من الذاكرة : صلصال العذارى

من الذاكرة : صلصال العذارى

يكتسب الكثير من الأمكنة شهرته باقتران اسمه بحدث جرى على أرضه، وبخاصة الأحداث الممهورة بالدم أو التضحيات كالمعارك الوطنية ضد الاحتلال ولتحرير الوطن، أو لصد عدوان أو غزو غاشم

ومنها على سبيل المثال: المزرعة_ الغوطة_ ميسلون، وعلى الأخيرة أركّز الحديث وأبدأ بقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
سأذكر ما حييت جدار قبر           بظاهر جلق ركب الرمالا
مقيم مـا أقامت ميسلون            يُذكّرُ مصرعَ الأُسْدِ الشبالا
وعلى ما أذكر فأول مرة سمعت باسم «ميسلون» حين كنت في مرحلة الدراسة الابتدائية يوم قامت إدارة مدرستنا «الصاحبة» بتنظيم رحلة لزيارة ضريح البطل يوسف العظمة، وأذكر كيف وقف معلمنا الأستاذ عبد المجيد قاسو بعد أن نظّمنا في صف متناسق حول الضريح، وألقى كلمة مجّد فيها ببسالة وزير الحربية يوسف العظمة مع جنوده الميامين لوقف زحف غورو إلى دمشق.
وبعد أن أصبحت شيوعياً أخذَتْ «معالمُ» ميسلون تشمخ أكثر وأكثر ملء البصر والبصيرة.. وقد أسهمت مع الرفاق في تقليدهم السنوي في الرابع والعشرين من تموز بزيارة ميسلون حيث نقف بكل إكبار وإجلال حول قبر الشهيد العظيم ونحن نرفع الأعلام الوطنية مرددين الأناشيد بعد وضع أكاليل الورد على الضريح، والاستماع إلى كلمة الحزب وبعض القصائد الحماسية.
وأذكر مشاهدتي لمعركة جوية في سماء ميسلون، حين نزلنا من سيارة السرفيس التي تقلنا إلى عملنا في ثانوية الزبداني عام 1968 والتجأنا إلى الصخور لنسلم من الإصابة من القذائف بين الطيران السوري والطيران الصهيوني.. ومن يومها لمع اسم الطيار البطل فايز منصور كواحد من أشجع الطيارين السوريين، وليخوض عدداً من المعارك الجوية وليسجل اسمه في سجل الخالدين باستشهاده البطولي.
وأذكر أيضاً بنهاية ثمانينيات القرن الماضي، وخلال عملي في الإدارة المحلية كأحد ممثلي الحزب الشيوعي السوري في مجلس محافظة دمشق انتخبت لرئاسة لجنة العلاقات العامة، وكيف سعيت مباشرة لتفعيل دور هذه اللجنة وممارسة نشاطاتها، وقد نجحت في تكريس تقليد جديد للمجلس بزيارة ضريح البطل يوسف العظمة ووضع أكاليل الزهور وإلقاء كلمة باسم المجلس، ومن ثم انضم إلينا ممثلو مجلس محافظة ريف دمشق ومنذ قيام اللجنة الوطنية بعد اعلان ميثاق شرف الشيوعيين السوريين أعيد إحياء الاحتفال بذكرى معركة ميسلون وأبطالها الأشاوس، فقام شبابنا وشاباتنا بأول مسير وطني نحو ضريح بطل ميسلون بدءاً من التجمع قبل شروق الشمس أمام بيت الشهيد في حي المهاجرين ثم السير لمسافة ستة وعشرين كيلومتراً تحت أشعة شمس تموز الحارقة وهم يرفعون الأعلام الوطنية والحمراء واللافتات التي تمجّد النضال والمناضلين والشهادة والشهداء. وأنا أعتز أنني رافقت كل ما قام به شبابنا من مسيرات سنوية، وشاركت بثلاثة منها سيراً على الأقدام وقد تجاوزت السبعين من عمري.
وإن كان لي أن أضيف فأقول: لقد تبنى حزبنا حزب الإرادة الشعبية نشيد ميسلون نشيداً له، وأن الرفاق في كل المظاهرات والاعتصامات الوطنية كانوا يرفعون إلى جانب الأعلام الوطنية والحمراء صور البطلين يوسف العظمة وتشي غيفارا، وأختم الزاوية بهذه الأبيات:
يا روابي ميسلون فيك غنى الاقحوان
فيك خطَّ الصِيدُ آيات الكفاح
ضمّخوها بدماء الواهبين الباسلين
«ميسلونُ العُرِضُ صلصال العذارى»
سطروا اسطورة الشعب العظيم
رغم أنف الحاقدين الغادرين
«أرضنا تبقى على الغازين مليونَ عصيّهْ».