تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
«طلاق» الأزمة إلى ارتفاع  تعسف  وتفكك عائلي وتفاقم المشاكل الاجتماعية

«طلاق» الأزمة إلى ارتفاع تعسف وتفكك عائلي وتفاقم المشاكل الاجتماعية

أرقام كثيرة تناقلتها وسائل الإعلام عن ارتفاع نسبة الطلاق في المدن السورية، حيث أجمعت كلها على وجود «أزمة» باعتراف المحامي العام الأول في دمشق، الذي صرح مؤخراً بأن حالات «الطلاق» ارتفعت في محافظتي دمشق وريفها خلال العام الحالي إلى نسب قياسية تجاوزت 100%، بواقع يعادل 100 حالة في اليوم الواحد.

وكانت إحصائيات  ذكرت أنه خلال العام 2013 وصلت حالات الطلاق إلى 100 حالة طلاق مسجلة في يوم واحد في دمشق وريفها ومن ضمنها حالات الطلاق التعسفي التي وصلت إلى 60 حالة يومياً وذلك مع بداية الأحداث في سورية، فيما لم يذكر الكثير من الأرقام عن باقي المحافظات، حيث اكتفت التقارير بالحديث عن 300 حالة طلاق خلال يومين في محافظة حماة، وارتفاع حالات الطلاق إلى 80 بالمئة في محافظة اللاذقية.
واقع جديد
«سالم.م»، شاب في الثلاثينيات من عمره فرضت عليه الظروف كما يقول أن يصبح مطلقاً. ويقول «أنا متزوج منذ ثلاث سنوات، لدي طفلة، وبدأت المشاكل بيني وبين زوجتي بعد أن نزح أهلي وأقاموا معنا في نفس المنزل، وكون المنزل الذي أقيم به هو في الأصل لأهلي وأنا تزوجت فيه. فأصبح لوالدتي سلطة كبيرة على حياتنا وصارت تتدخل في كل التفاصيل، ولم تعجبها طريقة تعاملي مع زوجتي التي تعمل موظفة فكنت أساعدها بالأعمال المنزلية وتربية البنت. مما دفع زوجتي للخروج والإقامة مع أهلها».
ويتابع «أنا وقعت بين ناريين نار إرضاء والدتي التي أجبرتني على حلف يمين الطلاق على زوجتي وبين نار العيش مع زوجتي التي لم تعد تطيق الإقامة مع أهلي بمنزل واحد. وأنا أعيش منذ أكثر من ستة أشهر في مكان وزوجتي تعيش مع أهلها، وأنا أبحث عن منزل يكون أجاره معقولاً كي أعيد زوجتي ونعيش معاً».
تكاليف الحياة والتحايل
لم يعد بمقدور عدد كبير من الشباب تأمين منزل ودفع تكاليف الحياة اليومية. لذلك صاروا يتحايلون على الحياة بطرق عديدة منها الإقامة في مراكز الإيواء حيث يتم تأمين لكل عائلة غرفة تكون بمثابة غرفة جلوس ونوم واستقبال ضيوف ومطبخ خاص بهذه العائلة وبذلك لا يدفع الشباب أجرة مرتفعة وتؤمن الفعاليات الخيرية معونات محدودة للعائلات التي تقيم في مراكز الإيواء.
تقدمت «مياده.ح» بطلب «الخلع» من زوجها بعد أن اكتشفت كذبه. وتقول «لم تطل فترة الخطبة أكثر من شهر ونصف، وبعدها تزوجنا وأقمنا مع عائلة أخيه في منزل واحد ووافقت على هذا الأمر. ولكن بعد أقل من خمسة أشهر من الزواج طلب مني زوجي أن أجمع أغراضي لأننا سننتقل من المنزل الذي نستأجره ونذهب للإقامة مع عائلته في أحد مراكز الإيواء، على أن نحصل على غرفة خاصة بنا في المركز».
