أزمة قطاع الكهرباء.. تحرير للأسعار وغرق في الخصخصة واستهتار بحاجات المواطنين
صدم الشارع السوري بعد سيل من الوعود بتحسين وضع الكهرباء في البلاد وتخفيض ساعات التقنين قدر المستطاع، ومرور عدة أيام في دمشق شهدت استقراراً نسبياً بوضع التيار الكهربائي وعدد منخفض من ساعات التقنين، بعودة الوضع إلى الأسوأ.
وحتى اليوم، أغلب المواطنين لا يعلمون ما هو السبب الحقيقي خلف زيادة ساعات التقنين، وخاصة بعد تصريحات متناقضة بين الأطراف المسؤولة عن استمرار تأمين التيار الكهربائي دون انقطاع.
سرد للإتهامات والوعود
مصادر في وزارة الكهرباء السورية أكدت شهر أيلول الماضي، بأنه ولأول مرة بدأت ساعات التقنين تصل داخل العاصمة دمشق إلى أربع ساعت مقابل ساعتين منذ بداية الأزمة السورية، ورغم أن هذا التصريح غير دقيق 100%، كون ساعات التقنين منذ بداية الأزمة لم تشهد استقراراً في العاصمة دمشق، ووصلت لأكثر من 18 ساعة في اليوم ببعض المناطق، إلا أن الوزارة افترضت هذه المعلومة لتأكد ضمن تصريحها أيضاً «أنها حاولت أن تحافظ على وضع الكهرباء بشكل جيد بدمشق كونها العاصمة والعصب المحرك لباقي المحافظات السورية».
حاولت المصادر تبرير زيادة ساعات التقنين أيلول الماضي، بأن «السبب الرئيسي له- عدا الأعطال والأعمال التخريبية للمجموعات المسلحة- هو أن وزارة النفط لا تقوم بإمداد وزارة الكهرباء بالكميات الكافية من الوقود اللازم لإنتاج الطاقة الكهربائية».
ويعتبر هذا التصريح، كاتهام واضح وصريح لوزارة النفط ومحاولة من وزارة الكهرباء الخروج من دائرة التقصير عبر وضع وزارة النفط كمسبب رئيسي فرض واقعاً غير مستقر للكهرباء كونها لا تمد محطات التوليد بالكميات الكافية من الوقود، رغم أن وزارة الكهرباء أكدت في التصريح ذاته بأن «وزارة النفط لا تقصد حرمانها من الوقود، إلا أن الظروف االصعبة في سورية أدت لتضرر حقول النفط والغاز وحرماننا من بعضها» .
في أيلول الماضي أيضاً، وفي التصريح ذاته، أكدت وزارة الكهرباء بأن «انفراجاً كبيراً بوضع التقنين الكهربائي سيطرأ خلال سبعة إلى عشرة أيام على أبعد تقدير». لكن وبعد انقضاء تلك المدة عاد الوضع إلى سابق عهده وإلى أسوأ في بعض المناطق، وخاصة في الأرياف التي قطع عنها التيار الكهربائي لأكثر من 18 ساعة في اليوم الواحد، وإلى يوم كامل في مناطق أخرى ريفية، وهنا عادت وزارة الكهرباء للتبرير، وكان المتهم أيضاً وزارة النفط.
التبرير والنفي
في بداية الشهر الجاري، بررت وزارة الكهرباء زيادة ساعات التقنين بأنها ناجمة عن الاعتداءات المتكررة التي طالت مؤخراً حقول وأنابيب الغاز، وعرجت بذات التصريح لبعض الإعتداءات التي طالت محطات توليد وتحويل الكهرباء دون تحديد أو تسمية هذه المحطات كما جرت العادة.
وأكدت الوزارة في تصريحها الأخير، على شق المحروقات والغاز الذي سبب من وجهة نظرها زيادة ساعات التقنين، وقالت إن الاعتداءات على الحقول أدت لنقص حاد في كميات الوقود الواردة لمحطات توليد الكهرباء وبالتالي عدم القدرة على تشغيلها بالكم اللازم، رغم نفي وزارة النفط انخفاض كميات إنتاج الغاز وتأكيدها على استمرار عمل الحقول.
كميات منخفضة وشبه معدومة!
مدير التشغيل في وزارة الكهرباء، فواز الظاهر، أكد بالأرقام خلال تصريحه لإذاعة «ميلودي اف ام» بان وزارة النفط خفضت حصة وزارة الكهرباء من الغاز والفيول خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ما أدى لزيادة ساعات التقنين، وقال إن «كمية الغاز الواردة إلى الوزارة يومياً انخفضت إلى 5 مليون م3 خلال الأسابيع الثلاثة الماضية نتيجة الاعتداء على حقل الشاعر، بينما انخفض الفيول إلى ما بين ألف وألفين طن يومياً بشكل غير ثابت».
وكانت تقارير أكدت مؤخراً، أن كمية الغاز الواردة إلى محطات التوليد من وزارة النفط خلال الأزمة وصلت إلى حوالي 8 مليون م3 بينما الحاجة هي 20 مليون م3، في حين وصلت كمية الفيول الواردة إلى 2000 طن بينما الحاجة هي 15 ألف طن كما كان سابقاً.
