي للجنة الفنية لتدقيقه، والتأكد من الأرقام المخصصة لها، ما أدى إلى فوز العرض «الناقص والخفي والساحر» علماً إنه لم يتضمن كميات معمارية لمهجعين آخرين، مسبباً بذلك هدراً للمال العام. والغريب أن الهيئة اضطرت لإبرام ملحق عقد مع المتعهد نفسه الذي خالف عرضه الشروط المطلوبة بقيمة 10 ملايين ليرة سورية إضافية، كان المشفى بغنى عن هذه الخسارة لو تم التدقيق في وقته، وبرأيه فإن لجنة المناقصات المشرفة على العقد قامت عن سابق إصرار بالاستعجال في تحديد السعر الاقتصادي المطلوب، والبت في المشروع فوراً خلال ساعة واحدة فقط، علماً أن تدقيق العروض المالية يتطلب يومين كأقصى حد.

نقل تعسفي لمهندسين شرفاء

أصدر وزير الصحة الأمر الإداري رقم 1195/1 تاريخ 17/1/2010 والقاضي بتكليف كل من المهندس نضال سلوم وبيداء سليمان بالعمل في مديرية صحة ريف دمشق، وذلك بناء على كتاب الهيئة العامة لمستشفى ابن سينا رقم 89/ص تاريخ 12/1/2010، وباشرا عملهما في مشفى داريا ومشفى دوما بتاريخ 21/1/2010.

علماً أن كتاب الهيئة رقم 89/ص تاريخ 12/1/2010 قد تم تسجيله في ديوان الهيئة، وأرسل إلى وزارة الصحة بشكل سري، ومضمون هذا الكتاب هو الطلب إلى وزارة الصحة نقل المهندسين لعدم الحاجة إليهما، رغم عدم وجود مهندس ميكانيك أو مهندس عمارة غيرهما في الهيئة، ورغم أن ملاك الهيئة المحدد بالمرسوم التشريعي رقم 31/8/2005، والذي لم يتم ملء  كل شواغره حتى الآن يضم مهندسي ميكانيك ومهندس عمارة.

أما خلفية طلب نقلهما فيأتي من أنهما في اجتماع مجلس الإدارة المنعقد بتاريخ 8/12/2009، والذي ترأسه مدير صحة ريف دمشق، أبديا رأيهما بخصوص الإعلان عن المشاريع، وضرورة تأجيل هذا الإعلان أي المناقصة حتى تدقق الدراسة عملاً ببلاغ مجلس الوزراء رقم 7012/15 تاريخ 16/11/2008، والقاضي بضرورة تدقيق اية دراسة مضى على إنجازها سنتان، وقد قرر مجلس الإدارة وبجلسة 8/12/2009 نتيجة إصرارهما وعملاً بهذا البلاغ تشكيل لجنة من أطباء ومهندسين لبيان التعديلات الضرورية على هذه المشاريع، ومن ثم أخذ موافقة وزير الصحة على هذه التعديلات تمهيداً لتكليف الجهة المناسبة للقيام بالدراسة.

 

