مقاهي القامشلي تحكي أسراراً خفية للأزمة

مقاهي القامشلي تحكي أسراراً خفية للأزمة

بدأت مقاهي الأحياء تنتشر في مدينة القامشلي خلال الفترة الماضية، بشكل لافت وغير معهود، في ظاهرة ترتبط بالأزمة السورية المستمرة منذ أربع سنوات، وتعد مؤشراً واقعياً على ارتفاع مستوى البطالة، وتراجع التعليم، واليأس من مستقبل أفضل مما تعيشه المدينة حالياً.

وكشفت جولة لمراسل «قاسيون» في القامشلي، على عدد من تلك المقاهي، أنها تلقى إقبالاً كبيراً من مختلف الشرائح العمرية، لاسيما من الشباب الذين جذبهم توفر شبكة إنترنت لاسلكية في تلك المقاهي، فيما تمتلئ كل المقاهي تقريباً في فترة ما بعد الظهر وحتى ساعات متأخرة من الليل.
ويقول أصحاب تلك المقاهي، إن الإقبال الكثيف من الناس على مقاهيهم مرده إلى وجودها داخل الأحياء السكنية، إذ يفضل الناس البقاء قريبين من منازلهم في ظل الظروف الأمنية الحالية، كالظلام الدامس في الشوارع الخالية من المارة في الليل.
أسرار
يسيطر الحديث عن الأزمة السورية وتأثيراتها على أغلب أحاديث الناس في تلك المقاهي، وكلٌ يقدم رأيه بطبيعة الحال، لكن ثمة شبه إجماع على رفض العنف بأشكاله كافة، فرواد هذه المقاهي هم من المدنيين الذين يريدون لهذه الأزمة أن تنتهي.
لكن الأهم في أحاديثهم، أنها خارج دعوات الفتنة على أساس ديني أو قومي، والتي وصلت إلى ذروتها خلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت مواجهات عنيفة في ريف القامشلي الجنوبي، لا بل إن تلك الدعوات أعطت مفعولاً عكسياً دفع الناس بمختلف ديانتهم وقومياتهم للتأكيد على المصير المشترك لأبناء المدينة الواحدة.
وتنشط كثير من الحسابات المشبوهة على موقع «فيسبوك» بوصفه الأكثر استخدماً في القامشلي، لإثارة الفتن «تستند» لصور ومقاطع فيديو وأخبار غير معلومة المصدر.
نقاط ضعف
وقد ساهمت تركيبة القوى السياسية التقليدية والتنظيمات المسلحة التي نشأت في القامشلي بكثافة في ظل الأزمة، في إعطاء أرضية لهذه الدعوات، فهي مشكّلة على أساس ديني أو قومي، وليس بالضرورة دائماً على أساس الرابط السوري العام، بما يسمح بظهور تباينات في المواقف من أي مستجد سياسي أو ميداني ما..
ويقول ناشط في مجال السلم الأهلي من أبناء القامشلي، إن دعوات الفتنة والاقتتال الأهلي بدأت منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، من خلال استغلال أي حدث لتمرير أهدافها، مستفيدة من نقاط ضعف كثيرة لم يتم تجاوزها بعد، لكن ليس من السهل بالمطلق تفكيك روابط الناس التي تقوم على أساس الصداقة والقرابة والزمالة والجيرة وغيرها من الترابطات الاجتماعية.
وأضاف الناشط الذي عمل في مبادرة أهلية لحماية السلم الأهلي، أن دعوات الفتنة وصلت لأوجها خلال الفترة الماضية، وتتطلب وقفة جدية لمواجهتها، من خلال توحيد صفوف جميع المواطنين السوريين هناك للضغط على كل القوى التي تقوم بأعمال من شأنها أن توتر الاجواء، والاحتقانات.
ويضيف الناشط «لاتوجد أية أرضية موضوعية لمثل هذه الدعوات، بل على العكس تقول تجربة أبناء الجزيرة إنها لم تشهد شيئاً من هذا القبيل عبر التاريخ، وكل محاولات من هذا النوع كانت تلجم من قبل أبناء المحافظة بغض النظر عن انتماءاتهم»