وأكد الظاهر أن «الوضع سيتحسن في حال وجدت وزارة النفط طريقة لمعالجة هذا الموضوع» مشيراً إلى أنه «لا يوجد لدى وزارة الكهرباء مشكلة، ومحطات التوليد جاهزة للإقلاع في حال توفر الوقود».
وتابع إن «كمية استهلاك الطاقة الكهربائية اليوم أقل من كمية الاستهلاك قبل الأزمة، وعلى هذا فإن كمية التوليد أقل» مؤكداً أنه «إذا تم تأمين 20 مليون م3 من الغاز و10 آلاف طن من الفيول يومياً يمكن ألا يكون هناك تقنين نهائياً».
وأشار الظاهر إلى أن كميات الغاز مؤخراً شهدت انفراجاً بعض الشيء، لكنه أكد أيضاً أن مجموعات التوليد التي تعمل على الفيول متوقفة حالياً لشح الفيول، والباقي يعمل على الغاز الموجود حالياً.
وحول الاعتداء الأخير على محطة «محردة»، أكد الظاهر بأن هذه المحطة متوقفة منذ حوالي 3 أشهر، ولن يؤثر الاعتداء على وضع التقنين حالياً، وقال إنه «هناك مشاريع آنية لتنفيذ محطة توليد في ديرعلي 450 – 500 مغا واط، وهناك مشروع آخر في جندر، ومشاريع مستقبلية لمحطات توليد جديدة في عدة مناطق ومشاريع لتحسين استطاعات محطات التحويل والأمر قد يحتاج إلى وقت من الزمن».
مشاريع ريحية
ومن وجهة نظر «الظاهر»، فإن وزارة الكهرباء لا تحتاج اليوم مزيداً من المشاريع لبناء محطات توليد جديدة، وكل ماهي تحتاجه هو الوقود فقط، كي تعيد وضع التيار الكهربائي إلى ما كان عليه ليس قبل الأزمة، بل بداياتها، واعداً بتحسن الوضع خلال أيام فقط.
وفي سياق آخر، وبعد أنباء عن استيراد «عنفات ريحية» لتوليد الكهرباء في سورية ورفد الشبكة بطاقة بديلة، نفى مدير عام المركز الوطني لبحوث الطاقة في وزارة الكهرباء، يونس علي، بعض تفاصيل الخبر، مؤكداً أن الوزارة لم تستورد عنفات جاهزة، بل استوردت قطعاً لصناعتها ضمن المجمع السوري للصناعات الثقيلة في مدينة حسياء الصناعية بحمص.
وأكد علي تجهز عنفتين ريحيتين «سيتم إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطتهما قريباً وبيعها لوزارة الكهرباء، حيث أنه باستطاعة المستثمرين المحليين والأجانب، الاستثمار لإقامة مشاريع لإنتاج الطاقة الكهربائية وبيع المنتوج لوزارة الكهرباء وفقاً لأحكام القانون 32»، على حد تعبيره.
وأشار إلى «وجود خطة لدى وزارة الكهرباء كقطاع عام، بإقامة مشاريع خاصة لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقات المتجددة من خلال العنفات الريحية واللواقط الكهرضوئية بشكل رئيسي» مشيراً إلى أنه «إذا تم تنفيذ هذه المشاريع حتى عام 2020 سيكون بالمنظومة الكهربائية السورية التابعة لوزارة الكهرباء والجهات التابعة لها 500 ميغا واط من منشآت مزارع الرياح».
الطاقة البديلة وأزمة الكهرباء
وأردف علي إن «الطاقات المتجددة لا يتم استخدامها لتلبية الطلب على الطاقة، بل الهدف منها يكون من خلال مساهمتها بتخفيف استخدام الوقود اللازم لتوليد الكهرباء في المحطات التقليدية، إلا أنها لا تحل محل المحطات، ولن تحل أزمة الكهرباء في سورية».
واعترف علي بأن سورية لاتملك مزارع ريحية كبيرة على المستوى الاستثماري الكبير، إلا أنه أشار لوجود «محاولات من وزارة الكهرباء منذ عام 2010 لإنشاء عدة مزارع ريحية، إلا أن الأزمة دفعت الشركات العالمية المتخصصة للاعتذار عن المساهمة».
وحول مشروع اللواقط الكهرضوئية لتوليد الكهرباء، شرح علي بأن "طبيعة سورية المشمسة تساعد بالاستفادة منها في توليد الكهرباء» مشيراً إلى أن «وزارة الكهرباء نفذت خلال السنوات الماضية عدة مشاريع في استخدام هذه اللواقط وضعت في الخدمة ويتم استخدامها حالياً، ومازال العمل ضمن هذه الخطة مستمراً».
عود على بدء
دأبت العديد من الوزارات المعنية على تعليق العديد من الأزمات المستفحلة على شماعة الأزمة، والتي باتت عباءة تخفي تحتها، كل السياسات الخاطئة، والصفقات المشبوهة، وبؤس الأداء الحكومي، واستهتارها بتأمين حاجات المواطن، الذي لايهمه مصادر توليد الطاقة، ولا تعنيه المصطلحات التي يتحدث بها «جهابذة الحكومة» بقدر ما يهمه تأمين حقوقه التي تذررت في مهب الفساد- اللبرلة. والتجربة تقول: كل أزمة في قطاع خدمي ما، كانت تخفي وراءها تحرير الأسعار من جهة، وتسارعاً في السير نحو الخصخصة من جهة أخرى..