وتتابع «بالفعل ذهبت معه إلى المركز وكنت أعاني من بخله وهو يقول إن الظروف ستتغير بعد أن ننتقل إلى المركز ونتخلص من الإيجار، ولكن إدارة مركز الإيواء لم تعطنا غرفة خاصة بنا وأقمنا مع والده ووالدته وشقيقته. وبتنا نفصل الغرفة ليلاً بغطاء بسيط لا يحجب أي شيء، وبعد شهرين لم أستطع العيش أكثر في جو المركز؛ وعندما طلبت منه استئجار غرفة لنا رفض ذلك علماً أنه موظف ودخله جيد. عندها عدت إلى منزل أهلي على أمل أن يتحرك ويستأجر غرفة، وبعد خمسة أشهر لم يحرك ساكناً، وأنا لن أبقى على هذا الحال كثيراً وهو يرفض الطلاق كونه لا يريد أن يدفع لي المهر المقدم 150000 ليرة سورية غير مقبوض والمؤخر 200000 ليرة».
وبدورها تقول «سلافة.ق»، مطلقة لديها طفلان، «كنت أعيش مع زوجي حياة جيدة وسط إمكانيات معقولة، وبسبب الأزمة تراجع عمله وانخفض دخله ولكنني لم أشتك، وبعد فترة استشهد أحد أصدقائه المقربين والذي كان متزوجاً ولديه طفلان، وصار زوجي يهتم بأسرة صديقه على حساب عائلته، وبعد فترة عثرت على رسائل متبادلة بين زوجي وزوجة صديقه التي كان يعتني بها ويقوم بتسيير معاملاتها الحكومية من أجل الحصول على التعويض كونها كما كان يقول كانت وحيدة في المدينة وليس لديها أهل أو أقارب».
وتتابع «وعندما واجهته بالرسائل لم ينكر وأخبرني أنه سيتزوجها فعلاً وذلك من أجل تحسين وضعنا المادي بعد أن تحصل زوجة صديقه على التعويض ومرتب زوجها. وعندما رفضت الأمر وطلبت منه الابتعاد عنها رفض وفضل البقاء معها وقام بتطليقي بعد أن تنازلت عن حقوقي في سبيل بقاء الأولاد معي».
هجرة وسفر دون جدوى
حصلت «زينب» مؤخراً على قرار الطلاق من زوجها، وتقول «تطلقت من زوجي بعد زواج دام أكثر من سبع سنوات وأثمر ثلاثة أطفال، لكن الأزمة الحالية أدت إلى خسارة عمله كدهان مما أضطره للسفر إلى لبنان بهدف البحث عن عمل. وفعلاً تمكن من إيجاد عمل وسافرت مع الأولاد للإقامة معه في لبنان لكن التكاليف الباهظة للمعيشة دفعتنا إلى العودة لسورية».
وتتابع «عندما عدت تفاجأت بقراره بالهجرة إلى إحدى الدول الأوربية وكون السفر مكلفاً قمت ببيع مصاغي الذهبي واستدنت من أهلي على أمل أن يسافر ويعمل ويخرجنا مع الأولاد لعنده، وبعد سنتين لم يحقق أي من وعوده ولم أعد أستطيع العيش في المجهول أكثر من ذلك فطلبت الطلاق وفعلاً حصلت عليه».
المشاكل الاجتماعية تتفاقم
وفي هذا السياق تقول المحامية «علا»، تعقيباً على ما تقدم أعلاه، «يردنا يومياً عدد كبير من دعاوى التفريق. والتي كانت تردنا بأعداد أقل فيما مضى عما نشهده اليوم». وتضيف «إن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة الحالية أدت إلى خلق مشاكل زوجية وحياتية يومية وزادت من الفجوة بين العائلات السورية. وإن الطلاق هو مشكلة اجتماعية أكثر منها قانونية. وقانون الأحوال الشخصية السوري لا يمكنه ضبط حالات الطلاق وخاصة الطلاق التعسفي باعتبار أن هذه الحالة هي حالة اجتماعية بامتياز، لذلك نفضل أن يكون هناك فترة للخطبة من أجل تفادي موضوع الطلاق».
