تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
أبناء محافظة القنيطرة... على وقع «نزوح جديد»

أبناء محافظة القنيطرة... على وقع «نزوح جديد»

وجوه حزينة وجباه سمراء لوحتها شمس الجولان، وأيدي خشنة لا تعكس طيب قلوبهم وطهرها. محافظة القنيطرة التي اضطر الكثير من أبنائها إلى النزوح بعد أن توتر الوضع الميداني هناك.

وكما في النزوح الأول فضل الكثيرون من أهالي القنيطرة عدم مغادرتهم لمنازلهم وقراهم، ومن اضطرته الظروف الصعبة مغادرة قريته فضل الإقامة في أقرب تجمع أو مدينة إلى محافظة القنيطرة، على أمل أن تكون العودة إلى منازلهم وقراهم قريبة.
واقع معيشي صعب
تنتظر «أم أسعد» النهار حتى يأتي آخره لتذهب إلى سوق الخضرة، وتبحث بين البضاعة المتبقية لدى الباعة علها تحصل على صيدة (بيعة مسا) كي تعود بوجبة الطعام الوحيدة لأفراد أسرتها.
تقول أم أسعد «نحن من سكان قرى القطاع الشمالي من محافظة القنيطرة، هجرنا من قريتنا منذ أكثر من سنتين. كنا نملك منزلاً مؤلفاً من سبع غرف، وبناء مجاور للمواشي وأكثر من عشرة دونمات من الأرض المشجرة بشجر الزيتون والكرز والكرمة».
وتتابع «وصلتنا أخبار أن منزلنا تهدم نتيجة القصف واحترقت مساحة كبيرة من أرضنا. وعندما سمع زوجي بهذه الأخبار أصيب بشلل نصفي مما جعله طريح الفراش»، تضيف أم أسعد «صرفنا جميع مدخراتنا كأجارات للمنزل وأدوية لزوجي، وبعت معظم مصاغي كي أطعم أطفالي فأنا لا أجيد سوى العمل في الأرض وأطفالي أعمارهم صغيرة وكانوا من المتفوقين في المدرسة، لكن أثنين من أبنائي خرجوا من المدرسة، كي يعملوا ويساعدوني في مصروف المنزل».
نزوح وبرد وارتفاع الإيجارات
لم يجد «جميل .س»، الموظف في إحدى الدوائر الحكومية التابعة لمحافظة القنيطرة، منزلاً يقيم فيه مع أفراد عائلته ووالدته وشقيقته وأبنائها. فاستأجر محلاً تجارياً وهو يقيم فيه منذ خمسة أشهر.
ويقول «أنا من أبناء قرى القطاع الأوسط في محافظة القنيطرة، هجرت مع عائلتي من قريتنا التي لم تعد الأوضاع الأمنية السائدة تسمح ببقائنا، وخاصة أن والدتي لديها وضع صحي صعب وأطفالي صغار». يضيف «نزحنا من بلدتنا إلى بلدة خان أرنبة التي صارت مكتظة وأقمنا لدى أحد الأقارب، لكن الأوضاع أيضاً صارت مضطربة في خان أرنبة فانتقلنا إلى سعسع ومن ثم إلى جديدة عرطوز التي لم نجد فيها منزلاً، حيث تجاوزت الإجارات العشرين ألف ليرة لمنزل مكون من غرفتين وتوابعهم».
تابع جميل حديثه قائلاً «كان لدي منزل وما يقارب الخمسة عشر دونم، كنا نزرعها قمحاً وشعيراً ومشاريع بندورة وخيار، وكنا مستورين. واليوم نقيم- أكثر من عشرة أشخاص- جميعاً في غرفة واحدة ونستخدم حماماً واحداً مخصصاً ليخدم شخص أو شخصين، أنا وزوجتي نخشى من الأمراض خاصة بعد انتشار التهاب الكبد الفيروسي بين الأطفال وفي المدارس. كما أننا غير معتادين على قضاء الشتاء دون وجود وسيلة تدفئة فنحن لا نملك ما يكفي من النقود لشراء المازوت، والمكان ضيق مما يجعل وضع مدفأة موضوعاً صعباً وواقع الكهرباء في جديدة سيئ لذلك لا يمكننا وضع مدفأة كهربائية».
تراجع المستوى التعليمي
يقول أحد مدراء المدارس من الذين نزحوا عن قراهم «فضل عدم ذكر أسمه»، لقاسيون «كانت مدرستنا تخرج أفضل الطلاب على مستوى محافظة القنيطرة وباقي محافظات القطر وذلك على كافات المستويات. وأنا اليوم حزين جداً لتراجع مستوى طلابنا، لكني مقدر للوضع النفسي والمعيشي الذي يمر به الطلاب وذويهم». ويضيف «أتمنى أن لا يطول أمد هذه الأزمة ونعود إلى منازلنا كي يعاود طلابنا تفوقهم».
نزح عدد كبير من طلاب محافظة القنيطرة مع أهاليهم، مما شكل عبئاً على المدارس المستضيفة، فتم في بعض المدارس فصل الطلاب النازحين الجدد عن الطلاب من أهل المناطق المستقرة. وذلك من أجل تعليمهم من قبل أساتذتهم الذين نزحوا أيضاً عن مناطقهم ومدارسهم.