صفقة المهاجع الاحترازية

وبقدرة قادر وخلافاً لقرار مجلس الإدارة ولبلاغ مجلس الوزراء، ورغم عدم وجود ميزانية، تم الإعلان عن مشروعي مهاجع الرجال الحديث، والمبنى الاحترازي بكلفة تقديرية حوالي /290000000/ ل.س مئتين وتسعين مليون ليرة سورية، وقد تم هذا الإعلان بمعرفة ودعم مدير صحة ريف دمشق. علماً ان مدير الصحة كان على علم أن مشروع مهاجع الرجال الحديث قد تم التعاقد عليه في العام 2007، ورفضه وزير الصحة السابق ولم يصدق العقد لأسباب ارتفاع الأسعار، حيث ادعى رئيس لجنة المناقصات في حينه د.ر.م بأنه تم التغرير به من اللجنة الفنية من خلال إقناعه بأنه يجب عليه الموافقة على العقد لأن الأسعار سترتفع فيما بعد، وقد حاول جاهداً بعد ذلك وبمعونة المتنفذة د.د وصديق والدها وقتئذً ح.ع الذي كان في حينه مدير مكتب وزير الصحة بعرقلة تصديق المشروع والذي نجح بإقناع وزير الصحة السابق رغم موافقة مجلس الوزراء برفض المشروع، رغم مقدرته كرئيس للجنة المناقصات رفض المشروع لسبب هام، وهو زيادة أسعار العروض، خاصة بعد أن تأكد أن قيمة الكشف التقديري الذي تم الإعلان على أساسه اليوم قد ازدادت بمقدار /53000000/ ل.س ثلاثة وخمسين مليون ليرة سورية، بما يشكل نسبة تفوق 47%، وهذا يؤكد صوابية رأي اللجنة الفنية في حينه، كما إنه يعني خسارة، وهدر اً للمال العام بمقدار المبلغ المذكور أعلاه إضافة إلى خسارة عامل الزمن لأكثر من ثلاث سنوات.

 

عقد مشاريع سرية مخالفة

لكن اللافت للنظر، وكتكريم على اكتشاف المهندسين نضال وبيداء الملقبين بـ«شرفاء الوطن في الوزارة» لصفقة الفساد هذه، يجري استبعادهما كلما كان هناك إعلان عن مشاريع أخرى، فعندما تم استبعادهما وتكليفهما بالعمل في مديرية الأبنية في أواخر العام 2008، وكان وقتها د.ر.م معاوناً للمدير العام للشؤون الطبية، ورئيساً للجنة المناقصات، والحقوقية د.د عضواً في لجنة المناقصات، ومعاونة للمدير العام للشؤون الإدارية، تم الإعلان وبكل وقاحة عن ثلاثة مشاريع احتاجت كلها إلى ملاحق عقود لاحقاً!.

وفي كل مرة كان يتم استبعادهما بمعونة مدير صحة ريف دمشق ومدير مكتب الوزير حينها ح.ع للتغطية على الأخطاء الكبيرة التي يقوم بها كل من (د ر.م) و(د.د) ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

مخالفتهما لقانون العقود عندما كانا في لجنة المناقصات، حيث لم يحيلا العروض المالية لمشروع تطوير وتحديث مهاجع الرجال الأربعة إلى اللجنة الفنية لتدقيقها واستخراج السعر الاقتصادي.

تعطيل د.د لعمل لجنة تبرير المدة لأكثر من سنة ونصف، واعتذارها عن عضوية اللجنة (لقلة الخبرة) بعد كل هذه المدة، مما اضطر المشفى لطلب خبرة قاض من مجلس الدولة والذي جاء قراره مطابقاً لرأي باقي أعضاء اللجنة وهما المهندسان أنفسهما.

 

ضغط وتهديد لتمرير المخالفات

مخالفات د.ر.م، ورئيس القسم الهندسي م.م.ج بعد أن قامت اللجنة الفنية المشكلة بالأمر الإداري 96/آ تاريخ 27/10/2009، والمكلفة بالدراسة الفنية لمشروع إكساء مبنى الخدمات العامة والطبية، حاولوا الضغط على المهندس نضال سلوم، والتدخل المباشر لتغيير العلامة الفنية للأعمال الميكانيكية (وكأنهم كانوا يرغبون بفوز أحد العارضين؟)، وقد أعلم المدير العام بتلك الضغوط، وتحفظ المهندس على الطريقة التي تم فيها فض عروض الأعمال الكهربائية بالكتاب رقم 339/و/د تاريخ 21/2/2010، ولكن الإدارة والوزارة لم تحرك ساكناً، بل على العكس، وبعد أن رفضت ضغوطهم قاموا بالطلب من أحد مهندسي الميكانيك بوزارة الصحة إعادة دراسة علامة الأعمال الميكانيكية لتحقيق غايتهم. فما كان من المهندس إلا التقيد بسلم التقويم الموقع من كامل أعضاء اللجنة الفنية، ومصادقة ذلك من المدير العام وأكد المهندس لـ«قاسيون» انه على استعداد لإيضاح سبب وضعه لكل علامة ولكل عارض على حدة، ولكل بند من بنود الأعمال الميكانيكية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: إلى متى سيبقى هؤلاء يتحكمون بجميع المناقصات الخاصة بالوزارة دون أية محاسبة؟ ولماذا السماح لهم بالتلاعب بمصير وعمل موظفي الفئة الأولى (المهندسين) ونقلهم تحت شعارات براقة كمقتضيات المصلحة العامة وعدم الحاجة؟ وإلى متى ستبقى مؤسساتنا تدار بعقلية الأفراد وليس بعقلية المؤسسات؟ وهل التكليف غير المحدد المدة ولا المهمة هو شأن إداري قانوني؟.