مضيفة أنه «من حق الزوجة أن تطلب الطلاق في حال عجز الزوج عن توفير مقومات الحياة الأساسية بما في ذلك المسكن الشرعي والكسوة من مأكل ولباس. وفي ظل هذه الظروف يعجز الكثير من الأزواج عن تأمين هذه المقومات ما يؤدي في النتيجة إلى ارتفاع حالات الطلاق».
وتتابع «فرق قانون الأحوال الشخصية السوري بين الطلاق والمخالعة والتفريق، فالطلاق-حسب القانون- يقع بالإرادة المنفردة أي من قبل الزوج فقط، وإذا تبيّن للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقه فإنه يحكم بتعويض للزوجة يقدره القاضي حسب يسر الزوج أو عسره؛ أما المخالعة فهي عقد بين الزوجين يتفقان من خلاله على إنهاء عقد الزواج ببدل تدفعه الزوجة أو غيرها لزوجها وتتم المخالعة أمام القاضي قبل الدخول بالزوجة أو بعده.
أما التفريق فيكون بقرار القاضي، وذلك يحق لكل من الزوجين إذا وجد في الآخر علة منفردة مستديمة أن يطلب فسخ عقد الزواج سواء كانت هذه العلة قبل الدخول دون أن يعلم بها أو بعد الدخول».
الطرفان متضرران من الطلاق
وبدوره يقول المختص بالدراسات الاجتماعية شادي العمر «باعتبار أن تكوين الأسرة، والذي يتم بواسطة الزواج، هو البنية الأساسية للمجتمع، فإن الطلاق هو إعادة تفكيك للبنى الاجتماعية الأساسية، هو عملية تهديم بلا شك. لكنه يبقى تهديماً غير مقصود بذاته، فالطلاق وإن كان مشكلة بالنسبة للمجتمع فإنه حل بالنسبة لأغلب الحالات الفردية، وإعادة ترتيب علاقات جديدة بعد استحالة الاستمرار في العلاقات القائمة. أما النتائج المترتبة على الطلاق، فغالباً ما تكون سلبية حتى عندما يكون الطلاق حلاً لمشكلة. ولكن آثارها السلبية تتفاوت بين الزوج والزوجة والأطفال في حال وجود أطفال لدى المطلقين. من ناحية الزوج- مثلاً- يترتب على الطلاق التزام مالي مضاعف يتعلق بإنهاء عقد الزواج وتسديد الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. كما أنه ثمة عبء مضاف في حال رغب الطليق بالزواج مرة أخرى، ناهيك عن الآثار النفسية».
ويتابع «أما بالنسبة للمطلقة فالآثار تكون في أغلب الأحيان أشد، خاصة مع ما تحمله الصورة المجتمعية النمطية عن المطلقة ورفضها في المجتمع، بناء على نظرة التعميم المضمرة التي تثار حول كل امرأة ينتهي مصير زواجها إلى الطلاق. كما تتحمل المرأة مزيداً من الأعباء الاقتصادية المتعلقة بكون أغلب النساء غير منتجات في مجتمعاتنا، ومن هنا فالمطلقة تنتقل من شريكة حياة لها حق النفقة من الزوج، إلى عالة على أهلها.
ثمة نقطة بالغة الأهمية، هي أن مجتمعاتنا ما زالت تنظر إلى الأسرة بوصفها نواة المجتمع، على عكس المجتمع الغربي الذي يعتبر الفرد هو النواة الأساسية، لذلك ينظر إلى وضع أي فرد خارج مؤسسة الأسرة في مجتمعاتنا باعتباره وضعاً شاذاً.. الأمر الذي يؤدي ما يشبه نظام العقوبات التي يطبقها المجتمع على كل من هم خارج مؤسسة الأسرة، وخصوصاً المطلقين، ذكوراً وإناثاً ولكن بدرجات متفاوتة».