شروط غير صحية للسكن
أقام عدد من أهالي «نبع الصخر» و«مسحرة» والقرى المحيطة بها، بعد نزوحهم عن قراهم وبلداتهم، إما لدى أقارب أو أصدقاء لهم في كل من جديدة عرطوز- حي الفضل- وحي عرطوز. ولكن القسم الأكبر منهم لم يجد سوى أبنية قيد الإنشاء قامت محافظة القنيطرة وبلدية جديدة عرطوز الفضل بتجهيزها على عجل كي يقيم فيها الأهالي.
تغلق «أم وليد» نوافذ وباب الغرفة التي تقيم فيها بأغطية صوفية (بطانيات) وبعض أغطية النايلون. وتقول «نزحنا عن منازلنا ولم نتمكن من إخراج شيء من أثاثنا أو ثيابنا وأقمنا في هذه الغرفة غير المجهزة بأي من الأبواب أو النوافذ أو البلاط وحتى حمامات لا يوجد. حيث  يتوجب علينا قضاء حاجتنا في مكان مجاور للبناء الذي نسكنه، وهذا الأمر صعب على الأطفال الذين يخافون من الكلاب الشاردة المنتشرة في المنطقة. مما يدفعنا لجعل الأطفال يقضون حاجاتهم في كيس نايلون ورميه بعيداً».
وتتابع أم وليد «لقد قصصت شعر بناتي بعد أن أنتشر القمل بينهم، وذلك بسبب عدم وجود حمامات، وهذا الأمر كان صعب علي وعليهم لأنها المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الأمر».
انتشار الأمراض بين الأطفال
تقوم فرق الصحة المدرسية وبعض المتطوعين من الفعاليات الأهلية بزيارة مدارس جديدة عرطوز و عرطوز، للتفتيش على نظافة الأطفال من شعر وهندام وغيره.
وفي هذا السياق تقول إحدى المتطوعات «لاحظنا انتشار بقع جلدية لدى عدد من الأطفال في بعض المدارس الابتدائية والإعدادية». وتضيف «سبب انتشار هذه الأمراض هو نقص في التغذية التي تدعم مناعة الأطفال إلى جانب قلة النظافة.
وتتابع «هناك انتشار لحشرات القمل بين الطلاب وذلك بسبب إقامة أعداد كبيرة من الأشخاص في مكان واحد وعدم توفر شروط النظافة. ونحن بدورنا نحاول إرشاد الطلاب وذويهم للاعتناء بالنظافة كي نتجنب وقوع مشاكل أكبر وذلك عبر إعطائهم شامبوهات وطرق طبيعة بديلة للتخلص من حشرات الرأس».
وبدوره يقوم فريق طبي من متطوعي الهلال الأحمر بالكشف على المرضى النازحين من قرى وبلدات محافظة القنيطرة. ويقول المسؤول عن النقطة الطبية «نحن لا نملك إمكانيات كبيرة، لكننا نحاول التخفيف من معاناة الأهالي عبر الكشف على المرضى وإعطائهم الأدوية المناسبة إذا كانت متوفرة لدينا، وأكثر روادنا هم من الأطفال والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة كالضغط ومرضى السكري».
جولات تفقدية بدون خدمات
بقي عدد لا بأس به من سكان قرى القنيطرة في قراهم رغم الوضع الأمني الصعب، ومعظم من بقوا هم الأشخاص المتقدمين بالعمر، والذين خسروا أراضيهم وأملاكهم في حرب عام 1967. كما لم يتمكن عدد آخر من الخروج بسبب عدم توفر أماكن آمنة يضع فيها مواشيه التي يعيش مع عائلته من خلال بيع منتجات هذه الحيوانات.
يعتمد القسم الأكبر من أبناء القنيطرة القاطنين في قراهم المحررة من الاحتلال الإسرائيلي على زراعة الأراضي ورعي المواشي في حياتهم اليومية. إلى جانب عمل البعض بالوظائف الحكومية. مما يجعل مصير الكثيرين معلقاً بمصير أراضيهم وزمن العودة إليها.
ورغم ما يقوم به محافظ القنيطرة من جولات تفقدية عديدة على تجمعات أبناء القنيطرة، إلا أن هذه الجولات لم تفد كثيراً في تخفيف الواقع المرير الذي يعيشه أبناء المحافظة؛ وذلك نتيجة انخفاض المستوى الخدمي للمناطق التي نزحوا إليها قبل نزوحهم، حيث يعاني كل من «حي عرطوز» و«جديدة عرطوز»، اللذين يعدان أكبر تجمع لأبناء القنيطرة خارج أرض المحافظة، من نقص في المياه ونقص في المواصلات وضعف شديد في المواصلات العامة وواقع تيار كهربائي سيئ.