في العمق : التوازن المفقود
في عام 2009 نزح من المنطقة الشرقية أكثر من 200 ألف مواطن سوري إلى دمشق وحدها.. افترشوا الارض في حدائق دمشق وشوارعها والتحفوا بالسماء أقيمت مدن داخل المدينة وأسوار فقيرة تحيط دمشق بها من البؤس والحرمان واستنفرت الحكومة آنذاك لعقد عدة مؤتمرات مع منظمات دولية لإنقاذ المنطقة الشرقية من الجفاف
وخرجت هذه المؤتمرات بمئات المشاريع الاستثمارية الوهمية وخلال عام تضاعف عدد من نزحوا وامتلأت شوارع دمشق بأطفال يجوبون الأزقة بحثاً عن لقمة ونساء على مفارق الطرق يستجدون المارة، وتضاعف عدد من نزحوا أيضاً مع بدء الأحداث في سورية وخلالها وخصوصاً من الرقة ودير الزور والحسكة. الحقائق تقول: إن فقدان التوازن في القطاع الاقتصادي يؤدي إلى فقدان التوازن في القطاع الاجتماعي.. ولا نحتاج إلى أمثلة كثيرة.. يكفينا مثل واحد صارخ، النزوح العام من الريف إلى المدينة والذي بدأ منذ أكثر من أربعة عقود.. إنه تعبير اجتماعي عن اختلال اقتصادي في الزراعة.. وتعبير اجتماعي عن اختلال اقتصادي بين متطلبات الإنتاج وحاجات الاستهلاك.. وإن ما يحدث من اختلال اقتصادي واجتماعي انعكس كذلك على المؤسسات ومنها الدولة، والتي تعتبر أكبر مؤسسة اجتماعية بنية الدولة تخضع للمؤثرات الاقتصادية والاجتماعية والدولة في المجتمع غير المتوازن اقتصادياً واجتماعياً تتحول إلى دويلات يعادل عددها عدد وزاراتها وإداراتها ومؤسساتها.. ويتعامل الأفراد مع الدولة في هذه الحالة وفق مفهوم خاص ووفق خبرتهم الفردية مع قطاعات وفئات من الموظفين والمسؤولين لهم أحوالهم وآراؤهم وكل مؤسسة.. كل معاملة.. كل أجراء له إجراء إداري خاص في غياب شخصية الدولة. واضح هناك انفصام داخل الإنسان بين فكره وسلوكه .. وهو فكر المجتمع الاستهلاكي غير المنتج والكسول والذي يوصف بالفكر الثرثار حيث يعج الناس بجرد ثرثارين يتحدثون كثيراً ولا يفعلون، بل يعج الفعل والدعوة إلى الفعل خفيفاً وهنا تدان الجدية والفاعلية والنزاهة والصدق ويوصف الإنسان الجاد بالساذج، واللص بالذكي، والمجرم بالشجاع والمحتال بالفطين، والمرتشي بالشاطر.. والانتهازي بالمحترم وينحدر الإنسان الصادق.. وينحدر الإنسان المنتج ويصل إلى حالة من الاغتراب الكامل عن الواقع والمجتمع.. وعن الذات أيضاً ومن هنا نقول إن إحدى الأولويات أثناء وضع الاستراتيجيات هي في إعادة التوازن إلى القطاع الاقتصادي الذي دمر في مرحلة الانفتاح والليبرالية خلال السنوات الماضية.