 

يسمم المرضى فيستلم منصباً  أعلى

ومن الجدير بالذكر أن د.رم.م شغل منصب معاون المدير العام للشؤون الطبية، ورئيس لجنة المناقصات من العام 2005، وحتى منتصف العام 2009، رغم كل المخالفات التي أرتكبها، إلى أن تم تكليف بديلاً عنه وعن المدير العام بإحصاء حالات التسمم التي أصابت المرضى، والتي أدت إلى وفاة بعضهم«وهذه وحدها قضية»، والغريب أنه أعيد تكليفه كمدير عام في 20/12/2009 رغم أنه طبيب متعاقد وغير مثبت، فكيف أعيد إلى مركزه؟ العلم بالتأكيد عند من وضع يده في جيبه؟!.

وبعكس طلبه نقل المهندسين لعدم الحاجة، قام بالتمديد لعامل من الفئة الثانية، وهو م.د الذي بلغ سن التقاعد في 10/1/2010، وعلى الرغم أن الأخير لا يقوم باي عمل منذ أكثر من سنتين، بالإضافة لوجود العديد من القرارات والعقوبات بحقه، وأهمها قرار الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بكتابها رقم 11/664/9/4 ب تاريخ 12/4/1993 بصرفه من الخدمة، والأنكى من هذا ورغم مطالبة الوزارة بالكتاب رقم 1739/2/1/7/4ـ2 تاريخ 26/1/2004، بضرورة معرفة ما آل إليه موضوع صرفه من الخدمة، إلا أنه تم إخفاء الكتاب ولم يتم الرد وضاعت الطاسة، علماً أن التمديد لم يكن ليصار له لولا أنه والد د.د معاونة المدير العام للشؤون الإدارية، وعضو لجنة المناقصات التي كان يرأسها د.ر.م م. ألا يستحق من كشفوا كل حالات الفساد هذه التي خسرت الدولة العشرات من الملايين معالجة أمورهم وتكريمهم، وطي الأمر الإداري السابق الذكر المتعلق بوضعهم الوظيفي، خاصة أنهما على ملاك الهيئة، ونظراً لحاجتهما الماسة لتعويض طبيعة العمل الذي يتقاضاها في الهيئة، ورد الاعتبار لهم  ولأسرهم، ولسمعتهم التي أساءت إليها قرارات النقل المتكررة.

 

مواجهة كل الجهات المسؤولة بالوثائق

أخيراً لا بد من القول إن المهندسين اللذين يمتلكان كل تلك الوثائق على استعداد تام لإبرازها والتي تثبت أقوالهما وتثبت بعض المخالفات القانونية التي ارتكبها كل من ذكر أسمه في هذه المقالة، بالإضافة إلى إنهما أكدا لـ«قاسيون» على استعدادهما التام للإجابة، وتحمل مسؤولية أي سؤال يوجه إليهما من أي مرجع أو جهة تنفيذية سواء من الوزارة أو من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أو أية جهة قضائية ترى في نفسها معالجة ومحاسبة كل هؤلاء المسيئين الذين أوصلوا البلاد بفسادهم إلى نقطة اللاعودة.