شبح الجوع يخيّم
ازدادت معاناة السكان المدنيين في مدينة التل، والذي يتجاوز عددهم المليون، من أهالي المدينة والنازحين إليها من القرى والمناطق القريبة، نتيجة الحرب التي طال أمدها، والأزمة التي تعصف وما زالت بالبلاد، وذلك بعد أن كثرت عمليات الخطف والخطف المتبادل، والإخفاء القسري لبعض سكانها المدنيين، من قبل المجموعات المسلحة المتواجدة فيها.
لم تكتف المجموعات المسلحة المتواجدة في المدينة من فرض وجودها عبر ترهيب الأهالي بقوة السلاح، بالإضافة إلى اقتسام القوت اليومي وضرورات المعيشة والتحكم بكمياتها وأسعارها وطرق توزيعها، بل استفحل بهؤلاء الأمر ليصل إلى حدود استغلال سلطتهم ونفوذهم المسلح، للقيام بعمليات الخطف أو التغييب القسري لكل من يختلف معهم من المدنيين، بل ويصل الأمر لحدود القتل أحياناً.
ومع سكوت وصمت قادة تلك المجموعات على تلك الممارسات الإرهابية التي يقوم بها أفرادها، بات الواقع اليومي للأهالي بمدينة التل أكثر رعباً ورهبة، خاصة مع استفحال الأمر ليصبح جزءاً منه له الطابع الثأري، الذي يعيد المدينة إلى النموذج العشائري، مع مترتباته السلبية على مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بظل استمرار تواجد هؤلاء المسلحين الذين باتوا منفلتين أكثر وأكثر، وكأن هناك من يحضر ويسعى لإشعال المدينة ودفعها باتجاه الاقتتال الأهلي الداخلي، الذي لا تحمد عقباه وتداعياته على مستوى المدينة ووسطها المحيط، مع الأخذ بعين الاعتبار قربها من العاصمة دمشق.
تشديد حصار
تزامن ذلك مع تشديد الحصار على المدينة بالآونة الأخيرة، بعد إعلان أحدى المجموعات المسلحة بانتمائها لتنظيم داعش الإرهابي، حيث كان الحصار على الأهالي يستثني الموظفين والطلاب، وكان يتم التغاضي عن إدخال بعض المواد الغذائية أحياناً، وبكميات محدودة جداً، من قبل هؤلاء عند عودتهم، أما الآن فقد تم إغلاق المدينة على الأهالي بالكامل، كما تم منع إدخال أي نوع من الأغذية ومستلزمات المعيشة والأدوية، ما يعني المزيد من حالة البؤس والحرمان، بالإضافة إلى الجوع، الذي من المتوقع أن يصل إليه الأهالي في القريب العاجل، إن لم يتم اتخاذ إجراءات إسعافية عاجلة لإنقاذ هؤلاء، ومن الجوع على وجه التحديد، والذي بدأ يعصف بهم.
أهالي يحذرون
ومع هذه وتلك من الإجراءات والإجراءات المقابلة، تكاد تكون المدينة على حافة التوتر الداخلي المتصاعد، فيما بين السكان بعضهم مع بعض، وفيما بين المجموعات المسلحة، بالإضافة لانفلات هذه المجموعات على الأهالي، خاصة مع تعدادهم الكبير، وظروف المعيشة القاسية والجوع والبرد الذي يزداد مفعولهما وتفاعلهما سلباً، على مستوى حياة المدنيين بشكل خاص، على الرغم من المواقف الإيجابية المعلنة من قبل الكثير من الأهالي، الذين بدأوا يتلمسوا تلك المخاطر، ويحذرون منها ومن تداعياتها ومغبتها على المدينة بسكانها، وعلى أفقها القادم بشكل عام، وخاصة على مستوى العمليات الأمنية والعسكرية، بظل من أعلن عن انتمائه لداعش الإرهابي داخل المدينة.
فكي كماشة وأفق مخيف
أمام هذا الواقع الذي يزداد شراسة وقسوة على المدنيين، بدأ السكان يعربون عن المزيد من سخطهم على المجموعات المسلحة وأفرادها، على مختلف انتماءاتهم وراياتهم، لتصل أحياناً إلى حدود التهديد والوعيد، بالعصيان كما بالمواجهة معهم، بالإضافة إلى محاولات الضغط من أجل التوصل إلى هدن وتسويات، جدية ونهائية، تخرج المدنيين من واقعهم البائس، بين فكي الكماشة التي تتحكم بمصائرهم وبعيشهم، وتمنع عنهم أفق الحرب والجوع وتداعياتهما السلبية على المستوى الإنساني العام، والذي بدأت ملامحهما المخيفة تلوح بالأفق.