«قاسيون» في سوق «التعفيش» .. و«ورقة المختار» غير مهمة أحياناً؟!
أحمد علي أحمد علي

«قاسيون» في سوق «التعفيش» .. و«ورقة المختار» غير مهمة أحياناً؟!

بعد النزوح والتهجير الذي أصاب آلآف العائلات السورية نتيجة ظروف الأزمة، وضيق الحالة الاقتصادية التي نتجت عن الأزمة السورية بشكل عام، وخسارة هذه الأسر لمدخراتها وأعمالها، لجأ العديد منهم إلى شراء حاجياتهم المنزلية من أسواق «مشبوهة»، لتأمين مايحتاجون إليه قدر المستطاع في المنازل التي استأجروها بعد الخروج من مناطقهم إلى مناطق آمنة.هذه الأسواق «المشبوهة»، تعتمد على المسروقات والتي تسمى اصطلاحاً بـ«التعفيش»، رغم أن باعتها لايصرحون بذلك علناً، وهذا المصطلح يدل على أن هذه الحاجيات قامت عناصر من (اللجان الشعبية) بنهبها من منازل المواطنين في مناطق التوتر، وجلبها إلى مناطق آمنة لبيعها إلى التجار هناك بأسعار «رخيصة جداً»، ليقوم هؤلاء بدورهم، ببيع ذات الأشياء بأسعار مضاعفة، لكنها لاتصل إلى سعر المستعمل منها بالسوق، وتبقى أدنى منها بكثير.

