التعليم في ريف حلب: واقع «مأزوم» ومستقبل أجيال في مهب الريح

التعليم في ريف حلب: واقع «مأزوم» ومستقبل أجيال في مهب الريح

أزمة قطاع التعليم وتداعياتها (البنية التحتية من مؤسسات ومخابر- المناهج التعليمية- البرامج الامتحانية- مدخلات ومخرجات العملية التعليمية والتربوية... الخ) هي إحدى الأزمات المتراكمة في سورية، وأكثر القطاعات دماراً من ناحية أنه يمس الشريحة الأكبر والأكثر تضرراً في سورية، «أطفالها» الذين يمثلون مستقبلها.

تراجع قطاع التعليم تدريجياً مع تطور الأحداث واشتداد المعارك، وبلغ مستواه الأشد تدهوراً على مستوى دمار البنية التحتية (من مدارس ومخابر) وتراجع العملية التعليمية والتربوية.
حذف وتعديل في المناهج
وتأرجحت العملية التعليمية والتربوية حسب عقلية الجهة المسيطرة حيث فرض تنظيم «داعش» الإرهابي الفصل بين الذكور والإناث على مستوى المدرسين والطلبة، كما ألغى التنظيم الكثير من المواد الدراسية وأحل محلها أخرى تحرض على الفكر «التكفيري» المتطرف.
في حين اعتمدت المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة الأخرى مناهج التعليم الرسمية مع تعديلات لامست الشكل أحياناً والجوهر أحياناً أخرى ما حرّف العملية التعليمية عن جوهرها.
نار القرارات التعسفية
المدرسون هم أحد أركان هذا القطاع التعليمي والأكثر تضرراً، حيث عومل أغلبهم معاملة الخارج عن الدولة وصرفوا من الخدمة بقرارات تعسفية لم تلامس واقع حالهم، مما اضطرهم للعمل في مجالات أخرى لتأمين قوت يومهم.
وفي هذا السياق يقول «محمد»، مدرس حلقة أولى، «في البداية كانت الظروف أقل حدة مما هي عليه الآن، حيث كان بالإمكان الذهاب إلى المدينة لقبض رواتبنا».
وتابع حديثه قائلاً «ولكن مع تطور الأحداث واشتداد الاشتباكات المسلحة وتعقد الأوضاع الأمنية أصبحت رواتبنا مرهونة بورقة قائم على رأس عمله في وضع يستحيل تأمينها بسبب غياب سلطة الدولة في تلك المناطق، الأمر الذي عرضني للصرف من الخدمة تعسفياً بسبب ذلك وهو حال الكثير من الأساتذة في هذه المناطق. ولم يراعوا واقع حالنا وطبيعة الظروف الأمنية الراهنة».
الصمود والمبادرات الشعبية
في حين بقي آخرون على رأس عملهم معبّرين عن حالة شعبية ووعي وطني بأهمية التعليم وظلوا مصرين على استمرار العملية التعليمية والتربوية بأقل الموارد المتاحة تأكيد على حس عال بالمسؤولية لإنقاذ ما تبقى من مستقبل هذا الوطن، حسب تعبير الأستاذ «حمو»، حيث احتضنت مدارس قرية «أحرص» طلبة القرى المجاورة منهم من ترك السلاح وتوجه للعلم في مبادرات شعبية وأهلية فضلت أن تضيء شمعة في وجه الظلام.
«كوباني/عين العرب» مثال آخر على المبادرات الشعبية، حيث قام عدة أساتذة بتحمل مسؤولية نقل المناهج إليها بأعبائها المادية ومخاطرها رغم انقطاع التواصل مع مديرية التربية بحلب بسبب الحصار الإرهابي المفروض عليها.
هذه المبادرات الشعبية الإيجابية تعري بعض الممارسات السلبية في مناطق أخرى كقرية «خان الشعر» من المناطق التي ظلت بعيدة عن المعارك نسبياً مع توفر كوادر من أهلها ورغم ذلك لم تشهد مثل هذه المبادرات.
الإجراءات المطلوبة
أمام هذا الواقع التعليمي نحن أمام ثلاثة مستويات من المسؤولية وهي:
- المستوى الأول: ضرورة قيام وزارة التربية متمثلة بمديرياتها بوضع خطط جدية للوصول لأبعد قرية في الريف وتأمين مستلزمات العملية التعليمية والتربوية فيها.
- المستوى الثاني: إلغاء جميع القرارات التعسفية بحق الأساتذة المصروفين من الخدمة وتعويضهم وصرف مستحقاتهم وإعادتهم للخدمة ومراعاة ظروفهم.
- المستوى الثالث: العاملون في الدولة، من ناحية التعامل بحس مسؤول إزاء واجباتهم والمبادرات الشعبية والقوى المجتمعية، التي أثبتت وعياً ومقدرة على التأقلم مع الظروف وفي كثير من الأحيان في كسرها وفرض حالة إيجابية في ظل واقع سلبي .
الجميع مطالبون في ظل هذه الأزمة ومدعوون لحث المنظمات الدولية المعنية لتحييد العملية التعليمية عن دائرة العنف وحمايتها والعمل على استمرارها ومحاسبة كل المتقاعسين، لأننا أمام مستقبل مجهول إن لم يتم تدارك هذه الفجوة.

آخر تعديل على السبت, 18 تشرين1/أكتوير 2014 21:03