أسواق «مشبوهة»  بأماكن نائية
وأهم هذه الأسواق، هي أسواق مدينة جرمانا بريف دمشق، لكنها لاتأخذ شكل السوق النظامية وخاصة بعد شرائها من المصدر الرئيسي «العفيشة»، بل عبارة عن محلات متناثرة في أماكن نائية قريبة من «بساتين المليحة»، ويحتاج الزبون إلى دخول مناطق شبه خالية للوصول إليها. «قاسيون»، زارت مدينة جرمانا وبحثت عن هذه المحلات، وتواصلت مع المصدر الأساسي المزود لها «بالأدوات المعفشة».
أحد سكان المدينة تطوع لمرافقتنا، وخيّرنا بداية أن نعود ليلاً لنأخذ اشياء مسروقة «تازة» في ساحة تبعد عن ساحة النجمة «عند مطعم شارع النجوم آخر المدينة»، حوالي 500 متراً فقط.
وقال هذا الشخص الذي فضل عدم ذكر اسمه إن «عناصر من اللجان الشعبية تأتي بسيارات بيك آب بعد الساعة الثامنة مساء، محملة بأدوات منزلية مسروقة متنوعة وكل ما يخطر بالبال» على حد تعبيره، وتابع «هناك، يمكن شراء الأشياء بأسعار منخفضة جداً فقد يصل سعر طقم الجلوس بحالة ممتازة إلى 15 ألف أو أقل حسب البازار الذي يدور بين العناصر والزبائن».
وأردف «يمكن التحكم بالسعر هناك، والشراء بأسعار رخيصة، كون العناصر تكون على عجلة من أمرها بعد منعهم من التواجد هناك، وتكثيف الدوريات لضبطهم».
تجار «التعفيش» لهم أسلوب آخر في شراء الأغراض المسروقة، فلهم عناصر تزودهم بالمسروقات بشكل مباشر دون الحاجة إلى التبضع من الساحة سابقة الذكر، وفقاً للشخص الذي رافق «قاسيون» في الجولة.
زيارة ليلية 
«قاسيون» زارت الساحة منفردةً حوالي الساعة الثامنة ليلاً، دون الشخص المساعد لأنه معروف في المنطقة، ودار بازار مع 5 عناصر على «غرفة جلوس مكونة من 8 قطع بحالة ممتازة»، وانتهى البازار بسعر 12 الف ليرة سورية فقط، وكانت العناصر على عجلة من أمرها فعلاً خوفاً من اي ضابط يزور المنطقة.
تواجدت في الساحة حوالي 3 سيارات، كل منها تحمل حاجيات مختلفة عن الأخرى، والأسعار كانت رخيصة جداً مقارنة بالسوق المستعمل، والزبائن المتواجدون هناك كانوا عبارة عن أشخاص عاديين وليسوا تجاراً.
تحدثت «قاسيون» مع أحد الأشخاص الذي اشترى «غسالة حوضين بحالة ممتازة» بـ3 آلاف ليرة سورية فقط، وأكد بانه نازح من منطقة الدخانية بالقرب من جرمانا، وهي آخر منطقة شهدت نزوحاً بعد الأوضاع الأمنية التي شهدتها، وقال «أنا بحاجة لغسالة ولا أملك سعر قطعة جديدة أو مستعملة حتى، وأنا مضطر لشرائها مسروقة وإلا سأبقى دونها طيلة حياتي».
راحة تامة في البيع والشراء
في اليوم ذاته ليلاً، حوالي الساعة التاسعة والنصف، زارت قاسيون أحد المحلات الذي يبيع الأغراض «المعفشة» على أنها مستعملة وغير مسروقة، وأثناء تواجدنا، جاءت «بيك اب» يقودها عنصر من اللجان وبرفقته 3 آخرين، ليبيعوا التاجر «سلالم معدنية»، وكان المشهد الغريب أن السيارة لاتحمل على متنها سوى سلالم من جميع القياسات، وبمقاطعة هذا المشهد مع مشهد السيارات في السوق، قد تكون هناك دلالة إلى وجود اختصاصات بين العناصر بنوعية الأشياء المسروقة.
 تظاهرنا بأن السعر الذي عرضه البائع علينا، لا يتناسب مع إمكانياتنا، رغم أنه كان رخيصاً جداً، حيث انتهى البازار على غرفة جلوس «لف من 8 قطع» بـ30 الف ليرة سورية، علماً أنه في سوق المستعمل يصل إلى 45 الف وأكثر كونه بحالة ممتازة.
وفي اليوم التالي، زرنا محلاً آخر برفقة شخص جديد يريد شراء عدة أغراض، وكان الوصول إلى المكان صعباً جداً، علماً أن جميع هذه المحلات متوزعة في نهاية المدينة،  وبعد الوصول إلى المحل، لم تكن هناك أي إجراءات من قبل الأشخاص الـ6 القائمين على المحل، للتنبه ان كنا فعلاً زبائن أو دورية أو ماشابه، مايدل على أن البيع والشراء هناك يتم بأريحية كاملة.
المحل موجود في ساحة خالية، بعيدة عن المدينة باتجاه المليحة، وكانت الساحة ممتلئة بكل مايمكن أن يخطر في البال. طلبنا صاحب المحل، الذي بدا عليه الترف كونه يلبس قطعاً من الذهب في يده وعنقه، وعندها طلب الشخص المرافق مايريد، ورافقه شخص آخر لإطلاعه على البضاعة.
اختار المرافق حاجته وبدأ البازار، ولم يتطرق البائع إلى أن هذه البضاعة مسروقة، وكان الحديث يدور حول «رأس مال القطع» وكأنها مبتاعة بشكل نظامي، وتم التأكيد من قبل البائع على أنها بضاعة مستعملة دون التطرق إلى كيفية وصولها.
شراء الحاجيات المسروقة لايعني بالضرورة خروجها من جرمانا إلى منزل الشاري، وهنا يبدأ التعقيد في العملية، رغم أن الشراء تم بسلاسة تامة.
ورقة المختار غير مهمة..
المهم الـ500 ليرة!
طلب صاحب المحل إحضار ورقة من أي مختار في المدينة لتسهيل خروج البضائع، وهو ماتم فعلاً بعد عملية تحقيق بسيطة مع المختار «من أي جئتم وأين وجهتكم وماهو مصدر البضائع، ومن البائع»، واستطعنا بمساعدة شخص آخر، أن نكمل الأوراق على أنه هو البائع، وبدأت رحلة العودة.
توجهنا باتجاه الحاجز الأقرب من المحلات، إلا أنه رفض إخراجنا رغم حصولنا على ورقة المختار، وطلب منا التوجه إلى حاجز آخر عند دوار الباسل، إلا أن أحد المارة نصحنا بعدم المرور منه قائلاً «ما عندو دأن ممشطة»، ولم يوضح الشخص قصده من العبارة، لكنه نصحنا بالتوجه إلى حاجز آخر.
وعند وصولنا إلى الحاجز المقصود، بدأ العنصر بالتحقيق رغم إطلاعه على موافقة المختار، وكأنها غير ذات مصداقية، عندها، بدأ التحقيق يتحول إلى «هرج ومرج ومزاح» لكن دون موافقة على الخروج، حاولنا أن نعرض عليه مبلغ 500 ليرة، وفعلاً قبلها العنصر وخرجنا من المدينة بسلام، ودون أي عملية تفتيش أو فحص.
باتجاه دمشق، كنا ملزمين بسلوك طريق الشحن للمرور على أجهزة التفتيش،«الكواشف» وبعد المرور على العديد من الحواجز والوصول إلى الحي المطلوب الوصول إليه طلب حاجز المنطقة التي نريد توصيل الأغراض إليها بشكل علني، دفع مبلغ غير محدد قائلاً «شو بدكن تكارمونا» وهو ينظر إلى الـ500 ليرة، عندها مد يده وسحبها وكأنه شيء اعتيادي، واجتزنا الحاجز لنصل إلى وجهتنا، دون السؤال عن ورقة المختار او موافقات النقل.
وتسلط الرحلة التي قطعتها «قاسيون»، وآلية المرور على بعض الحواجز، الضوء على مسألة أكثر خطورة، وهي إمكانية تهريب ممنوعات عبر دفع مبلغ زهيد لعنصر ما.